في بحر الأسبوع المنصرم عرفت بلادنا نقاشا حول قرار رفع سعر الفائدة من طرف بنك المغرب و إنعاكاسات هذا القرار على القدرة الشرائية للمواطن و مدى نجاعة هذا القرار في التحكم بالتضخم الإقتصادي حيث إنقسمت الآراء ما بين مؤيد للقرار و معارض له ، المواطن المغربي اليوم ينتظر شيئا واحدا هو عودة الأسعار إلى أثمنتها المعقولة التي تناسب قدرته الشرائية و إجراءات زجرية في حق المضاربين و تجار الأزمات ، هذه الحكومة في الورق و على مستوى الشعارات لديها برنامج طموح لتنزيل مفهوم الدولة الإجتماعية الحامية للمواطن البسيط من تقلبات الزمن و الكوارث الطبيعية و الوبائية و الأزمات الإقتصادية و بالفعل العديد من الإجراءات و القرارات إتخذتها إلتزاما بالتوجيهات الملكية الصارمة لتنزيل الورش الإستراتيجي المتعلق بالحماية الإجتماعية بشكله الشمولي إنطلاقا من تعميم التغطية الصحية إلى بناء منظومة صناعة الدواء الوطنية إلى تهيئة البنية التحتية المرتبطة بالمعطيات لتقديم الدعم المادي المباشر للفئات المستحقة له .
بنك المغرب إستشعر الخطر القادم بعنوان : التضخم الإقتصادي و مدى تأثيره على الإقتصاد المغربي و القدرة الشرائية للمواطن لكن أعتقد أن هذه الحكومة تعاني من تضخم سياسي بشكل معكوس لم تستشعره بعد فعدد برلمانييها يتجاوز 200 برلماني و لديها عشرات الآلاف من المستشارين في المجالس الجهوية و الإقليمية و المحلية و الغرف المهنية لكن للأسف هذا العدد البشري الهائل من
” الأدمغة ” السياسية عاجزون كل العجز على خلق نقاش مجتمعي إيجابي و الدفاع عن الحكومة و قراراتها السياسية و الترويج لبرامجها القطاعية حيث أصبح القاصي و الداني يعرف أن هذه الأغلبية تعاني من حالة تضخم سياسي مزمن حيث تتكاثر الفراغات السياسية و الفطريات التنظيمية و الطحالب الفكرية و البهلوانيات الإستعراضية و الرخويات النضالية في تجسيد للسياسة بشكلها البائس و الطفولي و الذي يصل ببعص هواة العمل السياسي إلى الإنحدار في ممارسة السياسة إلى المعاطية و تحميل كل الإشكالات إلى التجربة الحكومية السابقة متناسين أن حزب التجمع الوطني للأحرار و حزب الإستقلال المشكلين للأغلبية الحكومية إلى جانب الأصالة و المعاصرة شاركا في كل الحكومات المغربية منذ أكثر من أربعة عقود ، هي أخطاء قاتلة في العمل السياسي يستغلها الخطاب الموازي بشكل ذكي و بارع التلاعب بالواقع والحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية و لترويج المغالطات و نشر الأكاذيب و تضليل الرأي العام ، اليوم كل المبادرات الحكومية التي تستحق التشجيع و التنويه يتم تقزيمها من طرف الأغلبية نفسها قبل المعارضة بسبب عدم قدرتها على تسويقها بشكل يتناسب مع أهميتها إلى المواطن البسيط .
