هل يمكن إعتبار مارواه أحد الشخصيات السياسية الجزائرية، وهو يتحدث إلى أحد الوجوه البارزة في الإعلام الجزائري، بداية جدية في الكشف عما تم إرتكابه من تجاوزات خطيرة على عهد الرئيس الراحل هواري بومدين وبإشراف مباشر منه؟
يذكرنا ما تم الكشف عنه على لسان هذه الشخصية وغيرها من قبله بكثير من تلك التجاوزات ، يذكرنا ذلك بما سبق أن حدث في دولة الإتحاد السوفياتي المنهارة على عهد جوزيف ستالين الذي مارس الحكم بيد من حديد ، وبما وقع على عهده من تصفيات كثير من المعارضين ، لينفرد بالسلطة ويقيم حكما ديكتوريا إستمر لعقود
كانت قد توالت في السبعينات من القرن الماضي الشهادات التي فضحت تجاوزات ستالين الفظيعة ، وأنتهى الأمر بالحملة التي شنها الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف الذي تولى مسؤولية الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي مكنته من منصب رئيس الدولة ٠
وبذالك أنتهت أسطورة ستالين كثاني قائد سوفياتي بعد لينين الذي كان قد أرسى الحكم الشيوعي في الإتحاد السوفياتي وفرض تطبيقه على عدد من دول أروبا الشرقية وعلى يد حكامها ، وامتد الحكم الشيوعي المباشر ليشمل أيضا عددا من الدول الآسيوية التي كانت تشكل جزء من الإتحاد الذي تفكك بحلول العقد الأخير من القرن العشرين ٠
لم يقتصر الكشف عن تجاوزات عهد ستالين على يد السياسيين فقط ، بل ساهمت في فضحه عدد من الأعمال الأدبية ، كان أبرزها رواية الغولاك التي إنتشرت في العالم وبمختلف اللغات، وككل الدكتاتوريين ، فقد يكون الرئيس هواري بومدين قد إستوحى سيرته في الحكم من سيرة ستالين والسير على نهجه ٠
فكل القرائن تدل على ان الرئيس بومدين إعتمد في حكمه على المؤسسة العسكرية ومكن لبعض ضباطها ، وأسس نظام مخابرات إعتمد عليها في ممارسة السلطة في الجزائر ، وفي محاولة فرض الهيمنة وتوسيع النفوذ والهيمنة في المحيط الجغرافي لدولته التي يفتخر بها النظام كدولة قارية ومحورية.
كان قصدي مرباح رئيس المخابرات الذي تمت تصفيته في منتصف التسعينات وبالضبط سنة ١٩٩٤ ، أشهر شخصية إعتمد عليها النظام في الجزائرسواءعلى عهد بومدين أو بعد أن غيبه القدر ، وخلفه أو سانده الجنرال توفيق الملقب بومدين ، مثلما كان الجنرال بلخير وحليفاه الجنرال العماري والجنرال نزار من إبرز قادة الجيش الذين ظلوا يتحكمون في تنصيب الرؤساء أو عزلهم مثلما كانوا يسيطرون على دواليب الدولة.
وكثيرا ما كانت تجاوزات هؤلاء الضباط في ممارستهم للسلطة وما وفروه لأنفسهم من إمتيازات تثير حفيظة زملائهم الضباط ، فتنشأ عن ذلك صراعات بين أجنحة الجيش تنتهي إما بالإعتقالات أو بلجوء البعض إلى هجرة البلاد للعيش جارجها ، إعتمادا على ما راكموه من إرصدة مالية في الأبناك الإجنبية توفر لهم حياة الرفاهية ٠ ويقال بأن عدد الضباط المعتقلين حاليا يصل إلى خمسين من الذين يحملون رتبا سامية.
ربما لا يختلف الوضع الحالي اليوم في الجزائر عما كان عليه في السابق ، فما حصل على عهد الجنرال قايد صالح الذي قيل إنه تعرض لعملية تصفية إذ يظهر أن وفاته لم نكن طبيعية ، وتكشف عن كثير من الأشياء الذي ظل بعضها غامضا والبعض الإخر يؤكد ما ذهبنا إليه في هذا التحليل.
لقد تم على عهد الجنرال قايد صالح عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتنصيب الرئيس عبد المجيد تبون خلفا له بعد التمهيد لذلك خلال فترة إنتقالية تم خلالها التحكم في الحراك الشعبي الذي هز الجزائر ، وحدث ان كان الجنرال نزار والجنرال توفيق قد صدر ت في حقهما غيابيا أحكام قاسية بعد فرارهما إلى الخارج ، وفور تشييع جنازة الجنرال قايد صالح ، عاد نزار وتوفيق الى الجزائر في طائرة رسمية ، دون أن يعلن عن مراجعة الأحكام الصادرة في حقهما أو إلغائها ٠
ولقد صاحب عودتهما من الخارج إعتقال عدد من الجنرالات ، قيل إن عددهم تجاوز الثلاثين ،وفي نفس الوقت بدأ صعود الجنرال سعيد شنقريحة وبروزه كأقوى رجل في النظام القائم بعد أن تقلد منصب رئيس أركان الجيش ، ولا يفتأ يوحي بتحركاته ونشاطه أنه الحاكم الموجه عن طريق ما تصدره مجلة الجيش من توجيهات ، وكثيرا ما يتعمد منافسة الرئيس عبد المجيد تبون في عدد الخطب والتصريحات التي تتجند أجهزة الإعلام لبثها ، مثلما يتنافس الرجلان في إظهار العداء للمغرب ، بل والتصريح بعداوته ، ويتنافسان ايضا في التباهي بالإعلان عن كون الجزائر قوة ضاربة وبأنها أقوى دولة في المنطقة ، ويجب أن تكون الدولة المحورية ، لكن هل تملك المقومات الضرورية لتكون كما أراد لها رجالها وهم لا يحسنون التدبير ولايتوفرون على المؤهلات العلمية والمعرفية لتحقيق ذلك ؟