لقد كان القدر وراء ما حدث للرئيس هواري بومدين حينما باغثته المنية وهو في أوج قوته وجبروته ، فقد شاء القدر أن يعاقبه على ما صنع بالنسبة للعلاقات الجزائرية المغربية التي أدخلها في متاهات أضاعت على الدولتين كثيرا من الجهود والأموال في صراع مرير ما يزال مستمرا منذ خمسة عقود.
كانت سنة 1972 تبشر بمستقبل مزدهر لكل من الدولتين المغربية والجزائرية ، إذ في هذه السنة تم إبرام الإتفاقية التاريخية التي كان من شأنها أن تطوي صفحة الصراع الناشئ عن مشكل الحدود الموروثة عن الإستعمار ، ولكن ما بدا من إمكانية الإستغناء عن الشراكة المغربية الجزائرية لاستغلال مناجم غار جبيلات جعل بومدين يتلكأفي تنفيذ تلك الإتفاقية.
ما حدث سنة 1975 من إنقلاب في موقف بومدن من مؤيد للمغرب في تحرير صحرائه إلى أخطر خصم له في مسعاه كشف عن نواياه المبيتة ، إذ حدث أن بدا له أن إنشاء كيان مستقل في الصحراء المحتلة من إسبانيا ، كما كانت إسبانيا تخطط لذلك ، وربما بالتواطئ مع الجزائر ، سيوفر للجزائريين المنفذ الذي تحتاجه بلادهم على المحيط الأطلسي ، وسيجعلها في غناء عن المغرب ، وسيمكنها بالإضافة إلى ذلك من أن تتحكم في مصير المنطقة وبسط نفوذها عليها
كان بومدين يخطط لمستقبل المنطقة المغاربية دون مراعاة مصالح المغرب ، وبالحساب الذي يبدو له وكأنه آمر قابل للتطبيق كما تخيل ٠
ما حدث بعد ذلك لم يستخلص منه الرئيس هواري بومدين العبر والدروس ، واستمر في العناد وأدخل المنطقة في أزمات ونزاعات ما تزال مستمرة لحد الآن ، وتلقي بظلالها السوداء عل المنطقة المغاربية ، ويصر خلفاؤه الذين يتحكمون الآن في الجزائر على السير في الضلال
وبعد ، أفلا يكون القدر قد عاقب الرئيس هواري بومدين على كل المآسي التي تسبب فيها ؟
صحيح أن كل ما حدث بعد ذلك كان نتيجة تنكر الرئيس بومدين ورجال نظامه لميثاق إفران المبرم سنة 1969 وما يقتضيه من التعايش وحسن الجوار ، والتخلي عن الشراكة المبرمة سنة 1972 والناتجة عن ذلك الميثاق ؟
فهل ستستيقظ الضمائر ؟ ومتى سيحدث ذلك؟.
(كتبت هذا الحديث بعد سماعي لروبورتاج يحكي ما حل بالرئيس هواري بومين من مرض أودى بحياته في آخر شهر دجنبر 1978)