الصحراء المغربية محور اقتصادي دولي جاذب في ظل عداء الأشقاء والأصدقاء
يسجل التاريخ للمغرب المعاصر، أنه متمكن إلى حدما من ضبط قياس درجات خطورة الأحداث، إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي والقاري؛ بالنظر إلى ما راكمه من خبرة وتجربة طويلة حبكتها بجدية وحرفية عالية خطورة الأزمات السياسية والأمنية والجيواستراتيجية التي أحاطت بالمغرب على مرِّ العصور، وفي عصرنا الراهن أيضا، لكون موقع المغرب الاستراتيجي وتميزه ونشاطه السياسي والاقتصادي والديني في القارة الإفريقية، وأيضا في علاقته مع القارة العجوز شمالا، وتوسُّع علاقاته الاستراتيجية مع الدول العظمى كأمريكا والصين وروسيا والهند ودول الخليج .
هذا النشاط الثلاثي المتعدد الأوجه والمستويات والمتنوع مجاليا، وضعه في صلب بوصلة الاهتمام الدولي رغبة منه في الاستثمار، إن لم نقل في “الاستغلال الناعم” لثرواته ومقدرات البلاد المتنوعة والمتعددة. إلا أن الخبرة التي راكمتها المملكة المغربية على مر العصور جعلتها دائما تحول هكذا “مبتغى” من محنة إلى منحة وفرضت ايقاعها على شركائها الدوليين ارتكازا على مطلبها الشرعي والأساس هو الاعتراف بشرعية المغرب على أقاليمه الصحراوية الجنوبية. وأيضا الاتفاق على شراكات استراتيجية متوازنة تضمن الربح للجميع بناء على مبادئ الحوار والتفاوض والشفافية في تدبير الإشكالات فيما بين المغرب وباقي شركائه.
ولأن ملف مغربية الصحراء، يعد عصب الاستهداف من قبل القوى الإقليمية والقارية، التي كانت تناور به، بل و”تبتز” به اثناء التفاوض مع المغرب، حَوَّلته المملكة إلى ملف تفاوضي، لكن هذه المرة من منطلق قوة وثبات، بعدما تمكن من سد كل الاختلالات التنموية والحقوقية بالأقاليم الجنوبية التي كانت النقطة الأضعف في هذا النزاع على مدى حوالي عقدين من الزمن منذ بدايته منتصف السبعينات من القرن الماضي.
إلا أنه، ومع منتصف التسعينات بدأ التفكير جديا من طرف الدولة المغربية في فتح أوراش تنموية وحقوقية وسياسية بهذه الربوع الترابية من المملكة، كباقي ربوع الوطن في إطار عدالة مجالية تتغيا استهداف كل نقط الهشاشة من أجل تمكينها من كل آليات العيش الكريم، بفتح الدولة لأوراش صناعية وتجارية وفلاحية، امتصت العطالة ببلادنا، وكشفت عن كفاءات بشرية هائلة هي الآن تقود عجلة النشاط الاقتصادي بمهنية مقدرة ومحترمة لدى صناع القرار الصناعيين والمهنيين الدوليين.
ثورات المغرب الهادئة والواقعية
ولأن ثورات المغرب لاتنتهي، ابتدأت منذ عصور خلت، وانبعثت مع “ثورة الملك والشعب”، وتواصلت مع عهد الملك محمد السادس الذي يعد بحق “ملك ثوري” ببوصلة واقعية وبراغماتية يجعل الإنسان مركزيا في تدبير جلالته لكل الطوارئ والأزمات الطبيعية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية، ذلك أن ما عرفه المغرب من ثورات هادئة خَطَّ لها استراتيجيتها ملك البلاد منذ عقدين من توليه عرش أسلافه الغر الميامين، رفعت مكانة المغرب إلى مصاف الدول الصاعدة اقتصاديا والمؤمنة بالقيم الكونية الدافعة إلى مزيد من الحقوق والحريات الضامنة لاحترام القانون وفي ظل المسؤولية المقرونة بالمحاسبة.
فكانت ثورة الحد من الهشاشة الاجتماعية والفقر بالمملكة أول ثورة هادئة خاضها ملك البلاد في مستهل تدبيره للحكم، ولايزال يواصل نفس النهج لقطع دابر الهشاشة الاجتماعية من خلال “ثورة” الحماية الاجتماعية التي أطلقها جلالة الملك، وتشتغل عليها الحكومة الآن، والذي يشكل مفتاحا حقيقيا لأمن اجتماعي وصمام أمان لمستقبل المغاربة الذين يعيشون هشاشة اجتماعية.
