سلط العلامة تقى الدين المقريزى في كتابه “إغاثة الأمة بكشف الغمة” الضوء على حال الشعب في عهد الدولة المستنصرية، وهو يصف كيف استشرى الغلاء في البلد، فيقول “انتهب الخبز من الأفران والحوانيت، حتى كان العجين إذا خرج إلى الفرن انتهبه الناس فلا يحمل إلى الفرن ولا يخرج منه إلا ومعه عدة يحمونه بالعصي من النهابة، فكان من الناس من يلقي نفسه على الخبز ليخطف منه، ولا يبالي بما ينال رأسه وبدنه من الضرب لشدة ما نزل به من الجوع”.
وتربع الإنسان في المغرب على أعلى درجات الاهتمام ، باعتباره أغلى ثرواتها وأساس نهضتها وتقدمها في حاضرها ومستقبلها، فقد حظيت كل الوسائل والمقومات المؤدية إلى حياة اجتماعية لائقة له ولأسرته بأوفر قدر من التخطيط الأمثل في ظل التزام تام بقواعد الدين الحنيف، وتحت رعاية تدابير تنظيمية وتشريعية تضمن لهذا الإنسان حقه في حياة كريمة، ويجد ذلك ترجمته الصادقة في دستور الدولة بالمساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع، والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم.
وفي هذا السياق، رفضت الحكومة اتهامها بالفشل في مواجهة أزمة غلاء الأسعار التي تجتاح الأسواق المغربية، تزامنا مع حلول شهر رمضان، مؤكدة في أواخر مارس المنصرم على لسان ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، أن الإجراءت التي قامت بها والتي ستتخذها فيما بعد سوف تعطي نتائج في غضون القادم من الأيام. وسجل الوزير المفروض تغييره في التعديل الحكومي المرتقب بعد ثبوت فشله في التواصل نيابة عن الحكومة ورئيسها، أن “موضوع الأسعار، عملت فيه الحكومة إجراءات كبيرة جدا لم تحقق الهدف بالشكل الذي تطمح له الحكومة ويجب أن نعترف بذلك لأنه يبدو أن مشكل الأسعار أعقد بكثير”، وأن “أسعار الطماطم بلغت مستويات قياسية وكلنا غير راضيين عنها و ما عاجبناش لأنه لايتوافق مع معدل الدخل الفردي ومع الأجور خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة”، وهذا اعتراف منه بأن الحكومة رفعت الراية البيضاء أمام المضاربين الذي يتسببون في التهاب أسعار الموادة الأكثر استهلاكية، بل وأقر بايتاس بفشل الإجراءات التي أقرتها السلطات العمومية لمواجهة موجة الغلاء التي تجتاح الأسواق المغربية، مؤكدا أن التدابير المتخذة لم تفلح في تحقيق النتائج المرجوة بشأن تخفيض الأسعار.
وتقاطرت أسئلة قوى المعارضة البرلمانية على الحكومة من أجل استعجالها إلى اتخاذ اجراءات عملية لحماية القدرة الشرائية وضمان الأمن الغذائي لجميع المواطنين، في ظل تفاقم معاناة الاقتصاد المغربي منذ فترة طويلة من مشكلة ارتفاع الأسعار، واستمرار موجة غلاء معظم المنتجات الفلاحية التي ألهبت جيوب المغاربة تزامنا مع حلول شهر رمضان الذي يعتبر فترة مهمة من السنة بالنسبة للمغاربة وتميزه بزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية. ورأت المعارضة في البرلمان، أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة تبقى غير كافية وحدها لحل مشكل ارتفاع الأسعار في فترة رمضان، مشددة على ضرورة اعتماد استراتيجية جديدة لتنظيم الأسواق بشكل أفضل وتشجيع المنتجين على زيادة الانتاج المحلي لتلبية الطلب الزائد خلال هذه الفترة الحرجة.
ودعت العديد من الأحزاب خارج التحالف الحكومي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إلى الكشف عن الاجراءات العاجلة التي ستتخذها من أجل خفض الأسعار بما يتناسب والقدرة الشرائية لغالبية الأسر المغربية بشهر رمضان. وأوضحت أنه في ظل استمرار غلاء أسعار الخضر والفواكه واللحوم والأسماك والحليب وغيرها من المواد الاستهلاكية، تزامنا مع حلول شهر رمضان الأبرك، واستمرار القدرة الشرائية للمغاربة في التدهور المطرد، أعلنت عددٌ من الجمعيات المهنية، للمنتجين والمنتجين المصدرين للخضر والفواكه، عن انسحابها من اللجنة المشتركة المكلفة بتدبير إشكالية تزويد السوق الداخلي بالطماطم. وحسب مراسلةٍ موجهة إلى وزارة الفلاحة، من طرف المهنيين فإن قرار الانسحاب يعزى إلى “انفراد الإدارة بقرارات تغض النظر على قرار منع شراء الطماطم من السوق الداخلي بغرض تصديرها”، في موقف للمهنيين أشروا به على ارتباكٍ في التدبير المتوازن للمواد الغذائية بالأسواق الوطنية، وبأسعار تتناسب والقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين. كما طالبت المعارضة بإطلاع البرلمان، عن المقاربة التي تعتمدها وزارة الفلاحة، فيما يتعلق بتصدير مواد غذائية معينة، وعلى رأسها الطماطم، لا سيما وأن السوق الوطنية لا تزال تعاني من عددٍ من الاختلالات المرتبطة بالحكامة والتدبير والمراقبة. ودعت الحكومة، للكشف عن منظورها لتوفير الاكتفاء الذاتي من المنتجات الفلاحية والأمن الغذائي الوطني، باعتباره مفهوماً مركزيا يتعلق بالسلم الاجتماعي.
ودعا المجلسُ الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا، إلى وضع إطار قانوني لتقنين مجال تخزين المنتجات الفلاحية بما يسمح بتأطير التخزين الاستهلاكي أو التخزين لأغــراض فلاحية ومكافحة التخزين الاحتكاري، مشددا على ضرورة وضع إطار تنظيمي محدد ومُلزم من أجل تقنين وإعـادة النظـر فـي دور ومهام الوسـيط وتحديد حقوقه وواجباته على مسـتوى سلاسـل التسويق. وشدد المجلس على ضرورة، استعجالية إعادة تنظيم سلاسل التسويق وتقنين دور الوسطاء، وبرر ذلك بغاية التخفيف من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، وإعادة التوازن إلى منظومة تسـويق المنتجـات الفلاحية، التـي تعتريها جملة مـن مَواطـن الهشاشة والاختـلالات التنظيميـة والوظيفية والتي تعتبر أحد الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية على موائد فئات واسعة من المغاربة.