من أين تبدأ قصتنا نحن المغاربة مع إخواننا الجزائريين ؟ وأعني قصتنا مع الذين آلت إليهم السلطة في هذا البلد الجار، ومنذ أن استقل سنة 1962 ، ومتى ستنتهي ؟
سمعت مرة تصريحا لشخصية سياسية مغربية يقول فيها : ” يجب علينا أن نحمد الله على أن جنبنا إقتسام أي حوض مائي مع الجزائر، وإلا لكنا في حرب مفتوحة معها “
واليوم أقول : إننا نحمد الله على أن نجانا من أن نتقاسم مع الجزائر المجال البحري الإقليمي ، على غرار ما هو قائم بين المغرب وإسبانيا ، خصوصا منه المجال الأطلسي المتاخم لجزر الكناري ٠ فكل القرائن تؤكد أن السلطات الإسبانية تعتزم التوصل مع المغرب لخريطة طريق تنهي كل الخلافات المتراكمة ، ليذهب البلدان نحوالمستقبل برؤية واضحة تضمن مصالح الطرفين ، كما سمعنا ذلك من المسؤولين الأسبان ٠
وللمقارنة هل كان سيصدر عن الجزائريين مثل هذا الموقف الذي يراعي الجوار والمصالح المتوازنة المتبادلة لو قدر لنا أن نتقاسم معهم منابع المياه أو المجال البحري ؟
وكما قال وزير الخارجية الإسباني في السنة الماضية” فأن مجموعة العمل المعنية بالحدود البحرية بين إسبانيا والمغرب تعمل على تحديد هذا الفضاءالبحري مرة واحدة وإلى الأبد وسيكون فضاء مشتركا ” ٠.
ولقد تردد في مدريد أن ترسيم الحدود البحرية لمنطقة جزر الكناري في المحيط الأطلسي ستبحث خلال اجتماع لجنة العمل لبحث الحدود الإقليمية التاريخية لكل دولة ، وستسعى إسبانيا كما يقال في مدريد لفرملة طموح المغرب في المحيط الأطلسي ٠
أين ومتى تبتدئ قصتنا مع الجزائريين ومتى ستنتهي ؟
التنكر للمواثيق ولتاريخ النضال المشترك
في محاولة لوقف عجلة التاريخ
بيد أن وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألفاريز ذكر أن هناك حوارا داخليا في الإدارة الإسبانية ومع المغاربة من أجل دفع العلاقات إلى الأمام وجعلها متبادلة المنفعة ويسودها الإحترام المتبادل ، معلنا أنه تم السماح للمغرب بالتنقيب عن النفط على بعد ١٧٥ كيلوميتر من جزيرة لا فراسبوزا الكنارية ، وفي سواحل طرفاية على بعد ٥٠ كيلوميتر من سواحل لانزاروت وفويرنيفنتورا ٠ وإذ يقول الوزير الإسباني بأن بلاده سمحت للمغرب بالتنقيب في تلك المناطق البحرية ، فمعنى ذلك أن التنقيب يتم في المناطق التي يتقاسم السيادة عليها كل من إسبانيا والمغرب ، ويؤكد ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من تفاهم يفتح المجال واسعا لمزيد من التعاون ٠
وبالمقارنة مع ما صدر عن الإسبان ، هل يمكن لنا أن نأمل حدوث مثل هذا السلوك يوما ما من أخوان لنا في الجزائر، وقد ذهبوا إلى أبعد الحدود في محاولة الإضرار بمصالح المغرب كلما ومتى عن لهم ذلك وأينما وجدت ؟
