خبراء..الحرب في شرق أوروبا نحو التجميد وضرورة تغيير الجامعة العربية إلى اتحاد عربي
أكد الخبراء والباحثون المشاركون في الندوة الدولية الافتتاحية لسلسلة الندوات التي تنظمها “الحدث الافريقي ” و “أكاديمية المستقبل للإعلام والتواصل” حول “الصراعات الدولية والنزاعات العربية، وتداعياتها على التنمية بالوطن العربي”، وأدارها الإعلاميان عبدالسلام العزوزي، وعبد الله العبادي، من “الحدث الافريقي “، أكد هؤلاء الخبراء، أن ما يجري في أوكرانيا من صراع بين الشرق والغرب يسير نحو تجميد هذه الحرب المستعرة هناك بشرق أوربا، وإسقاطاتها الاقتصادية والسياسية لابد وأن يكون للمنطقة العربية نصيب مخيب للأمال، وضاغط في تجاه تغيير محتمل في الجيواستراتيجية العربية، إن لم نقل في الخريطة العربية وفق منظور النظام العالمي الجديد.
الجامعة العربية استنفذت جهدها
كما اعتبر هؤلاء الباحثون، وهم ا.د عبدالكريم الوزان، وهو من العراق، ورئيس الجامعة الافروآسيوية “الذي ناقش “الإعلام العربي والأزمات” وا.د عبدالحفيظ محبوب، أكاديمي وأستاذ الجغرافيا السياسية، وهو من المملكة العربية السعودية، الذي وضع تحت مجهر التحليل “إمدادات الغداء في ظل التوتر الدولي” وأ.د ادريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية ومدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات بجامعة القاضي عياض بمراكش، المغرب الذي تطرق بالتحليل ل”ثقافة التعامل مع الطوارئ والأزمات”
و أ.د علي جاد بدر، مدير المركز المصري الافريقي للدراسات و البحوث ، من جمهورية مصر الذي استفاض في تحليل ” الأزمة السودانية ودول الجوار” ومخلفاتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. زا.د احمد رفيق عوض، من فلسطين ، وهو أيضا مدير مركز القدس للدراسات المستقبلية الذي بدوره أوضح دور “الاستراتيجيات العربية لمواجهة الأزمات الدولية”، وا.د حاجي دوران، وهو عالم اجتماع ورئيس قسم بجامعة آيدن، وهو من تركيا، حلل بدوره دور “تركيا والأزمة الأوكرانية”.
وأجمعت الندوة على أن الجامعة العربية استنفذت قواها وطموحها الذي تأسست من أجل تحقيقه، ولذلك المفروض أن تتحول إلى اتحاد العرب مع تغيير نمط ومسار التدبير والتسيير اعتمادا على توافق عربي من أجل وحدة المصالح وربط الشراكة الاقتصادية على أساس التكامل والتضامن وضمن منطق رابح-رابح في المقام الأول.
كما، شدد الخبراء على أن الأزمات التي مرت منها المنطقة العربية وما تزال تعيشها من صراعات سياسية وحروب طاحنة داخلية، وأيضا الأزمات الطبيعية والبيئية، وكان أخطرها أزمة جائحة كورونا الفظيع.
العزوزي.. المنطقة العربية تعاني من أزمات معقدة
وافتتح سلسلة الندوات الدولية هذه الأستاذ الإعلامي عبد السلام العزوزي مدير “الحدث الافريقي والمدير العام لأكاديمية المستقبل” بتقديم أرضية أطرت الندوة، مؤكدا فيها أن المنطقة العربية تعاني من تداعيات الصراعات الدولية المتعددة والمتنوعة، وأيضا تشكوا من مخلفات النزاعات الإقليمية والصراعات السياسية في الوطن العربي حول السلطة.
هذا، إضافة إلى أن البلدان العربية تعاني من هشاشة في مستوى التجانس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتنبيه إلى خطورة استمرار هذا التدني، وهذا التراجع في العمل العربي المشترك، أصبح ملحا في الظرف الدقيق الذي تمر منه المنطقة العربية في ظرف دولي مُتحول، مُخيف؛ وفي ظرف عربي تعمق نزاعاته الإقليمية وصراعاته السياسية البينية والداخلية من هوة الهشاشة الديمقراطية، وتُنفر التنمية المستدامة، ما يدفع نحو الاحتقان السياسي والاجتماعي.
