الصحفي”دَكَّارْ”يفكك طلاسيم عقدة عسكر الجزائر في ظل القطيعة مع المغرب
قال الطيب دكار مؤلف كتاب ” الجزائر..عدم الاستقرار السياسي يديم القطيعة مع المغرب“، وهو كتاب باللغة الفرنسية، إن”الجيش يحكم الجزائر منذ استقلالها وقد يخطئ من يعتقد أن مركز القرار يوجد بقصر المرادية. وقد تكون هناك مصادر ومراكز متعددة للقرار”.
ويضيف صاحب الكتاب الذي التأم حوله مساء الأربعاء 17ماي الجاري في الرباط، ثلة من الدبلوماسيين والصحافيين والمثقفين، خلال ندوة احتضنها المعهد العالي للإعلام والاتصال.
وافتتح حفل توقيع هذا الكتاب، عبد اللطيف بنصفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، وقدمه الاعلامي التلفزيوني عبد الصمد بن شريف، الذي أوضح بإسهاب ما تضمنه الكتاب من محطات في تحليل النزاع القائم بين المغرب والجزائري، وأيضا دون أن ينسى ما تطرق إليه الكتاب من تشريح للأوضاع السياسية والاجتماعية في الجزائر منذ العشرية السوداء إلى الآن.
ويعد الكتاب تجميعا لعدد من مقالات الكاتب والصحافي الطيب دكّار الذي خبر أوضاع الجزائر، ممارسا لمهنة الصحافة بصفته مديرا لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء خلال العشرية السوداء، الذي قال”إن المحاور الحقيقي للمغرب لتسوية الخلافات بين البلدين هو في الواقع الجيش. لذلك يردف الطيب دكار، “إن قضية الصحراء المغربية، من هذا المنطلق، تأخذ بعدا استراتيجيا، بتدخل مباشر للجيش الجزائري في هذا الصراع”.
فرضيتان لتسوية نزاع الجارين
ويطرح الكاتب تسوية النزاع بين المغرب والجزائر يمر عبر فرضيتان، بعد أن كان المغرب ينتظر من بوتفليقة إنصافه في الخلاف بين البلدين، حيث وضع الجيش تحت إمرته جميع الأجهزة الأمنية في البلاد وعين جنرالات على رأسها بعد إقالة هذا الأخير.
أولها”إن تسوية النزاع بين البلدين، في رأيه، حول قضية الصحراء، لن يتأتى إلا إذا فرضت هيئة الأمم المتحدة على الجزائر احترام قرارات مجلس الأمن، والامتثال لعملية السلام التي اعتمدها مجلس الأمن”.
والفرضية الثانية، يؤكد فيها”أن يتدهور الوضع في الجزائر، إذ لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال على الإطلاق، بسبب عدم الاستقرار الذي يسود هذا البلد منذ ثلاثة عقود على الأقل، وفي هذه الحالة، سيكون هناك أمل في ظهور جيل جديد من القادة الجزائريين لطي هذه الصفحة الحزينة من تاريخ البلدين”.
وعلى الرغم من الإمكانيات المالية الهائلة، التي تدرها الموارد البيترولية والغازية (800 مليار في 20 عامًا، من 2000 إلى 2020)، لا تزال الجزائر تواجه حتى يومنا نقصا متكررا ومستمرا في المنتجات الغذائية الأساسية كالزيت والعدس والحليب والسميد والأرز وما إلى ذلك. بحيث تستورد الجزائر كل شيء تقريبًا من الخارج. إذ بلغت فاتورة وارداتها من الخارج 45 مليار دولار عام 2022.
الجزائر/ صورة سوداء قاتمة عن حقوق الإنسان
الجزائر لا تتورع عن مهاجمة المغرب أمام منتديات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، رغم أن سجل الجزائر أسود وقاتم. في عشر سنوات قتل الجيش الجزائري 200 ألف جزائري بينما يبقى تعداد المفقودين فوق 20 ألف. هذه الأرقام رسمية. بدأ كل شيء عندما علق الجيش العملية الانتخابية في 11يناير 1992. وحمل أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ السلاح للرد على مصادرة فوزهم الساحق بينما تم نعتهم بالإرهابيين. في حين، حبذ ديمقراطيون المشاركة إلى جانب الجبهة الإسلامية في مرحلة انتقالية بمن فيهم حسين آيت أحمد، لوضع حد لاستيلاء الجيش على الحكم منذ الاستقلال كمرحلة أولى لإرساء الديمقراطية في هذا البلد. حوالي ثلاثين وزيرا، من بينهم اثنان من رؤساء الحكومة، وحوالي ثلاثين من كبار قادة الجيش، وكبار موظفي الدولة، ومديري مؤسسات وطنية، تم توقيفهم وإيداعهم السجن، في محاكمات صورية ومتسرعة، خاصة بتبذير المال العام، أوصى بها الجيش، الذي ساند على مدى 20 عاما بوتفليقة ووافق على ترشحه لعهدة خامسة.
