إن ما قاله الدبلوماسي المغربي الدكتورخليل الحداوي وتم بثه على صفحات الفيسبوك له حظه من الإعتبار، خصوصا بالنظر ألى ما نشرته مجلة ( فورين بوليسي ) الأمريكية ، لكن لا أعتقد أن الدكتور المتحدث يجهل شخصية كاتب مقال المجلة السيد بولطون الذي عمل مع الرئيس الإمريكي السابق كمستشار الأمن القومي ، وكان ترومب قد عزله وربما بسبب مواقفه من قضية الصحراء. وإذا لم يكن يعرفه وملما بمواقفه فلا يصح أن يحمل صفة ديبلوماسي ، فبالأحرى أن يمثل المغرب في الأمم المتحدة ، كما تم تقديمه وهو يتحدث . فهل للدكتور الحداوي حسابات مع البعض من زملائه ؟ أو أن انتقاداته للقائمين على الشؤون الخارجية للمغرب لها ما يبررها ؟
وللتذكير فقد حاول بولطون هذا عندما كان يمارس مهامه في البيت الأبيض توجيه الضغط على المغرب ، بل مارسه بالفعل وتوصل إلى تخفيض مدة التجديد لمهمة المينيرسو من قبل مجلس الإمن من سنة إلى ستة أشهر ، كما حاول أن يغير من سياسة أمريكا المناصرة للمغرب ، وبالقدر الذي يخدم أطروحة الجزائر، وكان، وكأنه موكول له وبالمقابل الدفاع عن هذه الأطروحة .
وفور عزلة أسس مكتبا لتقديم الخدمات الإعلامية والإشهارية التي تستهدف توجيه الرأي العام الأمريكي لمناصرة قضية معينة أو الوقوف ضدها ، وبالتالي التأثير على المشرعين الإمريكيين من خلال الرأي العام ٠ والمكتب المذكور يشتغل بشفافية كغيره من المكاتب المشابهة وفي الإطار المسموح به قانونيا ٠ وفور تأسيس بولطون لمكتبه سارع المسؤولون الجزائريون إلى طلب خدماته مقابل ملايين الدولارات ، وأعتقد أن المقال المنشور في مجلة فورين بوليسي يدخل في هذا الإطار .
هذا ولقد ظهر بعد أن تخلص البيت الأبيض من بولطون ومنذ عهد ترامب تغيير ملحوظ في سياسة البيت الأبيض إزاء نزاع الصحراء ، وأحتفظت وزارة الخارجية الأمريكية بنوع من التوازن في تعاملها مع الصراع المغربي الجزائري، وحاولت نهج سياسة الحياد إزاء نزاع يزعج واشنطن ، مثلما يزعج المجتمع الدولي . ومع التطورات التي عرفتها قضية الصحراء والمواقف الحازمة للمغرب ، والطريقة التي عالج بها المسؤولون المغاربة أطوار نزاع الصحراء ، سواء على الصعيد الدولي بممارسة الضغط على شركائه الأروبيين ، أو على الصعيد الإقليمي بانتهاج الطرق السلمية ،وتجنب أي موقف أو عمل ينذر بنشوب نزاع مسلح مباشر مع الجزائر، وإن كان قادة الجزائر لا يفتأون يعلنون صراحة عداءهم للمغرب ويحاولون إلحاق الضرر به ، ناهيك عن العنف اللفظي الذي تتسم به حملاتهم الإعلامية الرسمية والمكثفة.
والواقع أن السياسة الأمريكية تطورت خلال السنوات التي سبقت عهد بايدن ،ثم منذ أن تولى بايدن الرئاسة وبالقدر الذي خفف الضغط على المغرب ، وأتاح له تنفيذ مخطط تنمية الأقاليم الصحراوية الأطلسية المغربية ،أملا في أن تبدو في الأفق بوادر تسوية نزاع الصحراء. . . .
وإذا كانت الولايات المتحدة قد رجحت مناصرة مخطط المغرب لتسوية النزاع ، وبالتالي الإعتراف للمغرب ولو ضمنيا بالسيادة على أراضيه الصحراوية ، فلأن هذا الموقف يخدم أهدافها الإستراتيجية ، ويخدم قضايا السلام أيضا ٠ لكن يجب التأكيد على أن المغاربة ، ( وأعني هنا المسؤولين ) لم يكونوا ، كما يقولون ينتظرون من أي أحد أن يسلم لهم صك إمتلاكهم لصحرائهم الأطلسية ، فلقد إنتزعوها بالنضال السياسي والدبلوماسي وبالطرق السلمية.
