نعم الحروب المستقبلية، التي ستختلف كثيرا عن الحروب التقليدية، أو حروب المواجهات المسلحة. فهل العرب واعون بما يجري حولهم، أم يصرون على رفع ميزانيات العتاد العسكري التقليدي، فيما الغرب والصين وروسيا يقلصونها ويرفعون من ميزانية التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والانترنت.
ما زالت الصراعات الإقليمية تندلع هنا وهناك، حيث تلتقي أو تتضارب مصالح الدول العظمى أو القوى الإقليمية. كما تنتشر الفوضى وتعم العديد من المجتمعات العالمية في ظروف مختلفة ولأسباب شتى، لكنها تدل على غليان لا يتوقف.
العالم كله في حالة احتقان، من الجانب السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، حروب بالجملة، صراعات لا تنتهي، قطع إمدادات الغذاء، الجفاف وغلاء أسعار المواد الغذائية، وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي أي تهديد الأمن القومي للكثير من الدول بشكل صريح.
من الواضع أن عالم اليوم ليس مصنعا للأمنيات، ومن غير المحتمل أن يشهد ميلاد قيادات حكيمة تنتهج سياسات رشيدة وتدير الأمور على الوجه الصحيح وأفضل مما عليه، المتوقع في ظل ما يجري، ظهور قيادات غربية وروسية لن تدفع العالم إلا نحو مستقبل مجهول، عالم ممزق ومنقسم وأكثر وحشية، حيث غطرسة بني البشر وغضب الطبيعة المتواصل.
مجتمع ما بعد كورونا يسدل الستار على تحالفات جديدة، تخاط كل يوم بمقاييس مستقبلية، خرائط جيوبوليتيك عالمية تحاك من جديد بمقاييس دقيقة، حيث البقاء للأقوى وحيث الإنسانية ستتجرد مما تبقى منها. لا أمان في السياسة ولا في السياسيين، أصدقاء الأمس صاروا أعداء اليوم، لعبة قدرة تلك التي ينسج خيوطها صناع القرار العالمي حيث وحدهم المستضعفون والبسطاء من يدفعون ثمن فاتورة غباء الغرب وثمن خراب الكوكب.
خلال العشرين سنة الماضية، أمريكا والغرب ركزوا جيدا على الشرق الأوسط، الحرب على العراق ونشر الفوضى في باقي المناطق، مما سنح الفرصة لقوى أخرى للظهور كالصين وروسيا حتى اعتبرا على أنهما التهديد الجاد والمنافس الاستراتيجي على المدى الطويل للغرب. حيث يقول خبراء غربيون، بينما كنا نركز على الشرق الأوسط الكبير عملت تلك الدول على دراسة الطريقة الغربية في الحرب، وبدأت تستثمر بشكل كبير في مجموعة كاملة من التقنيات الجديدة.
الاستثمار في التقنيات الجديدة للحرب، هذا ما سنسمعه من الآن فصاعدا، في حين لا زال العديد من الدول العربية تستثمر في شراء ما تبقى من معدات روسية وغربية لا تصلح لشيء، عوض الاستثمار في الانترنيت والذكاء الاصطناعي وتطوير المنظومات العسكرية بالتقنيات الدقيقة.
أعتقد أن صراع المستقبل سيحدث في بيئة ذات وتيرة متسارعة تعتمد بشكل كبير على مجال المعلومات، فالصينيون أنشؤوا وكالة جديدة تسمى قوة الدعم الاستراتيجي التي تنظر في الفضاء والحرب الإلكترونية والقدرات والأمن السيبراني، قد يصبح فيه، التشويش على الانترنيت أو قطعه يدخل البلد في فوضى عارمة.
ببساطة، القوى المسيطرة تستثمر بشكل كبير ليس فقط في القدرات الإلكترونية الهجومية ولكن أيضا في قدرات الحرب الإلكترونية التي يمكنها التشويش على الأقمار الصناعية وتعطيل الاتصالات، لذلك، لن يكون الجيش فحسب هو المستهدف، بل ستكون المجتمعات بشكل عام هدفا رئيسيا في الصراع المستقبلي، على حد تعبير احد المختصين.