اليوم هذه الكتلة البشرية الهائلة من البرلمانيين و المستشارين و رجال السياسة و المال و الأعمال يعيشون في ظل عجز تواصلي مزمن مع الناخبين الذين راهنو على مسار الثقة، هذا المسار للأسف في كل أسبوع يتعرض لرجة من طرف السيد مصطفى بايتاس الناطق الرسمي بإسم الحكومة الذي أصبح أحد العناوين البارزة لهذا التضخم السياسي بتَعَمْلُق خطابي مُمل و تصريحات مُتضاربة غارقة في النَّمطية و مبرِّرات غير مُقنعة و غير مفهومة ، تصريحات أخرى بطعم المعارضة لأحد أكبر الشخصيات السياسية في الأغلبية الحكومية النعمة ميارة رئيس مجلس المستشارين و القيادي البارز في حزب الإستقلال تنذر بوجود تَصَدُّع داخل الأغلبية الحكومية أو ربما هي إختلافات دقيقة في وجهات النظر و تقاطعات بنيوية في طريقة تدبير الشأن العام أصبحت تطفو بشكل متواتر على سطح المشهد السياسي ، في الجانب المشرق من الصورة نرى توقيع اتفاقية إطار للشراكة لتنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة 2023-2026 بغلاف مالي يصل ل 6,1 ملياردرهم بهدف إستراتيجي في أفق سنة 2026 يروم استقطاب 17,5 مليون سائح، وتحقيق 120 مليار درهم من المداخيل بالعملة الصعبة وخلق 200 ألف فرصة شغل فضلا عن إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني ، يحدث هذا وسط عودة موجة الغلاء إلى الأسواق المغربية مع تصاعد الإستهلاك في رمضان بسبب عجز الحكومة على ضبط الأسعار وحماية جيوب المواطنين من إفتراس الشناقة والمضاربين ، في مغرب آخر نجد نقاش محموم حول إصلاح مدونة الأسرة بما تحمله من تناقضات إيديولوجية حول قانون الإرث ، ثم قرار إستباقي لبنك المغرب، للمرة الثالثة منذ شتنبر الماضي يقضي برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة، في خطة مرحلية لتجنب حدوث دوامات تضخمية قائمة بذاتها ولتعزيز تثبيت توقعات الصغط التضخمي بغية تيسير عودته إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار، من الناحية الإيجابية، فإن رفع سعر الفائدة سيحد من التضخم ويؤدي إلى تحفيز التوفير وتحسين قيمة الدرهم ، كما سيساعد هذا الإجراء على جذب رؤوس الأموال من الخارج، وتعزيز الاستثمارات وتقليل الدين الخارجي. هذا القرار له جانب سلبي يتمثل في أن أن رفع سعر الفائدة قد يزيد من تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات، وبالتالي يؤثر سلبًا على الاستهلاك والإنفاق ويقلل من النمو الاقتصادي. كما أنه يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وتضرر القطاعات الحساسة للفائدة، مثل العقارات والتمويل .
يحدث هذا أيضا في غياب سياسة تواصلية من طرف الخبراء و المتخصصين و أصحاب المصلحة لتبسيط هذه الإجراءات لكي يستوعب المواطن العادي إنعكاساتها على قدرته الشرائية سواء على المدى المتوسط أو البعيد.
فشل الحكومة في تسقيف الأسعار و السيطرة عليها و عجزها عن تخفيف وَطْأَةُ الغلاء على المواطن المغربي يطرح أكثر من سؤال حول نجاعة الإجراءات الإستباقية التي إتخذتها سابقا بكلفة مالية تبلغ عشرات الملايير من الدراهم سواء لدعم مهنيي النقل أو دعم القطاع الفلاحي و كبار الفلاحين و المزارعين و تمويل البرامج الإجتماعية إلى بعض الحلول الترقيعية كإستيراد العجول و وقف التصدير نحو الأسواق التقليدية وسط عجز تواصلي مزمن لنخبة أحزاب الأغلبية وحوارييها و إعلامييها في خلق نقاش عمومي رصين و هادئ يبرر الزيادات الصاروخية في أسعار بعض المواد الغذائية .
في الجانب الآخر من القصة يستغل البعض الفهم الخاطئ للتقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في مختلف دول المعمور و من بينها المغرب حيث عمد تجار الأزمات و مروجي الخطاب العدمي و التيئيسي الإقتصار على قراءة مجتزأة لمضامينه و فقراته بما يتناسب و أجنداتهم البئيسة و تجاهل مقصود لمجموعة من التوصيات و المخرجات ” الإيجابية ” داخل التقرير تؤكد بشكل مباشر على الموقف الأمريكي من سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية و التنويه بصيرورة إنتخابات 8 شتنبر و نتائجها التي أسقطت الحزب الإسلاموي غير مأسوف عليه بشكل ديمقراطي بالإضافة لتوصيات تتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و دوره في تعزيز الدينامية الحقوقية التي تعرفها الدولة المغربية.
التقرير يصدر بشكل متزامن مع الزيارة الناجحة بكل المقاييس للسيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن العاصمة تخللتها لقاءات رفيعة المستوى مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن و مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، والمستشار الخاص للرئيس بايدن ومنسق شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك في تأكيد على عمق العلاقات المغربية الأمريكية التي تحولت اليوم بفضل المجهودات الجبارة التي بذلتها مختلف المصالح الديبلوماسية و المؤسسات السيادية لوضع تصور واضح لطبيعة هذه العلاقات و مآلاتها حيث تحولت إلى “ضرورة إستراتيحية إقليمية ” تهم الأمن و الإستقرار في وسط إقليمي معادي بشكل مباشر أو غير مباشر .
