مَأْسَاةُ رَايَان . تُحْيِي أَوْجَاع جْرَادَة..
د.بن يونس المرزوقي/
مَأْسَاةُ رَايَان . تُحْيِي أَوْجَاع جْرَادَة..
الانتظار الجماعي لإخراج الجثث..
نص لم أتمكن من نفسي عند كتابته..
الانتظار الجماعي لاستخراج الجثث..
ظاهرة عاشتها كل المدن المنجمية.. وعلى رأسها كانت مناجم جرادة للفحم الحجري..
كانت الأنفاق ضيقة..
ولم يكن عمق “البئر” 30 مترا.. ولا 60 مترا.. فكلما استمر استغلال المنجم كلما أصبح العمق اكبر.. فانتقل إلى 100 متر.. إلى 200 مترا.. إلى 400 متر.. وهكذا ..
لكم كامل الحرية في التصور:
مثلا.. جثة على عمق 500 متر عموديا.. وثلاث كيلومترات أفقيا.. كان ذلك قاسيا..
فالساكنة كانت معزولة.. لا أنترنيت ولا وسائل تواصل.. باستثناء:
– إذاعة لا تهمها مثل هذه الأخبار..
-:وتلفزة رغم أنها كانت بالأبيض والأسود.. لكن لا تنقل أي شيء عن سواد جرادة.. كانت تنقل ألوان الزهور والورود.. وخضرة أشجار الغابات.. وزرقة الشواطئ..
-:وجرائد لا مكان لها نتيجة انتشار الأمية..
لحظة خروج العامل من منزله للذهاب المنجم كانت لحظة قاسية..:تتكرر كل يوم باستثناء الأحد..
ينهض العامل.. تنظر اليه الأسرة كاملة.. الأكبر سنا يدعو له “ربي يحفظك…”.. الباقي يبقى صامتا..
يخرج العامل.. تتجمد العائلة بضع لحظات قبل أن يرجع الوضع للحالة الطبيعية..
وصول خبر “سقوط المنجم”.. ويقصد به سقوط الصخور والأتربة داخل الأنفاق في باطن المنجم.. يجري بين الأحياء بسرعة لا تقاس..
تخرج العائلات.. كلها.. لأن اسم الضحية.. أو أسماء الضحايا لا تكون معروفة..:وعملية رفع الفحم الحجري والأتربة داخل نفق ضيق تتطلب حسب الحالة.. ساعات وساعات..
تكثر الإشاعات عن اسماء الضحايا.. يكفي أن يتأخر عامل في الاتصال بعائلته.. إلا والعائلة تسرع في “تحضير” نفسها لوصول أخبار سيئة ..
عند استخراج الضحية أو الضحايا.. تظهر مشاكل أخرى.. سيادة اللون الأسود للفحم الحجري.. وجه الضحية.. لون ملابسه.. جسد الضحية لا يمكن التعرف عليه مباشرة: ثقل أحجار الفحم الحجري ضغطت عليه..
لا يكاد المشاهد يرى إلا سوادا في سواد..
تكرر هذا مئات المرات..
رغم كل المجهودات التي تم القيام بها لتحسين ظروف العمل.. لكن منجم جرادة كان من طبيعة خاصة.. لأنةالأنفاق كانت ضيقة.. حجمها ما بينو40 و80 إلى 90 سنتم!!
مأساة كانت تعيشها عائلات العمال في صمت.. وفي عزلة..
وكان المعين الوحيد. هو ذاك التضامن العمالي الذي كسر الانتماء القبلي.. والانتماء النقابي.. والانتماء السياسي.. فالمآسي كانت أكبر من كل ذلك..
كانت مآس إنسانية..