وموازات مع ذلك انصب اهتمام الملك محمد السادس على الاسرة المغربية التي شهدت تغييرا وتطورا جذريا في الترسانة القانونية من خلال مدونة الأسرة المتقدمة جدا على باقي التجارب العالمية، وفتح المجال للمرأة لتتبوأ المناصب العليا والحساسة في كل دواليب الدولة المغربية، وخط ثورة دبلوماسية “بتوابل مغربية”، استطاعت أن تجعل من المغرب رقما قويا في المنظومة الدبلوماسية الدولية، حقق من خلالها مكاسب متوالية في ملفات تخص مصالح البلاد العليا من خلال الدفاع عنها في المحافل الدولية، وأهمها ملف مغربية الصحراء الذي قلب فيه المغرب الطاولة على خصومه، واقنع المنتظم الدولي باعتراف صريح بمبادرة الحكم الذاتي، فيما سارعت العديد من دول العالم بالاعتراف الواضح بمغربية الصحراء تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى تواصل فتح البعثات الدبلوماسية لمقراتها في كل من مدينتي العيون أكبر حواضر الصحراء المغربية، والداخلية المدينة الجميلة المتاخمة للحدود مع جنوب الساحل والصحراء.
وحتى تكون ثورة متكاملة محصنة بترسانة قانونية، كان لابد من تجديد وتطوير الدستور المغربي سنة 2011، بعد هبة الاحتجاجات التي اجتاحت المنطقة العربية، اشركت الدولة في إنجازه جميع القوى الحية بالبلاد ومختلف المؤسسات وأطياف المجتمع المدني، ليصبح دستورا يضاهي أعتى الدساتير الدولية وأكثرها تقدما وتطورا في تدبير النظام العام للدولة. بعد التصويت عليه من طرف الشعب المغربي قاطبة.
وهكذا بدت خطة الثورة تتضح جليا لتكون البنية التحتية وتطوير الاقتصاد وإنشاء مدن ذكية، وجلب الاستثمارات العالمية، ووضع خطط وبرامج متتالية يحكمها الفعل التشاركي الديمقراطي، والانخراط الجماعي في بناء مغرب المستقبل. وقد حصن المغرب حدوده البحرية والجوية قانونيا، وحصنها أيضا اقتصاديا، لما استثمر بشكل كبير في المدن الحدودية في الشمال، كما في الشرق وفي الصحراء جنوبا أيضا.
يشهد العديد من الخبراء وصناع القرار والسياسيين والإعلاميين المرموقين أن الملك محمد السادس يقود ثورة حقيقية هادئة على شتى المستويات وفي مختلف المجالات، يتطلع من خلالها إلى اصطفاف المغرب ضمن الدول الأكثر تقدما وتطورا.
ولذلك كانت رؤية جلالته تتمركز حول العنصر البشري باعتباره الثروة الحقيقية للمغرب، في خطاب وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة الملك والشعب، يقول فيه جلالته؛ “يظل العنصر البشري هو الثروة الحقيقية للمغرب، وأحد المكونات الأساسية للرأسمال غير المادي، الذي دعونا، في خطاب العرش، لقياسه وتثمينه نظرا لمكانته في النهوض بكل الأوراش والإصلاحات، والانخراط في اقتصاد المعرفة، وإن ما حققه المغرب من تقدم، ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج رؤية واضحة، واستراتيجيات مضبوطة”.
“إيل باييس”.. الملك محمد السادس يقود “ثورة اقتصادية”
وحيث أن الملك محمد السادس تمكن “بأسلوبه الخاص” من تغيير وجه المغرب في اتجاه نموذج مجتمعي منفتح وحديث، يتماشى مع قيم القرن الحادي والعشرين، ولكن دون التخلي عن تقاليد الحضارة المغربية العريقة.
وفي هذا السياق، كتبت صحيفة “إيل باييس” الإسبانية في ملحق خاص لها في ال8 من يونيو 2010، وهي تتحدث عن” ثورة الملك الهادئة على طريق الحداثة”، معتبرة “أن الورش الرئيسي الذي أطلقه الملك محمد السادس يهم التنمية الاقتصادية للمملكة وانفتاحها على الاقتصاد العالمي، مبرزة “أن إحداث صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية سنة 2000 يندرج في إطار “عزم الملك إعطاء دينامية للاقتصاد المغربي من خلال إطلاق مشاريع كبرى في جميع القطاعات”، واصفة هذه الدينامية “بالثورة الاقتصادية” التي ارتفع خلالها استهلاك الأسر المغربية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، وأصبح سوق الشغل أكثر دينامية.
