عبد الرحيم باريج/
دخل العالم ومنطقة الشرق الأوسط في العام 2022، مُحملاً بأزمات لا تزال تفاعلاتها مستمرة منذ العام الماضي، فيما تبقى مساراتها مفتوحة دون حسم؛ مثل جائحة كورونا، والأزمات الاقتصادية، والصراعات الداخلية والإقليمية، والتنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين.
ومع ذلك، فإن بعض الاتجاهات البازغة في عام 2021 قد تصبح أكثر تبلوراً وتأثيراً في تفاعلات العام الجديد، فيما قد تظهر سيناريوهات مُحتملة تتراوح بين الهدوء والاشتعال مما قد تفرض مسارات جديدة على العالم.
فبينما حمل العام الماضي بزوغاً لسياسة إماراتية لـ “صفر مشاكل” في التفاعلات الإقليمية، فمن المتوقع أن تتجه الدولة إلى منح أولوية أكبر للبُعد الاقتصادي في سياساتها الخارجية في العام 2022 على أساس فرضية الارتباط الوثيق بين التهدئة الإقليمية، وازدهار الفرص الاقتصادية.
وهذا المسار صبغ نسبياً بعض تفاعلات الشرق الأوسط في 2021، لذلك يتوقع العديد من المراقبين استمراره بشكل أكبر وأوسع نطاقاً في المنطقة في 2022، في ظل عاملين محفزين على ذلك؛ الأول هو تزايد التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، وتركيزه أكثر على التنافس مع الصين في منطقة آسيا، وإن استمر في الضغط على حلفائه الشرق أوسطيين لتقليص علاقاتهم نسبياً مع الصين.
أما العامل الثاني فيتمثل في بروز سياقات خفض التصعيد الإقليمي الذي بدا مُنهكِاً لاقتصادات المنطقة، كما برز في الحوارات المصرية – التركية، من جهة، والسعودية – الإيرانية من جهة أخرى.
ومع ذلك، فإن هذا الهدوء الإقليمي المتوقع قد يظل محفوفاً بالمخاطر في ظل إقليم لم تستقر توازنات القوى فيه ويعاني أزمات بنيوية، وعلاقات مختلة بين الدول والمجتمعات، الأمر الذي يجعله دائماً قابلاً للتفجر في أي لحظة، إذا ما توافرت له الشرارات المناسبة.
سيتحدد مسار الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران في العام 2022،على سبيل المثال، وما إذا كان سينتقل من المواجهة غير المباشرة إلى المباشرة، في ضوء النتائج التي قد تسفر عنها المفاوضات الغربية مع طهران حول الاتفاق النووي، والتي للمفارقة أيضاً ستنعكس في الوقت ذاته على طبيعة ديناميات الأزمة اليمنية سلماً وحرباً، بحكم لعبة التشابكات المعقدة وتوظيف الأوراق المتبادلة بين أزمات الشرق الأوسط.
قد يكون صحيحاً أن تهدئة القوى الإقليمية انعكست جزئياً على بعض حالات دول الصراعات الداخلية، مثل ليبيا وسوريا في العام 2021. ومع ذلك، لم يتم وضع حلول فعالة تُنهي هذه الصراعات الممتدة منذ عام 2011. فتلك الحلول ستظل على الأغلب رهينة لصفقات بين القوى الإقليمية قد يتم التفاوض عليها في العام الجديد.
وما يدل على ذلك أن الاتجاه التركي للتهدئة الإقليمية لم يوازه تخل عن المرتزقة الأجانب في ليبيا، لكونهم ورقة مساومة لأنقره في شرق المتوسط، ومع حلف “الناتو” والولايات المتحدة؛ بل إن الهدوء الإقليمي حول أزمة ليبيا لم يجعل الفرقاء الداخليين في هذا البلد قادرين على عقد الانتخابات في دجنبر 2021، نظراً لغياب توافق داخلي وخارجي على إدارة المرحلة الانتقالية.
يبدو التنافس الأمريكي – الصيني مهيمناً،عالمياً، فبات يتمدد إلى مجالات متعددة، سياسية واقتصادية وتكنولوجية وثقافية، وتتسع جغرافيته من آسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا. بيد أنه سيظل على الأرجح تنافساً سلمياً من دون تورط القوتين العالميتين في مواجهة عسكرية مباشرة، بسبب طبيعة الاعتماد المتبادل بينهما، بما يُصعب على واشنطن عزل بكين كلياً. فالولايات المتحدة لا تزال تحتاج لتعاون الصين في مجالات اقتصادية وأمنية، وكذا تغير المناخ التي شهد اهتماماً عالمياً به في 2021 خلال المؤتمر الأممي في جلاسكو، وسيزداد مع القمة القادمة “COP27” التي ستُعقد في مصر خلال العام 2022.
وفي الوقت ذاته، فإن تداعيات جائحة كورونا خلال العامين الماضيين ستستمر خلال العام 2022 عبر متحوراتها التي لم تنته بعد، وكان آخرها ” أوميكرون”. ومع ذلك، فإن تلك التداعيات ستكون أكثر وطأة في الدول الفقيرة بسبب نقص اللقاحات مقارنة بالدول المتقدمة التي استأثرت باللقاحات عالمياً.
وتزداد تلك الوطأة أكثر في ظل معدلات النمو السكاني المرتفع في الدول النامية، والتي تجعل من الشريحة الشبابية الغالبة على هيكل سكان هذه الدول بؤرة احتقانية تهدد باضطرابات سياسية قادمة، بسبب عدم حل أزمات مثل البطالة والفقر، فضلاً عن أزمة الديون والتضخم العالمي بفعل اضطرابات الأسواق واختلالات سلاسل الإمداد.