كما أن المغرب لم يستكن ولم يحتسب أن معركة تحصين صحرائه بهدف مواجهته مع من ينازعه وحدة ترابه قد إنتهت ، وأن كان قد استطاع أن يحسم قضية السيادة على أراضيه من طنجة إلى الكويرة حتى وإن استمر النزاع عقودا أخرى من الزمن ، ولقد سارخطوات في سبيل تحقيق ذلك عندما أنهى خرافة المنطقة العازلة في منطقة الكركرات وحصنها من تسرب عناصر البوليساريو الذي كانوا يتباهون بظهورهم على شاطئ المحيطالأطلسي .
وفور طرد البوليساريو من منطقة الكركرات حول المسؤولون المغاربة الكركرات من مركز حدودي معزول في قلب الصحراء ، إلي تجمع سكاني سيتحول إلى مدينة جديدة مزدهرة في قلب الصحراء ، سيكون المسجد الكبير الذي تم تشييده وفتحه في وجه المصلين القطب الذي سيتوسط المدينة .
ويبدو من الأن أن كل المعطيات توحي بتحقيق هذا الهدف. وستضاف مدينة الكركرات إلى المدن المحدثة وإلى تلك التي تم تطويرها في الصحراء المغربية .
وإذ نعود إلى الحديث عن إعتراف ترامب فلكي نشير إلى أنه من الناحية القانونية يعتبر بمثابة أعتراف صريح من دولة الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه ، والتأكيد على أن ما حدث منذ التصريح الرسمي بذلك الإعتراف يكتسي أهمية قصوى لعدة اعتبارات ٠ فأولا وقبل كل شيء لم يحدث ما يلغي ذلك الإعتراف ، حتى وإن كانت أدارة بايدن تجنبت التأكيد عليه في بياناتها ، وذلك جبرا لخاطر المسؤولين الجزائريين وحفاظا على مصالحها في الجزائر واستثماراتها في ميادين الطاقة .
ومع ذلك أعتقد أن كل خطوات إدارة بايدن ومواقفها كانت متطابقة مع مواثيق التحالف الثلاثي المبرم في آخر عهد ترامب مع أمريكا وإسرائيل . كما أن إرتباطات الولايات المتحدة بالجزائر للمحافظة على مصالحها ، لم يكن ليحول دون إقدام الأمريكيين على تعزيز تحالفهم مع المغرب ، وهو تحالف تمثل في إبرام عدة مواثيق تربط أمن المغرب بأمن الولايات المتحدة ، ولمدة عشر سنوات بالإضافة إلى الإتفاقيات المتعلقة بتزويد المغرب بما يضمن ويعزز قدرته الدفاعية.
وبعد ، من حق الدكتور خليل الحداوي وغيره من المغاربة الذين ترتبط مهامهم بصفة مباشرة بتطور نزاع الصحراء أن ينزعجوا من أي بادرة لا تخدم قضية الصحراء ، على إعتبار أنها قضية وجود ، لكن أعتقد أن ما صدر في مجلة فورين بوليسي ذائعة الصوت لن يقلب الأوضاع ، ولن يرجع بقضية الصحراء المغربية إلى الوراء ، أي إلى التاريخ الذي إنطلقت فيه منذ أكثر من أربعة عقود ونصف من الزمن ، ولا حتى لأوائل التسعينات من القرن الماضي ، أي للفترة التي تم فيها الإتفاق مع الأمم المتحدة على ترتيبات تسوية نزاع الصحراء ، ومن بينها الإستفتاء على تقرير المصير وأقامة مناطق عازلة ، لأن الظروف تطورت ولأن المغرب لعب على عامل الزمن وعلى إندماج الأغلبية الساحقة من أهل الصحراء الذين اختاروا طواعية أن يظلوا في أرضهم وأرض أجدادهم ، وأن يساهموا في معركة البناء وفي تكريس الإندماخ السياسي والإقتصادي والإجتماعي بين الإقاليم الصحراوية الأطلسية وباقي أقاليم الوطن وأن يمارسوا تدبير الشؤون المحلية والإقليمية لأقاليمهم ضمن المجالس المنتخبة ، إلى جانب المساهمة وطنيا في التشريع والمراقبة على الصعيد الوطني عن طريق ممثليهم في البرلمان ، ولقد إختاروا إضافة إلى ذلك العمل على إستتباب الأمن والسلام والإطمئنان في ربوع الصحراء المغربية.
تبقى قضية اللاجئين الصحراويين الذين يعيشون المأساة المفروضة عليهم في مخيمات تندوف ، ويعانون الأمرين من جراء قساوة الطبيعة إلى ظلم ذوي القربى ، فلا إمكانية أمامهم ولا حرية لديهم تتيح لهم العودة إلى أراضيهم ، أو بالأحرى أراضي آبائهم وأجدادهم ، لأن عمليات الترحيل ترجع إلى فترة تجاوزت أكثر من أربعة عقود ونصف ، شهدت تعاقب جيلين ، وعاشوا خلالها على الأمل في العودة إلى أرضهم .