لمَّا يُنصِّب الشارع نفسه ممثلا للحق العام و مهددا لاستقلالية قضاة الأحكام
من الثابت أن الجهة المخول لها إصدار الأحكام طبقا لمقتضيات الدستور هي الجهاز القضائي، إذ يتولى القضاء حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي طبقا لأحكام الدستور الذي يضمن كذلك شروط المحاكمة العادلة.
لذلك فإن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، في إطار توازن السلط وتعاونها، لا يعني خضوعها لسلطة التحركات المواكبة للقضايا ، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي ومختلف التدخلات ، لما في ذلك من تأثير وتدخل من شأنه الانحراف بأحكام القضاء عن مبادئ العدالة والإنصاف وأحكام القانون وسلامة الإجراءات،
فإذا كان حكم الدرجة الأولى مجانبا للصواب حسب البعض، فإن ممارسة حق الطعن قد يعيد الأمور إلى نصابها في إطار القانون دون ممارسة الضغط على القضاء بوسائل وكيفيات يتفنن البعض في الاعتماد عليها بقوة الضغط والتأثير ، قد تهدد بتجريد القضاة من التجرد والحياد لإرضاء نداء الشارع واخماد غضبه في الوقت الذي يعتبر القضاء هو الضامن للحقوق والحريات ودولة القانون.
طبقا للفصل 109من الدستور فإن القاضي لا يخضع لأي ضغط؛
علما انه موازاة مع دستور 2011 الذي ارتقى بالقضاء كسلطة من جهة، ورفع سقف الحقوق والحريات من جهة أخرى، تنامت ظاهرة المحاكم الشعبية التي أصبحت تدين سلوكات البعض وتشيد بمواقف البعض الآخر، مستعملة في ذلك شبكات التواصل الإلكتروني، لتتحول المحاكمة الشعبية والمحاكمة الإعلامية، والسلطة الفاسبوكية إن صح القول أحيانا، تدخلا سافرا في القضايا المعروضة على المحاكم أو بالأحرى محاكمة المحاكم،
واذا كان القاضي لا يلزم سوى بتطبيق القانون ولا تصدر احكام القضاء الا على اساس التطبيق العادل للقانون طبقا للفصل 110 من الدستور ، كما يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة ويعد كل اخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما طبقا للفصل 109 من الدستور , فان المفروض ان القاضي يناقش ظاهر الوثائق والمستندات ومختلف الادلة والبراهين ليكون قناعته بعيدا عن ضغط الشارع والمؤثرات الخارجية في احترام تام لمبدأ المحاكمة العادلة تماشيا مع ما نص عليه دستور المملكة بمقتضى الفصل 23 الذي يضمن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة ، والفصل 120 الذي يضمن الحق في محاكمة عادلة واحكام تصدر داخل الأجل المعقول، كما يضمن حقوق الدفاع امام جميع المحاكم .
وما نصت عليه المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر كل متهم او مشتبه فيه بارتكاب جريمة بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلةتتوفر فيها كل الضمانات القانونية ، الشيء الذي يفهم منه ان المتابعة موكولة للجهاز القضائي وان قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها وان قضاة الاحكام يلتزمون بالتطبيق العادل للقانون .
لذلك فإنه لا يعقل ان ننتقص من سلطات القضاء بناء على ضغط مواقع التواصل ومختلف المؤثرات الخارجية ، او المساس بمبدأ المحاكمة العادلة لكل مشتبه بارتكابه افعال يجرمها القانون ، اذ اذا كان الحق للجميع فان القانون فوق الجميع وان محاكمات الشارع تعتبر حكما مسبقا بدون محاكمة، بل احيانا قد ينحو القاضي الى ارضاء المحتجين الغاضبين تحت تأثير الضغط الخارجي الذي يجرده من حرية الاختيار وتكوين القناعات ، استنادا الى اصدار احكام مسبقة خارج دواليب المحاكم ، الشيء الذي يتناقض مع اعتبار القضاء هو الضامن للحقوق والحريات ، علما ان الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية بقوة الفصل 107 من الدستور.