إننا ونحن أمام هذا الوضع المبشر بالخير مع الأسبان ، يحق لنا أن نقول ، إنه لمن المؤلم ونحن لا نسعى للإضرار بمصالح الجزاير ، أن نرى قادتها لم يكتفوا فقط بقطع العلاقات الدبلوماسية ، بل سمعناهم يرفضون كل وساطة لإصلاح ذات البين بيننا ، وذهبوا إلى حد الإضرار بأنفسهم عندما أغلقوا أنبوب الغاز المغاربي ليلحقوا الضرر بالمغرب ٠وعندما أعلن رمطان لعمامرة وزير خارجية الجزائرالسابق عن قطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب ، وقد أراد لهذا الإعلان أن يكون مشحونا بالتوتر ، وبدا وكأنه سيعلن نشوب حرب مفتوحة بين الجزائر والمغرب ، لكن المسؤولين المغاربة اكتفوا بتسجيل هذا الموقف ، متجنبين الدخول في جدال عقيم ٠
وإنه لمن المؤسف أن نلاحظ أنه كلما تأجج الصراع بين المغرب والجزائر، يرجع المسؤولون الجزائريون إلى التذكير بحرب الرمال لسنة ١٩٦٣ ، كما فعل الرئيس عبد المجيد تبون في حواره مع وزير الخارجية الأمريكي ، وبصفة فجة ومثيرة للتقزز ومحرفة للتاريخ ، مع أن هذه الحرب مرت عليها ستة عقود كاملة ، وإذ يفعلون ذلك يحاولون وقف عجلة التاريخ ولا يستخلصون الدروس العبر مما طرأ عل العالم من تطور وتغيير ، وما شهده من مصالحات ، أبرزها وأهمها المصالحة الفرنسية الألمانية التاريخية ٠
إن قادة الجزائر بسلوكهم هذا يتعمدون التنكر لما سجله التاريخ من صفحات مشرقة بين المغاربة والجزائريين أثناء النضال الوطني والكفاح المسلح من أجل الحرية والإستقلال ٠ ويتنكرون أيضا لما تم تسجيله بعد ذلك من إبرام مواثيق واتفاقات كان من الممكن أن تفتح امام بلدينا مستقبلا مزدهرا سياسيا واقتصاديا لا حدود له ٠ والتاريخ يشهد أن المغرب لم يكن أبدا قد تنكر لها أوأهملها ٠
ويكفي التذكير هنا بميثاق إفران المبرم سنة ١٩٦٩ ، وهو الميثاق الذي فتح المجال لإبرام إتفاقية سنة ١٩٧٢ التي أقرت الإستغلال المشترك لمناجم غار جبيلات وتضمنت تسوية مشكل الحدود ، ويضاف إليهما الميثاق الذي أنشئ بمقتضاه إتحاد المغرب العربي سنة ١٩٨٩ وعلى الأرض المغربية ٠ وبالتأكيد فإنه لم يكن من الممكن أن تجتمع دوله الخمس على هذه الخطوة ، لو لم يحصل ذلك التصالح بين المغرب والجزائر والتفاهم بينهما على إحياء اتفاقية سنة ١٩٧٢ التي أقرنت بين استغلال مناجم الحديد والإتفاق على ترسيم الحدود ، وكبادرة من المغرب اقدم المسؤولون على تعميم نشر وثائق الإتفاق على نطاق واسع استجابة لطلب الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بنجديد ، وليشهد العالم على حسن نواياهم ورغبة في إنهاء الصراع المرير الذي طال أمده
وبالنظر لما حصل على عهد الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الراحل هواري بومدية ، كنّا ننتظر مستقبلا مزدهرا لفائدة البلدين ٠ لكن الأطماع المبيتة إزاء الصحراء المغربية خربت كل شيء ، وأدخلت البلدين من جديد في دوامة من الصراعات والمواجهات لا يرغب قادة الجزائر في إنهائها ، متذرعين بوجود شعب صحراوي خلقوه من العدم ، وأنشأوا له سنة ١٩٧٦ كيانا وهميا ، وبإسمه يخوضون مواجهاتهم الشرسة ضد المغرب ٠ وبقدر ما أصابهم من انتكاسات وهزائم ، بقدر ما استطاع المغرب أن يحصن أراضيه الصحراوية ضد العدوان ، وأن ينشئ فيها من العمران لينعم أهلها وسكانها بالعيش الرغيد في جو يسوده الأمن والسلام والإطمئنان.