النجاحات الديبلوماسية التي يحققها المغرب على أكثر من صعيد و نجاحه في وأد و تفكيك العديد من المؤامرات و الحملات السياسية لبعض الدوائر الإستعمارية السابقة و إفشال مخططاتها التي تسهتدف إستقرار الوطن و الأمن القومي المغربي لا يمكن ضمان إستدامتها أو الحفاظ على زخمها التراكمي إلا بترصيص و تدعيم الجبهة الداخلية و هذا لن يتأتى إلا بإجراءات آنية فعالة و سياسات حكومية قريبة للمواطن شكلا و مضمونا بإستراتيجية تواصلية واضحة تقطع الطريق أمام كل المتلاعبين بأزمات الوطن و آلام المواطن المغربي لتحقيق أهداف سياسوية و إنتخابوية ضيقة.
إستحضار الروح التضامنية التي أبان عليها الشعب المغربي إبان أزمة كورونا و بعدها و حالة الإلتفاف النمطية و الطبيعية للشعب المغربي حول مؤسساته السيادية هي من مداخل تجاوز هذه الازمة العابرة ، نتذكر جميعا ملحمة الحجر الصحي عندما توارى السياسي الفاشل و الفاعل الجمعوي الغبي و بعض الطحالب و الرخويات الإيديولوجية و الإنتخابوية إلى الخلف تاركين ساحة المعركة للدولة مؤسساتها الإستراتيجية و رجالاتها في مهمة الحفاظ على أرواح المغاربة و مواجهة الوباء و تأمين الغذاء حيث إستطاعت الدولة حسم الأمر بشكل ميداني و الضرب بيد من حديد على كل تجاوز أو محاولة للإحتكار أو إستغلال الوضع أو الإتجار في الأزمة وسط دعم و مساندة الشعب المغربي .
اليوم في ظل هذه الأزمة الإجتماعية نلاحظ الإختفاء المريب لما يسمى بعصابات الكونطربوند الإنتخابي التي إستغلت فقر بعض المواطنين و تموقعهم في ظرفية إجتماعية دقيقة تتطلب المزيد من التكافل الإجتماعي و التضامن المجتمعي لتخفيف موجة الغلاء لتنفيذ أجنداتها السياسية و تحقيق مكاسب ذاتية ضيقة هؤلاء المهربون وجب الضرب على أياديهم الملوثة المتطاولة بكشل دائم على المال العام و لم لا إنتزاعهم من داخل مستودعاتهم الجمعوية بتنزيل قانون صارم يمس العمل الجمعوي الذي أصبحنا نراه يستخدم من طرف بعض الأغبياء و البؤساء إما لتحقيق مجد شخصي أو تقديم خدمات مناولة إنتخابية مدفوعة الأجر أو أخذ الصور التذكارية مع فقراء الوطن و إستعراضها بشكل خبيث و مقرف في وسائل التواصل الإجتماعي لتحصين الريع السياسي و السحت الإنتخابي .
ترصيص و توحيد الجبهة الداخلية في ظل التقلبات المتسارعة التي تعرفها الساحة الدولية بالنظر للتحديات الجيوسياسية التي تواجه المملكة المغربية الشريفة سواء داخليا أو خارجيا هو توجيه ملكي سامي لذا فإن جميع مكونات المجتمع سواء كانت أحزابا أو تنظيمات أو مؤسسات أو مجتمع مدني أو مواطنين ملزمون بالتمترس خلف المؤسسة الملكية برؤيتها المتبصرة لطبيعة المخاطر التي تهدد الأمن القومي للمملكة و المصالح العليا للشعب المغربي و تحصين الجبهة الداخلية أصبح اليوم مطلبا مجتمعيا أكثر من ضروري و إستعجالي وجب على جميع القوى الحية و الفاعلة داخل المجتمع التنبيه لضرورة الحفاظ عليها و تكريسها و العمل على تقويتها كل من موقعه و تموقعه لمواجهة التحديات الوجودية الداخلية و الخارجية التي تواجه الأمة المغريية .
و الله غالب على أمره ..