وأوضح ملحق صحيفة “إل باييس”، أن المملكة تحولت إلى “ورش ضخم” بفضل ارتفاع وتيرة البناء في مجالات الطرق والكهربة والتزويد بالماء الصالح للشرب في جميع المناطق بما فيها النائية ناهيك عن تحديث المطارات والنقل العمومي بشكل بارز.
وبهذا التوجه الملكي يكون ” المغرب قد عرف مند أزيد من عقدين من حكم الملك محمد السادس تنفيذ سلسلة من الأوراش التنموية المستدامة، شملت مختلف المجالات، كما شكلت هندسة اجتماعية تضامنية شاملة الرؤى تتوخى في جوهرها جعل المواطن ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح الشامل برؤية ملكية تضامنية في المجال الاجتماعي والاقتصادي. إذ اعتمدت أحدث النظم والأساليب التدبيرية مع القدرة على التأثير وتحديد دقيق للمؤشرات. كل ذلك وفق آلية الحكامة المجالية”.
وكانت فكرة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها المغرب في مستهل الألفية الثالثة جد صائبة، ساهمت كثيرا في تغيير وجه المغرب من خلال مواكبتها لجميع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث استهدفت في برامجها التنموية المستدامة العنصر البشري، خصوصا الفئات التي تعاني من هشاشة اجتماعية وثراء في الأفكار، إذ أقبل عليها الشباب كما الشيوخ، في المدن كما في القرى، وهو ما جعلها تحظى بإشادة المنتظم الدولي، وتجربة فريدة عدت أنموذجا لباقي الدول التي اهتمت بخلق مقاولات صغرى جدا، نظرا لما لعبته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أدوار طلائعية وفعالة في خلق آلية للتعاون والتضامن المجتمعي واسعة النطاق.
محمد السادس الملك الإفريقي
استطاع الملك محمد السادس في ظرف عشرين سنة أن يعيد للمغرب مكانته في العمق الافريقي، معتمدا على خطة عمل منهجية، أنتجت استراتيجية مبنية على الوضوح ومنطق رابح-رابح، مع كل الشركاء الأفارقة، ومرتكزا أيضا على الإرث التاريخي للمملكة الشريفة في القارة السمراء عبر مرِّ العصور، استطاع أن يؤسس شراكة دائمة من خلال خلق دينامية اقتصادية وفق منظور تضامني مع باقي شعوب أفريقيا، حيث قام بجولات متعددة في مختلف الدول الافريقية من أجل تنفيذ خطته الاستراتيجية التي لقيت ترحابا كبيرا من صناع القار الأفارقة، واستقبالا شعبيا رائعا وكبيرا من طرف الشعوب الافريقية التي تلقب الملك محمد السادس “بالملك الافريقي” .
وكان لحضور الملك محمد السادس في مقر الاتحاد الافريقي، بأديس أبابا في القمة 28 للاتحاد الإفريقي يوم 30 يناير 2017، معلنا عودة المغرب إلى بيته الرئيسي؛ لحظة تاريخية جد مؤثرة، صفق لها بحرارة، رؤساء الدول الافريقية وصناع القرار الدوليين، وكانت كلمة ملك البلاد أكثر تأثيرا، افتتحها بقوله: “كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه! فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعا.
من أجل ذلك، قررت، أخواتي وإخواني الأعزاء قادة الدول، أن أقوم بهذه الزيارة، وأن أتوجه إليكم بهذا الخطاب، دون انتظار استكمال الإجراءات القانونية والمسطرية، التي ستفضي لاستعادة المملكة مكانها داخل الاتحاد. وإن الدعم الصريح والقوي، الذي حظي به المغرب، لخير دليل على متانة الروابط التي تجمعنا.”
وقبلها كان المغرب حاضرا بقوة في القارة الافريقية من خلال الزيارات ال46 التي قام بها عاهل البلاد إلى ال 25 بلدا إفريقيا أبرمت المملكة خلالها أكثر من ألف (1000) اتفاقية شراكة همت مختلف مجالات التعاون في المجال الصناعي والفلاحي والتكوين والتعليم والثقافة والرياضة والقضاء والمجال الديني.
