عشرة إشكالات تهدد التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب
في دراسة أكاديمية قيمة أنجزها الدكتور محمد كريم بوخصاص ونشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات https://mipa.institute/10598 ،، ( تجدون نص الدراسة كاملا في “الحدث الافريقي“)، هناك عشر خلاصات حول مأزق المجلس الوطني المنتهية ولايته، ننشرها كما جاءت في نفس الدراسة الأكاديمية.
” في ظل الملاحظات المسجلة على أداء المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته، يدخل التنظيم الذاتي للصحافة منعطفا صعبا بمصادقة الحكومة على مشروع قانون بإحداث لجنة مؤقتة تَحُلُّ محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة، يتركز عملها فضلا عن إجراء تقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر واقتراح الإجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية داخل أجل لا يتجاوز تسعة أشهر تبتدئ من تاريخ تعيين أعضائها، التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل[54].
بيد أن إحداث اللجنة المؤقتة يطرح عدة إشكالات سواء على مستوى تكوينها أو أجندتها، يمكن تلخيصها في عشرة نقاط:
1- يتعارض مبدأ التعيين مع فكرة التنظيم الذاتي للصحافة، خصوصا إذا ارتبط بالسلطة التنفيذية، لذلك يشكل إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر من لدن الحكومة تراجعا عن المكتسبات المحققة في مجال التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب منذ 2016. وتجدر الإشارة إلى أن التنظيم الذاتي هو الشكل التنظيمي الذي يضمن أفضل حرية للصحافيين[55].
2- تكشف تركيبة اللجنة المؤقتة أنها بمثابة “تمديد جديد” للمجلس المنتهية ولايته، لكن مع انتقاء أعضاء بعينهم، حيث تتألف اللجنة، علاوة على رئيس المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته بصفته رئيسا، من نائب رئيس المجلس المنتهية ولايته بصفته نائبا لرئيس اللجنة، ورئيسي لجنتي “أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية” و”بطاقة الصحافة المهنية” المنتهية ولايتهما، في الوقت الذي يتحملون مسؤولية عدم إجراء انتخابات تجديد المجلس، والترافع لدى الحكومة والبرلمان بهدف مراجعة القانون المحدث للمجلس قبل انتهاء ولايتهم الانتدابية، ويلامون على عدم تقديم حصيلة عمل المجلس –على غرار زملائهم الآخرين- في أربع سنوات.
3- بالرغم من إصرار الحكومة على أن اللجنة المؤقتة تتجاوز الأشخاص[56]، فإن اختيار بعض أعضاء المجلس المنتهية ولايته ليكونوا أعضاء في اللجنة المؤقتة، يثير تساؤلات حول دوافع ذلك. لا سيما أن الرئيس ونائبته ورئيسي اللجنتين المحتفظ بهم ينتمون إلى هيئة الناشرين ونقابة الصحافيين التي لم يصدر عنهما موقف داعمٌ لإجراء الانتخابات في وقتها، في حين لم تضم اللجنة المنتمين إلى الهيئات المهنية والنقابية الرافضة لتعديل القوانين المنظمة للمهنة قبل إجراء الانتخابات.
4-تبدو دوافع الإبقاء على رئيسي لجنتين من المجلس المنتهية ولايته من أصل خمسة، وهما “أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية” و”بطاقة الصحافة المهنية”، والمتمثلة في ضمان السير العادي لمصالح الصحافيين، متهافتة، لأن عمل اللجان الأخرى لا يقل أهمية، فلجان “التكوين والدراسات والتعاون” و”الوساطة التحكيم” و”المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع” تضطلع بأدوار محورية في إعداد التقارير والدراسات الموضوعاتية ذات الصلة بقطاع الصحافة، وكذا الآراء الاستشارية التي تُطلب من المجلس[57]، وتداول ودراسة مختلف القضايا الهيكلية والاقتصادية والإدارية والتنظيمية والقانونية والمالية والمهنية، ذات الصلة بواقع المقاولات الصحافية ومستقبلها[58].
5- يشكل تكليف اللجنة المؤقتة المشكلة أساسا من أعضاء المجلس المنتهية ولايته بوضع تصور جديد لحل الإشكاليات التي يواجهها القطاع[59] هدرا للزمن، خاصة مع التنصيص على ممارستها نفس المهام المنصوص عليها في القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، وذلك لاشتغال هؤلاء الأعضاء مدة أربع سنوات وستة أشهر دون تقديم الحلول المطلوبة.
6- تعتبر قراءة الحكومة بشأن جمود قانون إحداث المجلس الوطني للصحافة وعدم وجود آلية لإجراء الانتخابات، متعسفة، لأن المادة 54 من القانون المحدث للمجلس لا تتضمن ما يشير إلى أنها ترتبط بالانتخابات التأسيسية فقط، وأيضا لكون المادة التاسعة تحيل على المادة السابقة في تنصيصها على ما يجب القيام به في حالة تعذر المجلس عن القيام بمهامه، حيث تنص على أن اللجنة المشار إليها في المادة 54 تشرف على إحداث لجنة مؤقتة يعهد إليها القيام بمهام المجلس إلى حين تنصيب المجلس الجديد، وذلك في أجل أقصاه ستة أشهر.
