الحكومة “تعتقل” دستور المملكة و”تسطو” على مجلس الصحفيين
عاش الشعب المغربي لحظات عصيبة إبان ما سمي بالثورات الربيعية في العام 2011، وبالقدر الذي كان يخاف على استقرار المملكة، بالقدر الذي كان يتوق إلى التغيير واستنشاق أكسجين جديد للحرية في ظل دستور، يسمو إلى تحقيق عدالة اجتماعية وترسيخ دولة المؤسسات المبنية على الحرية والديمقراطية التشاركية وانصاف المغاربة على حد سواء، يكون هذا الدستور، القاسم المشترك الذي تؤسس عليه وبه مؤسسات الدول تدبيرها لشؤون المواطنين وشؤون الوطن.
خلال هذه الرجة الشعبية التي عشنا حرارتها وتموجاتها، بقليل من التوجس، ووافر من الأمل في أن يكون ضمير المملكة، كما كان دائما وعبر مر العصور، منصتا لصوت الشعب ومتجاوبا معه، بل ومنخرطا حتى في طموحه الجمعي واعترافا بوفائه لاستقرار المملكة ورغبته في جعل المغرب في الصف الأمامي للدول المتقدمة. نطق جلال الملك محمد السادس في خطاب تاريخي( 09مارس2011) وفي عز الثورات الشعبية التي اجتاحت المنطقة العربية، وخربت الانسان والمؤسسات معا. أراد ملك البلاد، بأن يشرك الشعب في إنجاز دستور تستحقه هذه الصحوة الشعبية المميزة والمسؤولة. فكانت بحرصه الشديد ورشة دستورية مميزة واستثنائية، أنتجت دستورا جد متقدم على المستوى الإقليمي والدولي، حظي بإشادة دولية واسعة. وأنهى أكسجين دستور 2011 الرجة الشعبية التي كانت تطالب به وبالأنصاف في الحقوق والواجبات.
مناسبة هذه التوطئة، فقط لأقول بأن ما أقدمت عليه الحكومة أمس الخميس (13أبريل 2023)، بالتصويت على مشروع إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون المجلس الوطني للصحافة، يمهلها المرسوم المحدث سنتان، ويخص بتدبير شؤون المهنة من انتهت صلاحيتهم في هذا المجلس، والاقتصار فقط على بعض الأسماء دون غيرها، نكاية في الأصوات التي رفضت تعطيل حيوية المجلس الوطني للصحافة، وطالبت بإجراء انتخابات مهنية، يكون فيها صوت الصحافي، الحاسم في انتخاب من يسير شؤونه وشؤون مهنة الصحافة ببلادنا.
هذا الفعل الحكومي يعد فعلا شنيعا وانتكاسة فظيعة و”اعتقالا بينا لدستور المملكة” الذي شارك في إنجازه شعب بكامله من خلال ممثليه في البرلمان والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والكفاءات الأكاديمية ورجال القانون والحقوقيون والنقابات ونساء ورجال الصحافة، وصوت عليه الشعب المغربي في يوم بهي تاريخي، كان حقيقة، عرسا دستوريا بامتياز، احتفى خلاله الشعب المغربي بصون ضمير الأمة، شاكرا، موفيا ومخلصا، وفيا للجالس على عرش المملكة.
دستور 2011 الذي نقل المغرب من السفر عبر القطار الخشبي إلى القطار الفائق السرعة (المكوكي)، فتحت المملكة الشريفة خلال عقدين من الزمن بعد هذا الدستور، أوراشا مهمة ضخمة ولافتة، جلبت أنظار العالم إلى المملكة، وهي تعيش اليوم في حركية اقتصادية واجتماعية وتنموية قوية، جعلت المغرب رقما صعبا في محيطه الإقليمي ومؤثرا في المحيط الدولي.
كيف للحكومة المغربية الحالية، بعد تراجعات كثيرة سجلها “الترمومتر” السياسي المغربي في سجلها القهقري، أن تضيف إليه نكوصا آخر، سجله قرارها المشين والغير قابل للتصديق، ويرفضه المنطق بحكم واقع الشيء المقضي به.. أليس فيكم رجل رشيد؟ !!.
ألم نكن في صحوة دستور العام 2011 متفقين جميعا على أن يكون هذا الدستور أساسا، ومرجعا لفك كل الاختلافات والتدافعات السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية وغيرها، والتي تتغيا خدمة الشعب وخدمة قضايا وطننا العزيز في نكران للذات، وسمو للضمير الوطني، وحرصا على الوفاء والإخلاص لثوابت الأمة المغربية.
وأمام ما يحدث، وفي ظل هذا الصحو الإعلامي الذي تقوده “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف” و”الجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والتواصل” ومعها كل المهنيين في الجسم الصحافي والإعلامي، الرافض لكل قرار لا يحترم دستور المملكة، والذي التفت حول هذا الرفض بعض الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وكل أحرار هذا الوطن في استنكار جمْعي غير مسبوق على ما أقدمت عليه الحكومة الحالية التي سطت بقرارها هذا (أمس الخميس) على مهام المجلس الوطني للصحافة، وأدخلته خندقا سحيقا وبدون بوصلة، ورمت به جمرة حارقة في حِجْر برلمان الأمة.
فهل ينصت ضمير الوطن الذي أقسم عليه برلمانيو الأمة أمام الشعب بصفتهم صفوة المجتمع خلال الانتخابات، باعتبارهم ملجأ أمان واطمئنان لمنتخبيهم على شؤون الشعب وقضاياه، أم أن لغة الهروب إلى الأمام التخفي وراء تقضية المصالح الشخصية والحزبية الضيقة هي من ستنتصر لتنفيذ “اعتقال” دستور المملكة، ويكون مجلس الأمة عوض أن يُشَرع لما يخدم الأمة، سيُشرع لما ينكص عهد الثلاثي الحكومي للمغاربة الذين نالت ثقتهم، ويعادي مصالح الوطن والمواطنين، لأن الاعتداء على الدستور هو اعتداء على ثوابت الأمة، وخيانة لضمير المملكة الشريفة.