هي أوراش متعددة أطلقها المغرب في أفريقيا ضايقت أعداء الوطن، وحاولوا دون جدوى حبس المد الاقتصادي والسياسي والديني للمملكة في عمقها الافريقي. يقول الملك محمد السادس ” لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها. فبعد عقود من نهب ثروات الأراضي الإفريقية، يجب أن نعمل على تحقيق مرحلة جديدة من الازدهار.” هذا هو الخطاب الذي انتظره الأفارقة بعد العمل الجبار الذي قام به المغرب، وكسب من خلاله قرار اكثر من 40 دولة موافقتها على عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، وأيضا وهذا هو الأهم، موافقتها على التشطيب على البوليساريو من علاقاتها الخارجية، بل أكثر من ذلك، تضغط اليوم هذه الدول ومنذ 2016 في اتجاه طرد جبهة البوليساريو الانفصالية من حظيرة الاتحاد الافريقي، لأنها عضو نشاز لا يمتلك شروط البقاء في ظل هذا الصحو السياسي الافريقي الذي غاب عنها من قبل بدعم سخي وضغط من نظامي الجزائر وليبيا، إبان الثمانينات من القرن الماضي.
لقد شهدت دول القارة الافريقية أزمة وبائية شأنها في دلك و العديد من دول العالم، لتجد نفسها أمام تحديات كثيرة، و مرة أخرى وجدت المغرب داعم لها في هاته الفترة العصيبة من خلال اقتراح جلالة الملك إرساء إطار عملياتي لمواكبة البلدان الإفريقية في تدبير جائحة كورونا ، و هو تأكيد واقعي على أن الدول الإفريقية وجدت المغرب دوما بجانبها، تجسدت من خلال مبادرة جلالة الملك الدي أعلن إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الإفريقية تروم إرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبيرها لجائحة فيروس كورونا المستجد « كوفيد- 19″، يعتبر تأكيدا واقعيا على أن الدول الإفريقية وجدت المغرب دوما بجانبها .
شراكات استراتيجية ببعد دولي متعدد الأقطاب
لم يكتف المغرب بالتركيز فقط على القارة الافريقية، إنما وسع من شراكاته الاستراتيجية مع كل الصين والهند والفيدرالية الروسية، دعمتها الزيارات الرسمية التي قام بها الملك محمد السادس إلى هذه الدول، فيما عزز أكثر شراكاته مع الدول العربية، وخصوصا الخليجية منها التي أبدت اهتماما خاصا لأوراش الإصلاح الكبرى التي تشهدها المملكة حديثا.
ويعد المغرب اليوم رائدا في تحديث البنى التحتية للمطارات والموانئ والمنشآت العمومية وشبكة الطرق السيارة والسكك الحديدية التي تعززت بالقطار الفائق السرعة الذي يربط طنجة بالدار البيضاء، والتي جعلت مختلف جهات المملكة مرتبطة متعاونة ومتضامنة مع بعضها البعض، كما يصنف المغرب اليوم نموذجا في مجال الطاقة من خلال تشييده لأكبر محطة للطاقة الريحية في إفريقيا، وأكبر محطة للطاقات المتجددة في العالم وهي محطة نور للطاقة بورززات.
كل هذه الأوراش تؤكد على أن المغرب “يتحرك” بشكل جيد وبنبض “وطني” كبير وجاذب للخير و”ضامن” لمستقبل مزدهر.
فرنسا والجزائر ونزاع الصحراء
خلف الاستعمار الفرنسي “ثقبا استعماريا” في عقلية النظام الجزائري، وهو يعلن خروجه من الجزائر بضمه لها أطرافا شاسعة من الأراضي الشرقية المغربية، نكاية في المملكة المغربية التي جاهدت ودعمت الثورة الجزائرية حتى نالت الجارة الشرقية استقلالها.