وبالرغم من أن بعض المؤشرات تشير إلى التقدم الملحوظ لبعض الدول العربية في اتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية المأمولة، خاصة في مجالات تطوير الاقتصاد، وتعميم التعليم، والرعاية الصحية، وتعزيز المساواة بين الجنسين ومكافحة الفقر، وتطوير البنية التحتية.
إلا أن هذه الدول، يضيف العزوزي، لا تزال تواجه تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع معدلات النمو السكاني واستفحال البطالة، والحاجة إلى رفع مهارات الموارد البشرية في مجال التكنولوجيا الحديثة وتعميم رقمنة الإدارة، والحفاظ على مقدرات البلدان العربية من خلال حوكمة المؤسسات العربية ومكافحة الفساد، يزيد من تفاقم هذه التحديات أمام نكوص في تحقيق الرهانات. ويؤكد دليل التنمية البشرية، أن الدول العربية لا تزال تعاني من تدني مستويات التنمية البشرية، وخاصة الدول الأقل نموا ضمن المنطقة العربية.
وإذ نفتتح سلسلة هذه الندوات، يقول عبد السلام العزوزي مع خيرة من الخبراء والمفكرين المتخصصين في الوطن العربي وغيره،” نسعى من خلالها إثراء النقاش بكل مسؤولية، وبأمل في أن نسهم في توضيح الرؤية، وكشف مكامن الخلل، بحثا عن سبل وآليات لحلول ممكنة، نضعها أمام صناع القرار في الوطن العربي. رغبتنا في ذلك، أن نكون كوة ضوء تنير درب تحقيق نهضة عربية متكاملة وشاملة”.
لكريني..حسن توظيف التكنولوجيا ونهج الحوكمة في تدبير الأزمات
ويعتبر الباحث ادريس لكريني، أن حدوث الطوارئ؛ والأزمات المختلفة أمرا طبيعيا بل وصحّيا أحيانا بالنظر إلى الاختلالات التي تكشفها، والدروس التي تطرحها. وتحيل الأزمات والطوارئ إلى لحظات عصيبة وضاغطة، غالبا ما تفرض مناخا من القلق والخوف، الذي يدفع نحو ارتكاب سلوكات مرتجلة ومتسرعة، يمكن أن تساهم في تعقيد الوضع، وترفع من تكلفة الخسائر، وبخاصة وأنها تضع صانعي القرار أيضا أمام محكّ حقيقي، يفرض استثمار الوقت بشكل جيد، وتوخّي النجاعة والمرونة في اعتماد الخيارات المطروحة.
ويضيف لكريني، أنه انطلاقا من تدرّج أسلوب إدارة الأزمات بين العلم والفن، على طريق السيطرة على الوضع ومنع خروجه عن نطاق التحكم، عبر استثمار كل المقومات الذاتية والموضوعية المتاحة بشكل عقلاني، في سباق حاسم مع الزّمن، يرى الباحث، إن تحقيق قدر من الجاهزية في التعامل مع هذه الظروف القاسية، يقتضي استحضار مجموعة من المداخل التي يمكنها أن تساهم في تحويل هذه اللحظات الصعبة إلى فرص حقيقية؛ وذلك بتقليل الكلفة وحماية الأرواح والممتلكات، وتحصين المستقبل.
ويذكر الأستاذ الباحث ادريس لكريني في هذا الصدد، حسن توظيف التكنولوجيا الحديثة، ونهج الحوكمة وما يحيل إليه الأمر من تخطيط استراتيجي منفتح على المستقبل واحترام الحقوق، وتوفير الإطار القانوني الملائم لتدبير هذه المحطات، وتدريب العنصر البشري، فيما لا تخفى أهمية ترسيخ ثقافة التعامل مع الطوارئ والأزمات والكوارث، في أوساط أفراد المجتمع، وبين صفوف صانعي القرار.
