بقلم: نورالدين اليزيد
ويستمر اختطاف قبيلتنا الصحافية هذا الاختطاف السريالي في واضحة النهار -بعكس كل الاختطافات التي تتم في جنح الظلام- وباستغلال مؤسسات الدولة من حكومة وبرلمان ومال عام، وبتواطؤ مع البعض من بني جلدتنا الصحافيين الذين يمارسون أي شيء ملتبِس، وهذا دأبهم كما تفضحه “مسيراتهم” المهنية، إلا أن يكونوا يمارسون الصحافة والإخبار والإعلام وصناعة رأي عام!
أسباب نزول هذا الكلام هو هذا اللغط، بل قلِ السُّعار الذي أصاب بعض القوم من قبيلتنا، على إثر عملية سطو “مُسلح” بالنوايا السيئة، على القوانين وعلى الدستور، من أجل الاستحواذ على المِهنة ومعها الغنيمة طبعا، من طرف هذا “البعض”، الذي للأسف استطاع أن يستقطب الحكومة إلى صفه، لسنا ندري هل بسبب سذاجة الوزير الوصي أم بسبب تواطؤه أو خضوعه لابتزاز هذا “البعض” المتمرّس على الحروب والمكائد “التنظيمية”، الحزبية والنقابية والجمعوية!
إنه السطو على “المجلس الوطني للصحافة” الذي انتهت ولايته الأولى في يوم 4 أكتوبر 2022، قبل أن تلجأ الحكومة في شخص وزير التواصل إلى استصدار مرسوم بتمديد فترة ولايته ستة أشهر، لتلافي وجود “فراغ مؤسساتي”، بحسب ما صرح الوزير محمد بنسعيد حينئذ، وهي المدة التي انتهت في 4 أبريل الجاري، لتتدخل الحكومة من جديد وتصدر مشروع مرسوم بإحداث لجنة مؤقتة تشرف على تدبير مهام المجلس المنتهية ولايته لفترة عامين، في انتظار إجراء الانتخابات المجدِّدة لتركيبة المجلس، وبعدما يتم تدارك الفراغ القانوني المبرر لهذه الوضعية المرتبِكة بل والشاذة، وهو غياب أي نص تشريعي يُحدد مسطرة تجديد هياكل هذا المجلس؛ في ما يشبه الانقلابات التي تجري في “جمهوريات الموز”، التي يلعب قادتُها الفاسدون الانقلابيون على مسألة الوقت لترسيخ وتكريس سياسات وأشخاص معينين واقِعاً في مناصب الإدارة والحُكم!
كان من الممكن أن يبتلع المهنيون على مضض ويُرددوا “آمين” ويقبلوا هذه المسطرة المارطونية التي حشرت الحكومة نفسها فيها، في خرق سافر ومفضوح للمبادئ التي على أساسها خرج هذا “المولود” الصحافي إلى الحياة، وهي الاستقلالية والتدبير الذاتي لمهنيي القطاع لِقبيلتهم/مهنتهم، لولا أنْ ظهرت أصوات من ذاك “البعض” تفضحهم تصريحاتهم وتهافتُهم وإصرارُهم على هذا الحل الترقيعي المُبيّت، وهم يزعمون أن هذا الإجراء المنافحين عنه بكل ما أوتوا من إطارات مهنية ومنابر إعلامية تابعة لهم، وبما أوتوا أيضا وخصوصا من تدليس وتزييف للحقائق، ومن دعم معنوي ومادي من الحكومة، هو إجراء يخدم المهنة والمهنيين، لأنه سيُقوي المقاولة الصحفية ويؤهلها أكثر لتواكب متطلبات العصر، وذلك بمحاربة الريع وتكريس التنظيم الذاتي للصحافة وترسيخ وضمان حرية التعبير، وغير ذلك، كما زعموا ويزعمون زورا وبهتانا وإفكا عظيما؛
لأن فحوى وثنايا خطاب هؤلاء المدافعين عن حالة الشذوذ هاته، وعلاوة على أنه خِطاب صادر عمّنْ أيْدِيه وأرجُله منغمسة بالكامل في ريع المال العام والإشهار المتدفق بلا هوادة على منابرهم وبالنتيجة على حساباتهم البنكية، وعَمّن نفْسُ أيديهم وأرجُلهم منغمسة في التواطؤ مع جهات في السلطة تزعجها الصحافة الحرة، للتضييق على حرية التعبير في أفق وأْدها ودفْنها وقراءة الفاتحة على روحها المخنوقة بعد حين، فإن خطابهم يكشف بوضوح مساعيهم الحقيقية وأهدافهم “العدوانية” اتجاه نفس بني جلدتهم، ممن يحملون شغفا مهنيا وطموحا بِعرض السماء في تطوير المهنة وتنظيمها، لكنهم يختلفون مع هذا “البعض” في الطريقة وفي الأسلوب؛ بأن لا يتستقوي أصحاب المقاولات المحظوظة التي يأتيها الدعم، المادي والمعنوي، من بين أيديها ومن خلفها ومن أمامها، على المقاولات الصغرى التي إما يصلها بعض فُتات الدعم الذي لا يغطي حتى مصاريف ورسوم الهاتف والماء والكهرباء لمقرّاتها، وإما التي لا يصلُها ولو درهم واحد من هذا الدعم!