7- يضع تعيين رئيس الحكومة ثلاثة أعضاء باللجنة المؤقتة استقلالية هذه الأخيرة على المحك، خاصة أن فلسفة التنظيم الذاتي للصحافة تقوم على حق مهنيي الصحافة والإعلام في تنظيم مهنتهم على أسس الديمقراطية والاستقلالية عن السلطة التنفيذية، وفي احترام تام لحرية الصحافة التي ينص الفصل 28 من الدستور المغربي على أنها مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.
8- إن منح الحكومة للجنة المؤقتة سلطة التحضير لانبثاق نظام جديد للمجلس[60]، كما جاء في مذكرة مشروع قانون إحداثها، يتعارض مع تركيبتها التي لا تعكس التعددية والتنوع في الحقل الإعلامي، في وقت كان يفترض لتحقيق هذه الغاية تشكيل لجنة مستقلة أو لجنة تضم في تركيبتها ممثلين عن كل الحساسيات المهنية والنقابية.
9- تثير محدودية عدد أعضاء اللجنة المؤقتة الذي لا يتجاوز تسعة مقارنة بـ21 عضوا في المجلس السابق، مخاوف من الطريقة التي ستنهجها في تدبير منح بطاقة الصحافة المهنية والبث في الشكايات، خاصة مع احتمال إسناد كل من المهمتين إلى عضو واحد، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من قرارات تعسفية، حتى مع تكليف رئيسي اللجنتين المنتهية ولايتهما. أما في حالة إسنادهما إلى الأعضاء المعينين من طرف رئيس الحكومة، فإن ذلك يشكل ضربا لمبدأ الاستقلالية المطلوب في منح تذكرة الولوج إلى المهنة وتأديب الصحافيين المخالفين لميثاق الأخلاقيات.
10- يشكل عدم تحديد القوانين التي ستخضع لتقييم اللجنة المؤقتة داخل أجل لا يتجاوز التسعة أشهر، وفقا للمادة الرابعة من قانون إحداثها، وما إن كان ذلك سيشمل قانون الصحافة والنشر[61] والقانون بمثابة النظام الأساسي للصحافيين المهنيين[62]، إشكالية حقيقية، خاصة أن تعديل هذه القوانين مجتمعة يلزمه وقت ويفترض مشاركة مجتمعية، باعتبار أن قانون الصحافة والنشر أحد مداخل التأثير في الصحافة. وتزداد المخاوف في هذه الظرفية الموسومة بالاستقطاب الحاد من حصول تراجع عن بعض المكتسبات، خاصة أن تتبع سيرورة تعديل قانون الصحافة منذ الاستقلال حتى اليوم تشير إلى وجود اختلاف في التعامل معه حسب كل ظرفية وسياق، علما أن إيجابيات قانون الصحافة والنشر لسنة 2016 أكثر من سلبياته.
خلاصة: سبل الخروج من المأزق
يدخل التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب نفقا مسدودا، كان يمكن تجاوزه بتنظيم انتخابات تجديد المجلس الوطني للصحافة بعد انتهاء مدة انتداب أعضائه. وفي ضوء حالة الاصطفاف الحادة للهيئات المهنية والنقابية بسبب مصادقة الحكومة على مشروع قانون لإحداث لجنة مؤقتة تحل محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة لفترة انتقالية، تقترح هذه الورقة حلولا للخروج من المأزق تدور حول مبادئ الانتخابات والتعددية والحكامة.
يجب الالتزام بمبدأ الانتخابات وتجنب اللجوء إلى التعيين، حتى لو كان بيد الهيئات المهنية والنقابية، لأن ذلك ينتهك مبدأ استقلالية الصحافي.
بالنسبة إلى التعددية، من المهم ضمان تعددية الآراء كحالة صحية في مجتمع الإعلام، وعدم اصطفاف الحكومة مع أي رأي ضد آخر، وسعيها إلى إشراك الجميع في مسار حماية التنظيم الذاتي، وحرصها على تقديم ضمانات دستورية وتشريعية تمنع تدخلها بأي شكل من الأشكال في المجلس الوطني للصحافة الذي ينبغي أن يمارس وظيفته الأصلية، وهي حماية حرية الصحافة، وضمان احترام أخلاقيات المهنة، وصيانة حق المجتمع في الإخبار والتوعية والتثقيف.
أما فيما يتعلق بالحكامة، من المهم منع تحول مؤسسة التنظيم الذاتي إلى مؤسسة للإغراء المادي، ذلك أن تمثيل الصحافيين يجب أن يكون غير مُربحٍ كي لا يفقد معناه، ومن شأن منحِ أعضاء المجلس الوطني للصحافة تعويضات مبالغا فيها أن يجعل العضوية غاية لتحقيق الربح، وليست وسيلة لحماية استقلالية الصحافة. وتجدر الإشارة إلى التعويضات المحددة في النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة[63]، مثل نفقات النقل والإقامة المرتبطة بالمشاركة في أشغال المجلس، والتعويض عن الإسهام الفعلي في دوراته ولجانه هي أضعاف ما يتقاضاه الصحافيون في المقاولات الصحافية التي يشتغلون به، في الوقت الذي لا يحدد النظام الداخلي مقدار التعويض الشهري عن المهام الذي يتقاضاه رئيس المجلس. ويعد إخفاء هذه المعلومة عن الجمهور انتهاك لحق الصحافيين والمواطنين في الحصول على المعلومة”.
( تجدون نص الدراسة كاملا في “الحدث الافريقي“)