ويعتبر نفس المتحدث، إن نجاح تدبير الأزمة ليس مسألة حظ، بل يظل الأمر متوقفا على توافر مجموعة من العناصر والشروط، وعلى رأسها تأهيل العنصر البشري، عبر التكوين المستمر وتطوير الكفاءات، بصورة تجعل الفرد مستعدا كل حين لمواجهة حالات الطوارئ التي يفرضها حدوث الأزمات والكوارث، إلى جانب وجود استراتيجية فعالة في هذا الصدد.
ويرى لكريني، إن كسب هذا الرهان (ترسيخ ثقافة التعامل مع الطوارئ والأزمات والكوارث) لا يتوقف على جهود الدولة بمفردها، بل يتطلب مقاربة تشاركية، تساهم فيها وسائل الإعلام المختلفة، وخلية إدارة الأزمة نفسها، إضافة إلى المؤسسات التعليمية، وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص..
رفيق عوض.. العالم العربي معرض ان لا يشارك بالحضارة البشرية
ويرى أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس بفلسطين، أن الحديث عن الاستراتيجيات العربية لمواجهة الازمات الدولية، وهو موضوع اشكالي يتداخل فيه السياسي بغير السياسي أيضاً، فالإقليم العربي وان كان يتعرض لتحديات متشابهة ولكن ردات فعله ليست كذلك، يضيف الأستاذ عوض.
ويفسر نفس المتحدث الازمات الدولية بأنها هي تلك التحديات العابرة للحدود والتي تهدد بالضرر وتؤثر على الشعوب ومقدراتها وثرواتها ومستقبلها، فالأزمة تمس الحياة ذاتها وتمس كل مكوناتها واركانها وشروطها، والازمة الدولية تفرض شروطها على الشعوب والأنظمة رغماً عنها، ولهذا فإن الردود عليها يحتاج الى كثير من الاستعداد والتنسيق والانسجام بين الأنظمة والشعوب والهيئات الدولية. وتتمثل هذه الازمات الدولية بالاستقطابات السياسية والأمنية وازمات الغذاء والدواء والطاقة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
فهل هناك نظام عربي أم أنظمة عربية متعددة؟
وشدد الباحث أحمد رفيق عوض، على أنه لا يمكن الكلام عن نظام عربي واحد، فالإقليم العربي لا يمتلك قدرة موحدة على الرد او مواجهة الازمات الدولية المتعددة. فالأنظمة العربية متعددة في المزاج والمنشأ والتنظيم السياسي والتطور الحضاري.
ويقول الباحث رفيق عوض، “من المفروض ان تلعب الجامعة العربية الواجهة الرسمية للعمل العربي المشترك، ولكن هذه المنظمة الإقليمية فشلت في توحيد السياسات والاستراتيجيات، بسبب الخلافات السياسية بين أعضائها. والتحالفات الخارجية بين بعض أعضائها والقوى الإقليمية والدولية. مع تضارب مصالح الأنظمة وضعف النخب القادرة على التغيير، والتنوع الطائفي والعرقي في الإقليم العربي. وهناك فروق فعلية بين تلك الأنظمة من حيث القوة الاقتصادية والمستوى الحضاري والمزاج، وهذا فضلاً عن السبب الأكثر أهمية وهو الضغوط الدولية من قبل القوى الاستعمارية الكبرى.
وخلص الباحث في مداخلته، إلى أن العالم العربي، بأنظمته وشعوبه وثرواته وثقافته واحلامه وآماله، معرض ان لا يشارك بالحضارة البشرية -كجماعة- وبالتالي فهو مؤهل للغياب، والأمر لا يعدو عن كونه مسألة وقت إلا. والحل -ولا نقول شيئاً عجباً هنا- يتعلق بتجسير الهوة بين النظام وشعبه والاعتصام بالقرار الوطني والقومي والقفز من قاطرة الاستلاب السياسي والأمني والثقافي، والامر كله متعلق بالوعي.. ما هي رسالتنا كعرب ومسلمين؟!
الوطن العربي يستهلك 20% من صادرات الحبوب في العالم
وقال الباحث عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب، أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا “أن العالم يشهد أزمة في سلاسل الإمداد الغذائي نتيجة للأحداث العالمية التي ألقت بظلالها على اقتصادات العالم بدءا من جائحة كرونا والحرب الروسية في أوكرانيا والجفاف الذي ضرب مناطق واسعة في العالم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع الغذائية، كما شمل تأثيرها على أسواق الغذاء وفي مقدمتها الشحن البحري، بجانب اتخاذ بعض الدول حمائية على صادراتها ووجود تحديات بشأن زيادة الإنتاج نتيجة الجفاف”.