المغرب وفقدان الثقة في الجزائر
وأكد “دكَّار”، “إن تسوية الخلاف بين المغرب والجزائر تثير قضايا معقدة للغاية. بسبب تراكم الخلافات على مدى عدة سنوات، والتي تعود إلى الاستقلال، وحتى قبل استقلال الجزائر، والتي يجب أن تضاف إليها قضية الصحراء المغربية.
بين البلدين هناك مشكلة حدود، يضيف الطيب دكَّار، وليس مشكلة ترسيم الحدود. من المسلم به أن الاتفاقيات تحدد بدقة مسار الخط الحدودي على الورق. غير أن لجنة عسكرية مشتركة، تم التنصيص عليها لهذا الغرض، لتنفيذ الترسيم على الأرض لم تجتمع قط. بعد فترة زمنية معينة، وإذا رفض الطرف الآخر الانضمام إلى اللجنة، يجوز للطرف المتعاقد أن يباشر بمفرده ترسيم الحدود.
وهذا ما نشهده حاليا يقول مؤلف الكتاب،” في نواحي فجيج، الجزائر شرعت في ترسيم حدودها. لم يتم تطبيق اتفاقية الحدود واتفاقية التعاون المرفقة بهذه الاتفاقية، ولا سيما الاستغلال المشترك لجزء محدد من مناجم الحديد في غارا جبيلات. لماذا يا ترى؟ لم يتم تنفيذ الاتفاقات لأن العلاقات بين البلدين تدهورت فور إبرام هذه الاتفاقيات عام 1972 في الرباط.
في عام 1973، تسرب مسلحون مغاربة قادمون من الأراضي الجزائرية إلى المغرب وحاولوا نشر الرعب في البلاد.
في عام 1975، كانت هناك المسيرة الخضراء التي كرست الطلاق الأبدي بين البلدين. لماذا تراجعت الجزائر عن التزاماتها أمام القمة الإفريقية في الرباط حول قضية الصحراء؟
ومن وجهة نظر الكاتب،” أن الجزائر كانت تشكك في نوايا المغرب، الذي لم يصادق على الفور على الاتفاقات الحدودية، مثل الجزائر، التي وقعت في غضون الستة أشهر الموالية لإبرام الاتفاقات. لم يتم التصديق على هذه الاتفاقيات من طرف المغرب حتى عام 1989، بعد تطبيع العلاقات بين البلدين من قبل جلالة الملك الراحل الحسن الثاني شخصيًا. قد يكون توغل مسلحين مغاربة إلى التراب المغربي من بين أسباب إرجاء التصديق على هذه الاتفاقيات في حين اعتبرت الجزائر ذلك ترددا مقصودا، خاصة وأن حزب الاستقلال كان يطالب بأراضي شاسعة في الغرب الجزائري. لذلك اختارت الجزائر العمل على إفشال جهود المغرب لاستعادة أقاليمه الجنوبية، معتقدة أن المغرب سوف يستأنف المطالبة من جديد بغرب الجزائر بعد استعادة الصحراء. وبذلك اتسعت رقعة الخلاف بين البلدين وتفاقمت حتى يومنا هذا. إننا أمام وضع تراكمت فيه المشاكل بين البلدين وزادت تعقيدا مع مرور الزمن”.
دمقرطة الجزائر؟
ويراهن الصحافي “الطيب دكَّار” على دمقرطة الجزائر من أجل تيسير حل الخلاف بين البلدين، ففي عام 1988، أعاد المغرب والجزائر إقامة علاقاتهما الدبلوماسية، التي كان المغرب قد بادر إلى قطعها في عام 1976، وفي اليوم الموالي لاعتراف الجزائر بالجمهورية الصحراوية، وذلك في سياق الأزمة الداخلية في الجزائر (اضطرابات أكتوبر 1988، احتجاجا على نقص المواد الغذائية).
ولم تدم تجربة التطبيع طويلا، بسبب الخلافات بين البلدين التي استمرت رغم التطبيع، خلافات حول الحدود، خلاف حول قضية الصحراء الخ… حيث يتشاجر البلدان بشكل دوري في المحافل الدولية حول قضية الصحراء. في حين ، لم تتخلى الصحافة الجزائرية على الإطلاق عن حملاتها ودعايتها ضد المملكة. إن تسوية الخلاف بين البلدين، يقول “دكَّار”، “يمر عبر طرح جميع المشاكل بين البلدين. هذا الهدف مستحيل اليوم بسبب عداء الجزائر التي تعارض أي تفاوض وأي وساطة خارجية. ستكون الجزائر بدون شك في وضع مريح بسبب القطيعة الشاملة مع المملكة”.
