هل توجد سياسة مدنية بالجزائر وتحكم العسكر في مفاصل الدولة
بعد أن تمكن الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي من إحكام السيطرة على الجيش الجزائري، وتمثلت في وزير الخارجية بوتفليقة والسكرتير العام لجبهة التحرير الصالح يحياوي، وجيء بعسكري آخر لم يعرف طيلة حياته سوى حياة الجيش والارتقاء في رتبه ومدارجه،وهو الشاذلي بن جديد.
الرئيس العسكري الجديد وطيلة فترته الرئاسية، سيطر الجيش وأجهزته الأمنية على مفاصل الدولة وعلى حياة الناس،وإن كان الجزائريون يظهرون احتراما لفترة الأخير وتعلقا ملاحظا به،وكذلك لكونه حقق طفرة صناعية نوعية وأحدث نقلة في حياة الجزائريين،وبسبب كل ذلك التاريخ الحافل بوجود العسكر في حياة الناس، لم تكن سطوة الأجهزة الأمنية وتغول ضباط الجيش وأفراده في التفاصيل المعاشة، تشكل جديدا لدى الجزائريين أو تدفعهم للامتعاض من ذلك الواقع، كان ذلك تصديقا لقوة الدولة وهيبتها وإثباتا على وجودها.
لكن مع مرور الزمن والتطورات التي طرأت على المشهد السياسي المحلي والعالمي، انتهى به المطاف إلى رفض الوجود العسكري في الحياة السياسية والعامة،ولم تمضي سوى أيام لينفجر الوضع وتندلع أحداث الربيع الجزائري.
بالنسبة لكثيرين كان ذلك تطورا طبيعيا في ذهنية ووعي الشعب الجزائري، وكان ذلك انقلابا قاده الشاذلي بالتنسيق مع أجهزة استخبارات دولية غربية قوية، جاء في سياق رياح التغيير التي هبت على الاتحاد السوفياتي والدول التي كانت تسيير في فلكه، ولم تكن أيدي الجنرالات بعيدة عن سيناريو بعث الحزب الإسلامي المتشدد للوجود، كما أن فترت الحكم الجديدة لم تدم كثيرا لزعيم التاريخي بوضياف سوى أشهر معدودة، ليكتشف الجزائريون أبشع صور حكم العسكر خلال سنوات هذه الحقبة السوداء من تاريخهم، وفشل العسكر في إطفاء الحريق الذي أشعله بيده، ولم يجد بديلا سوى الاستنجاد بوجه مدني من حقبة ماضية، وسلموه منصب الرئاسة مقابل حزمة شروط وضعهاسابقا . بعد أن تم رفضها سابقا سنة 1994، لتضطرهم الظروف والتغييرات الخارجية، للذهاب إليه مذعنين، لكن بوتفليقة سنة 1999 هو غير بوتفليقة 1979، ولا هو محمد بوضياف السياسي الطيب.
استلم بوتفليقة الحكم، وبدأ في الإنتقام ونشر شهاداتهم حول جرائم الجنرالات وما اقترفوه خلال سنوات العشرية الدامية في حق الشعب، وبدأ من سنة 2000 في حملات دعائية ومهرجانات شعبية حاشدة، من أجل صناعة التفاف شعبي حوله وتشكيل دعامة حاضنة له، وستساعده في ذلك أسعار البترول الذي ارتفع بشكل كبير بسبب حروب جورج بوش الإبن،
في إطلاق برنامج إنعاش اقتصادي وطني بعد السنوات العجاف، حين تخلت عنه في الانتخابات ودعمت منافسه بن فليسو
ولا يتصور أن بوتفليقة قد حقق ذلك النصر فقط بالخلفية المدنية، لكن نجح في مشروعه عبر مكره وحنكته السياسية وعلاقاته الداخلية والخارجية، والتي وظفها في شق صفوف المؤسسة العسكرية وضرب نواة دولة العسكر،
عامل الجهوية وعامل الخلاف بينهم وبين المتنفذين في المؤسسة.
استشعر الجزائريون مع منتصف العشرية الأولى في الألفية الجديدة تراجع نفوذ العسكر، والذي كان في السابق مرادفا للطعن في الذات الإلهية. حتى كانت نهايتها سنة 2015 بإقالة رئيس الجهاز محمد مدين وحل الجهاز نفسه، فخلال السنوات القليلة التي انزاح فيها شبحهم من الساحة، وبات الجزائريون مخيرون بين أمرين أحلاهما أشد مرارة من الآخر.
ورغم أن الجزء الأكبر من وجوه المؤسسة العسكرية القديمة المتنمرة قد خسرت نفوذها وانتهى وجودها، وإن كانت القرائن تشهد بتفوق الجناح العسكري وعودة الجزائريين من جديد لحكم العسكر، فإن الجناح الآخر يحتفظ بأوراق مهمة ومنها الدعم الخارجي، والأيام حبلى بكل جديد.