ومن دواعي الريب في هذا التوجه الانقلابي للقابضين على زمام أمور هذا “المجلس” المختطف، أيضا، ما نقلته لنا مصادرنا من داخل مقره في فيلّا حي السويسي بأن هناك خطة محكمة الحِبكة لدى الأعضاء الأقوياء بالمجلس، بأن يعملوا كل ما بوسعهم لتأبيد سيطرتهم عليه تماما كما هو حال النقابة الأكثر تمثيلية للصحافيين؛ وذلك بعدما يكونون قد مهدوا لمبتغاهم هذا بغربلة الحقل الإعلامي، وعزل الأصوات المزعجة التي لا تغرد بما يغردون به في سِربهم، عن طريق إعادة النظر من جديد في شروط منح البطاقة المهنية، ثم العمل بمعية بعض الباطرونا التي تؤيد مساعيهم الإقصائية والإئستصالية، على تضييق الخناق على المقاولات الإعلامية التي لا تقف وراءها لوبيات أو أحزاب أو جهات سلطوية، لمنعها من الوصول إلى الدعم العمومي أو الاستفادة من الإعلانات سواء الإدارية/العامة أو الخاصة.. كل هذا تحت يافطة براقة وكذابة هي الإصلاح والتنظيم المفترى عليهما!
أخيرا، وهذا تحدي يقدمه كاتب هذه السطور إلى الذين يتنطعون بأنهم، وهم يسيرون بهذا “المجلس” إلى المجهول الملعون، أي الاختطاف والسطو، (بأنهم) يمثلون المقاولات الإعلامية الأكثر تنظيما والأكثر إمكانياتٍ مادية والأكثر احتراما لميثاق شرف المهنة، وهو ما يجعلهم يصِرون على تنزيل كُل ما مِن شأنه أن يصون ويحمي المهنة، سواء تعلق الأمر بالقوانين أو بهيئة تدبير ذاتي قوية ومنظمة.. ما حجم مقاولاتكم الإعلامية هاته من حيث المقروئية والتواجد في أولويات القراء المغاربة؟
أتمنى أن تكون لبعض هذا “البعض” الجرأة والشجاعة ويُكذبوا حقيقة أن كل جرائدهم الورقية، سواء التابعة للأحزاب أو التابعة لهاته الجهة أو تلك، يكون مآلها الأسواق والدكاكين الشعبية ليستعملها الباعة في بيع بضائعهم، وأن الحزبية منها -مع احترامنا لها كمدارس قبل أن يسيطر عليها القوم اليوم- بات لا يقرأها حتى مناضلو تلك الأحزاب؛ وأن منابركم الإلكترونية لا يزورها إلا بضع عشرات أو مئات من الزوار، في أفضل الأحوال، وهو ما تحصيه محركات البحث العالمية المتخصصة، وأن التي منها يرتادها الزوار فإنما من باب فضول الاطلاع على مواضيع الفضائح والناشز من الأخبار التي تدخل في عِداد الصحافة الصفراء! بينما في المقابل، ويكفي افتخارا المقاولات الصّغرى التي تريدون تصفيتها وإعدامها بسبق إصرار وترصد، أنها بالرغم من إمكانياتها المادية الضعيفة والمتواضعة جدا، يقبل عليها القراء بكثرة، لِما يرون فيها من مصداقية ومهنية، وهو ما يجعل حتى وكالات الأنباء والقنوات الدولية تقتبس منها وتأخذ عنها الأخبار..
هنا بيت القصيد.. هي مسألة سطو واختطاف، وهي حرب وجود بين مَن أراد أن تكون الصحافة بالنسبة إليه مجالا للكسب والربح المادي فقط، ولتذهب الرسالة الإعلامية إلى الجحيم، وبين من لا يرى في الصحافة إلا أنها صاحبة الجلالة والوقار التي تمثل سلطة رابعة تريد أن تكون لها مكانتها المحترمة بين باقي السُّلَط الأخرى!
برافو برافو أيها الزميل العزيز ” المُختطِفون والمُختطَفون في قبيلة الصِّحافة” كامل مودتي