في مثل هذه الحالة، يرى الكاتب “إن البديل الذي يلوح في الأفق بالنسبة للمغرب والذي يجب أن يراهن عليه هو دمقرطة الجزائر، دمقرطة حقيقية، والتي من شأنها أن تكرس ظهور نخب جديدة من القادة، الذين سيعتمدون أولويات جديدة للجزائر على الصعيدين الداخلي والخارجي والتي من شأنها انسحاب الجزائر من نزاع الصحراء على أساس مصالحها. ومع ذلك، فإن دمقرطة الجزائر لا ينبغي أن يترك المغرب ينام على أمجاده. من جانبه، ينبغي لبلدنا، يؤكد مؤلف الكتاب، أن يخطو خطوات إلى الأمام من أجل توطيد العملية الديمقراطية التي من شأنها أن تفتح المجال أمام أجيال شابة من القادة يتولون مسؤوليات في تدبير الشأن العام، ويعزز التنافس والتنافسية بين الأحزاب السياسية، والبرامج السياسية.
إذا كان المغرب يتمتع بوضع جيد اليوم، مقارنة بالمجلس العسكري، فينبغي مع ذلك أن يعزز مكانته كرائد على المستوى الديمقراطي، يضيف الكاتب، لأن الوضع المضطرب لدى جيراننا لأكثر من ثلاثة عقود، من المحتمل جدا أن يتدهور نحو الأسوأ أو تتمخض عنه ديمقراطية حقيقية. وفي كلتا الحالتين، إن ترسيخ الديمقراطية في المغرب يشكل بالنسبة لنا اليوم وغدا عاملا من عوامل الاستقرار والاستدامة. على المغرب أن يحمي نفسه من التهديدات المختلفة والمحتملة الواردة من حدوده الشرقية، يضيف الكاتب.
باريس تدعم الجزائر لتعطيل عملية السلام
وفي نفس السياق يرى الكاتب أن باريس تجتهد من أجل الضغط على المغرب من خلال تعطيلها لعملية السلام، إذ يقول “نشهد اليوم انسداداً تاماً لعملية السلام الأممية بسبب الجزائر. تم تحديد مصدر الانسداد: الجزائر هي التي ترفض المشاركة في الموائد المستديرة، معتبرة أنها غير منتجة. بعد قرارين متتاليين لمجلس الأمن، وبالتالي الرفض الجزائري، فإن مجلس الأمن مطالب بأن يقر بمسؤولية الجزائر في الانسداد ويقرر الاستغناء عن خدماتها، وبالتالي فرض تسوية قضية الصحراء. لعبت فرنسا دورا مشئوما في قضية الصحراء وأضرت بالإجماع الدولي. كان من شأن انضمامها إلى الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا على وجه الخصوص أن يكون حاسما لفائدة المغرب وذلك بعزل الجزائر. لسوء حظنا، اختار ماكرون معسكر الجزائر، في هذا الوقت، وبالتالي أعطى إشارة إلى الجزائر لعرقلة العملية، وتكريس مؤامرة النظام العسكري ضد المغرب.
المغرب، مع ذلك، يسير على الطريق الصحيح، وفق نفس الكاتب، حيث عززت تحالفاته الجديدة موقفه على جميع الجبهات، بما في ذلك الجبهة العسكرية. سينتهي الأمر بالنسبة لفرنسا بالانضمام إلى معسكر أنصار المغرب. بحسب مؤلف الكتاب دائما.
لا أعتقد أن الجزائر، في رأي المؤلف، ستنخرط في مغامرات عسكرية، في السياق الدولي الحالي. حليفها الروسي يواجه صعوبات جمة في فرض قوته في حربه ضد أوكرانيا. أثبتت الترسانة العسكرية الروسية عدم فعاليتها. وستحتاج موسكو إلى “استيراد” بعض مقاتلاتها ميغ من الجزائر لمواصلة حربها. من ناحية أخرى، تثير الجزائر مخاوف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (وليس فرنسا) بشأن ولائها لتحالفها مع موسكو. أعتقد أن السياق غير مواتٍ للجزائر لمغامرات حربية ضد المغرب، وإن كان بلدنا على استعداد تام لمواجهة أي احتمال. يؤكد الصحافي الطيب دكَّار صاحب كتاب “الجزائر..عدم الاستقرار السياسي يديم القطيعة مع المغرب”.