ولم تكتف فرنسا بهذا فقط، إنما حرصت على أن تديم النزاع بين الجارين الشقيقين لتمكينها من استغلال أكثر لخيرات ومقدرات البلدين معا حتى اليوم. واستعملت كل وسائلها الدنيئة بدعم من صناع القرار في الجزائر لعرقلة المصالحة المستدامة مع المغرب، حتى أصبح الحقد والضغينة والعداء المجاني للمملكة المغربية عقيدة لازمة لنظام الجزائر، بالرغم من إصرار المغرب على فتح كل أبواب الحوار مع نظام الجارة الشرقية لتلافي الخلافات المصطنعة التي كرستها كأهم محور في أجندة السياسة الخارجية للنظام الجزائري المعاكس للمصالح العليا للمغرب، خصوصا في ملف الأقاليم الصحراوية الجنوبية التي يثبت التاريخ والإنسان المغربي والجغرافيا وتدبير الإدارة بالصحراء المغربية؛ يرجع بالأساس تاريخيا إلى السلاطين المغاربة على مر العصور في ظل الإمبراطورية الشريفة التي كانت تمتد من شمال إفريقيا إلى عمق الساحل والصحراء في القارة الإفريقية.
إلا أن “الثقب الاستعماري” الإرث الأهم الذي يشتغل على أجندته قادة النظام الجزائري في علاقتهم بالمغرب، وهو ما عطل قطار المغرب الكبير من أن ينطلق بشكل سلس ومميز بالرغم من بادرة تأسيس اتحاد المغرب العربي في نهاية الثمانينات في مراكش، والتي لاتزال هذه المبادرة الجريئة التي كان الراحل الحسن الثاني رحمه الله، جمع إثرها القادة الخمس للدول المغاربية من أجل تحقيق حلم الشعوب المغاربية التي آمنت دائما بالوحدة والتضامن والتكافل والتنمية والرخاء بعد جلاء الاستعمار.
أوراش تنموية غيرت ملامح الصحراء المغربية
تعيش الصحراء المغربية على إيقاع أوراش تنموية كبرى متعددة ومتنوعة، غيرت من ملامحها التي كانت إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي سوى عبارة عن مساحات من الرمال والأعشاب ممتدة حد البصر، يعيش فيها الانسان الصحراوي في دور قليلة وخيم متنقلة باحثة عن تغذية مواشيها وإبلها.
إلا أن العقدين الأخيرين، عرفت خلاله الأقاليم الجنوبية نهضة تنموية مندمجة على كافة الأصعدة، بفضل رؤية الملك محمد السادس الرامية الى جعل الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا واعدا على جميع المستويات، ومجالا خصبا للاستثمار. فتحت خلاله الدولة الباب لانخراط جماعي في ظل ديمقراطية تشاركية واضحة وبناءة.
وعزز هذه الرؤية إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، والذي مكن من تعبئة مختلف الطاقات لدعم مسلسل التنمية في المجالات ذات القيمة المضافة، وخلق فرص للشغل لأبناء هذه المناطق الصحراوية بهدف ضمان كرامة المواطن الذي يوجد في صلب كل السياسات والمبادرات الملكية.
وإضافة إلى أوراش البنية التحتية ومشاريع صناعية وفلاحية وتحلية للماء وإنشاء ملاعب للقرب، والملعب الكبير للعيون، الى جانب كلية الطب والصيدلة، والمركز الاستشفائي الجامعي، ومدينة المهن والكفاءات، والمدارس العليا والمعاهد، والتعبئة المتواصلة للسلطات لتيسير توطين استثمارات حاملي المشاريع بالجهة في مختلف المجالات. يقترب مشروع الطريق السريع تزنيت – الداخلة من الانتهاء، إذ، سيمكن من خفض كلفة الإنتاج ومدة السفر بين مدن شمال ووسط المملكة والأقاليم الصحراوية الجنوبية، والى جانب ذلك، هناك أوراش الطاقات المتجددة التي تضم الوحدات الكهربائية، والمحطات الشمسية والحقول الريحية، التي رأت النور خلال السنوات الأخيرة، بالجهات الجنوبية الثلاثة، وخاصة بجهة العيون الساقية الحمراء، والتي كلفت استثمارات تقدر بمليارات الدراهم.
كما أن مشروع ميناء «الداخلة الأطلسي” الضخم على الواجهة الأطلسية، والذي يقع على بعد 40 كلم شمال مدينة الداخلة، في الجماعة القروية العركوب، سيمكن من تحقيق تنمية مستدامة للجهة وللأقاليم الجنوبية عموما، وتطوير قطاع الصيد البحري فضلا عن الأهداف الجيوستراتيجية التي سيلعبها في ربطه القاري والإقليمي.
فهذه المشاريع تضع المغرب اليوم على مستوى دولي من حيث القدرة التنافسية، وأيضا تضع الصحراء المغربية محورا اقتصاديا أساسيا يربط القارة الأوروبية بالقارة الافريقية، ويجعلها أيضا بوابة الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا.