بقلم/ سليم الهواري
أعلنت كما هو معلوم بحر هذا الأسبوع ، كل من فرنسا و الجزائر ، عقد “اللجنة المشتركة للتاريخ والذاكرة” أول اجتماع لها، بعد تسعة أشهر على تنصيبها من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، و نظيره الجزائري عبد المجيد تبون ، وعقد الاجتماع عبر الفيديو عن بعد، وفق ما جاء في بيان الرئاسة الجزائرية “وتم الاتفاق خلاله على معالجة جميع القضايا المتعلقة بالفترة الاستعمارية والمقاومة وحرب التحرير ، كما تم الاتفاق على مواصلة التشاور والاتصالات، من أجل وضع برنامج عمل مستقبلي مع تحديد الاجتماعات القادمة للجنة المشتركة”.، وتتكوّن اللجنة من 10 مؤرخين (5 جزائريين و5 فرنسيين)، ويمثّل الجانب الفرنسي ، فريق من المؤرخين ترجع أصول اغلبيتهم إلى عائلات من الأقدام السوداء، منهم ( بنجامين ستورا وفلورنس هدوفيتش وجاك فريمو وجون جاك جوردي وترامور كيمينور)، وعن الجانب الجزائري كلّ من، محمد القورصو وإيدير حاشي وعبد العزيز فيلالي ومحمد لحسن زغيدي وجمال يحياوي.
ويشكل ملف الذاكرة- حسب متتبعين – “أخطر لغم على الاطلاق ستقدمه ماما فرنسا للعصابة “، إذ لا يزال يهدد بنسف العلاقة بين بلدين يجمعهما ماض استعماري طويل امتد 132 عاما، بسبب إصرار كل طرف على وجهة نظره في معالجته، فالفرنسيون يصرون على معالجة ملف ما يسمونه “حرب الجزائر”، ويعني فترة الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962)، بينما يرفض الجزائريون هذا الطرح ويصرّون على معالجة ملف الاحتلال الفرنسي كاملا بداية من 1830 إلى 1962.
وتشير تقارير ان الرئيس ماكرون سبق وان لمح لخطورة النتائج المرتقبة للجن المشتركة، عندما صرح لجريدة ” لوموند” “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال”، مشيرا إلى وجود “كيان بالمنطقة “، وتابع بنبرة ساخرة أنه “مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في المنطقة، والهيمنة التي مارستها”، في إشارة إلى الإمبراطورية العثمانية… وقطع الشك باليقين قائلا بطريقة ديبلوماسية ” لا تنتظروا الشيء الكثير من هذه اللجنة حول الماضي الاستعماري الفرنسي، كما انني لست مضطراً لطلب الصفح من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم ” …فبالرغم من هذه التحذيرات، فلا زالت ” عصابة النظام العسكري ” مصرة على معالجة قضايا الذاكرة العالقة منذ الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830) عوض الفترة المقترحة من طرف فرنسا (1954-1962) ….
العارفون بخبايا الأمور، يرون ان فرنسا تحاول ما امكن تفادي اصطدام نفسي و مادي مرتقب سيكون عنيفا على ” عصابة العسكر” ، لأنها تعرف مسبقا ان الخوض في معالجة الاحتلال منذ 1830 سيكون وبالا على العصابة، بحيث ينتظر من اللجنة المختلطة الفرنسية – الجزائرية المكلفة بدراسة الذاكرة المشتركة ، الوقوف على حقائق و معطيات تاريخية محفوظة و موثقة ، من قبيل خضوع المنطقة التي استعمرتها فرنسا ، للسلطة العثمانية ( لأكثر من ثلاثة قرون أي من 1504الى 1830 ) ، و ستقف أيضا عند الاتفاقيات و المعاهدات، كاتفاقية طنجة ، و معاهدة وادي تافنة ومعاهدة لالة مغنية (1845) ، و مفاوضات ” ايفيان ” (التي اقرت بان الصحراء الشرقية المغربية لا توجد ضمن السيادة الجزائرية)…بالإضافة الى الخرائط المنجزة في ذلك الوقت…
مما يعني ان لجنة العصابة، ستكتشف – بالملموس – حقائق صادمة على ارض الواقع، من خلال جرد الأرشيف الفرنسي، خصوصا فيما يتعلق بهوية شعب غير متجانس على الإطلاق، كان عبارة عن خليط من (اتراك عثمانيين تزوجوا من جزائريات وأنجبوا منهن أبناء وبنات صاروا يعرفون ب ” الكراغلة “)، و كذا معاناة عدد من الرعايا الفرنسيين غداة الاستقلال بفعل العنف الذي يكونون قد تعرضوا له في مدن مثل وهران، و قضية المفقودين والأقدام السوداء والحركى، بالإضافة الى مشكل التقطيع الترابي الممنهج للاستعمار الفرنسي، لدول الجوار، بعد اقتطاع أراضي وضمها للمستعمرة الفرسية كما حدث لمناطق مغربية (بشار وتندوف وتوات وعين صالح والساورة)، ومناطق تونسية (أراضي شاسعة في جهة قسنطينة) وليبية( منطقة فزان)…قف!!