وفي نفس السياق، أوضح الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم، أن أكثر الدول المنتجة للحبوب لعام 2020 الصين بنحو 582،6 مليون طن، ثم الولايات المتحدة بنحو 476 مليون طن، ثم الهند بنحو 295 مليون طن، فروسيا 118 مليون طن، وبقية الدول إندونيسيا، البرازيل، الأرجنتين، أوكرانيا، بنغلاديش، كندا يتراوح الإنتاج بين 98 و55 مليون طن، فيما أكبر الدول المستوردة للحبوب الصين ثم مصر اليابان، المكسيك، تركيا، الجزائر، وأكبر الدول المصدرة للقمح روسيا بنحو 37 مليون طن، فأمريكا وكندا بنحو 26 مليون طن لكل منهما، وفرنسا وأوكرانيا 20 مليون طن لكل منهما، وأستراليا، الأرجنتين، ألمانيا، الهند، كازخستان تتراوح كمية التصدير ما بين 10 و 5 مليون طن.
ويبلغ إنتاج الحبوب في العالم نحو 2.8 مليار طن عام 2021 انخفض عن 3 مليار طن لعام 2020 بزيادة نحو 75 مليون طن عن عام 2019 مرتفعة من 877 مليون طن عام 1961، ونحو 2 مليار طن عام 2007، ونحو 2.5 مليار طن لإنتاج الحبوب الرئيسية كالذرة نحو مليار طن، القمح بنحو 874 مليون طن، الأرز بنحو 750 مليون طن، الشعير بنحو 170 مليون طن، الشوفان بنحو 23 مليون طن.
4 شركات غربية تحتكر تجارة الحبوب العالمية
واشار نفس المتحدث، إلى أن أربع شركات غربية هي من تحتكر تجارة الحبوب العالمية في 90 في المائة من التجارة واحتياطيات الحبوب في العالم ثلاث شركات أمريكية وواحدة هولندية، والأمريكية هي أرتشر دانيالز ميدلاند، و نانج، وكارجيل، والهولندية هي ولوس دريقوني، وأكبر الشركات العالمية كارجيل الأمريكية العملاقة حققت في 2022 أرباح 6.68 مليار دولار من الأرباح الصافية بزيادة 35 في المائة عن عام 2021، وهذه الشركات ليست فقط وسيط ابل تمتلك امتيازا في الوصول إلى المعلومات وتمتلك أراضي توفر البذور والأسمدة للمزارعين وتشتري محاصيلها وتخزنها وتعيد بيعها، حيث بلغ مخزون الحبوب العالمي عام 2022 نحو 856 مليون طن وتجارة الحبوب بلغت نحو 472 مليون طن.
ويشدد الباحث أن “هناك أرقام مقلقة لإنتاج الدول العربية من الحبوب، وهو تصادم بين النمو السكاني وشح المياه، ولأول مرة في التاريخ ينخفض إنتاج الحبوب، ولا تشكل الأقطار العربية سوى 5 في المائة من سكان العالم، ومع ذلك تستهلك أكثر من 20 في المائة من صادرات الحبوب في العالم، وقفزت واردات الحبوب إلى البلدان العربية من خمسة ملايين طن في 1960 إلى 30 مليون طن في 1990 إلى 70 مليون طن في 2011 وفي 2021 استوردت 50 مليون طن من القمح مصر رغم انها تنتج 8.5 مليون طن في 2022، والمغرب والجزائر التي تشكل 54 في المائة من واردات القمح حيث بلغ سعر الطن في مايو 2020 نحو 438 دولار ضعف أسعاره.”
وخلص الباحث إلى أن السعودية تستورد 3 ملايين طن من القمح سنويا 66 في المائة من الاتحاد الأوربي انخفض إلى 22 في المائة في 2022 ولجأت السعودية إلى البرازيل واستوردت في عام 2022/2023 نحو 3.7 مليون طن من القمح.