أحمد البانجو الفنان النجم المتألق الذي ملأ الدنيا وشغل الناس
بقلم/ عبد القادر بوراص
عرفته في السبعينيات خلال بداية مشواره الفني بمدينة بركان، كنت أزوره بصفة منتظمة في محل اكتراه حين يغادر مقر عمله ب”الصانديقا” الخاصة بالكليمونتين، وبمحله الضيق ذي الأثاث المتواضع للغاية لا يزيد عن الحاجيات الضرورية من طنجرة للطبخ وبراد شاي مع قليل من الكؤوس تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة.. كان مولعا بالموسيقى حتى النخاع، لا تفارقه آلة “البانجو” إلى درجة تلقيبه بأحمد “البانجو”. واظب بجد واجتهاد على مداعبة أوتار البانجو والعود حتى روضها وأصبحت مطواعة بين يديه، يردد على أنغامها أغاني درياسة وبوصوار المغناوي وبوطيبة والشاب خالد وغيرهم من الفنانين الذين أثروا الساحة الغنائية الشبابية عصرذاك، وأخذ نجمه يسطع رويدا رويدا بعد أن أسس مجموعة غنائية عرفت بجيل السلام ، ونافست فرقة العرفة في تنشيط الحفلات بمدينة أحفير الحدودية، وفرض أحمد البانجو نفسه كفنان كبير حيث غزا صوته البيوت، وأصبحت قيمة الأعراس تقاس باستضافته وحضوره، وهكذا ساهم هذا المبدع العصامي الذي لم يلج يوما معهدا لتعلم ودراسة الموسيقى في إدخال الفرحة والبهجة والسرور في نفوس ساكنة المدينة، ورقص على إيقاع موسيقاه الشعبية الكبار والصغار من الجنسين.
أحمد الطاهري (البانجو) يقضي حاليا معظم وقته منعزلا بدكانه الضيق وسط السوق المغطى بمدينة أحفير، تحيط به أشياء من وحي الذاكرة عبارة عن راديو 6 صغير وأجهزة تسجيل قديمة وأسطوانات لأهرام الغناء الراقي وشواهد تقدير وتكريم بهت لونها وحالت.. إنها جملة أشياء شاخت كما شاخ الدكان وصاحبه..
أحمد البانجو تقدم في السن ومع ذلك ما زال يجيد مداعبة أوتار صديقيه الحميمين العود والبانجو، وقد أتحفني بأغنية من الزمن الجميل بصوته الشجي وابتسامته الخجولة، فرددت معه بعض مقاطعها لننسى اللحظة ونحلق في سماء ذكرياتنا المشتركة في كل من بركان وأحفير، قبل أن يعبر سيدي أحمد عن أسفه لرداءة واقعنا الحالي المرير رغم الحرية شبه المطلقة التي نعيشها، ويحن بكل شوق إلى الماضي الذي وصفه بالجميل رغم شظف العيش وتقييد الحريات وحالة التسلط والقمع مثلما وقع مع مجموعته الغنائية حين طالبت بدعم ومقابل مادي لتنشيط حفل ذكرى عيد الاستقلال المجيد، حيث وجدوا أنفسهم معتقلين لثلاثة أيام قبل الإفراج عنهم دون إحالتهم على العدالة.
أحمد البانجو هرم شامخ في العزف والغناء، ملأ الدنيا وشغل الناس لعقود بفنه المتنوع والجميل، من أغاني محلية شعبية إلى فن الراي والعصري، ووصولا إلى روائع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما… وما زلت أسترجع في مخيلتي شريط الحفلات التي أحياها سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وهو يردد أغنية “الممرضة” استجابة لرغبات جمهوره العريض من الشباب. ويبقى سيدي أحمد الفنان النجم المتألق الذي يستوجب رد جزء من الجميل المستحق إليه، وذلك أضعف الإيمان…