أكد الخبراء والباحثون المشاركون في الندوة الدولية الافتتاحية لسلسلة الندوات التي تنظمها “الحدث الافريقي ” و “أكاديمية المستقبل للإعلام والتواصل” حول “الصراعات الدولية والنزاعات العربية، وتداعياتها على التنمية بالوطن العربي”، وأدارها الإعلاميان عبدالسلام العزوزي، وعبد الله العبادي، من “الحدث الافريقي “، أكد هؤلاء الخبراء، أن ما يجري في أوكرانيا من صراع بين الشرق والغرب يسير نحو تجميد هذه الحرب المستعرة هناك بشرق أوربا، وإسقاطاتها الاقتصادية والسياسية لابد وأن يكون للمنطقة العربية نصيب مخيب للأمال، وضاغط في تجاه تغيير محتمل في الجيواستراتيجية العربية، إن لم نقل في الخريطة العربية وفق منظور النظام العالمي الجديد.
تركيا هي الحلقة الأهم في الصراع الروسي الأوكراني
وفي نفس السياق، يقول البروفسور حاجي دوران( Prof. Dr. Hacı Duran)، رئيس قسم علم الاجتماع جامعة استانبول ايدينمن بتركيا، أن ” تركيا لها دور تاريخي بين أوكرانيا وروسيا منذ عهد الإمبراطورية العثمانية. يقوم الدور التاريخي لتركيا في أوروبا الشرقية ، أي بين روسيا وأوكرانيا ، على أسس ديموغرافية وجغرافية وثقافية. لأن الأتراك حكموا تلك المنطقة من العالم لمدة ثلاثة قرون. وما زال يعيش العديد من الأتراك المسلمين في أراضي الأطراف المتحاربة في تلك الدول. يمكن فتح المنطقة على العالم جغرافياً عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور. و ليس طريق اخر لتلك البلدين ان يرتبط بأسواق العالم الا عبر هذا المعبر الموجود في أرض تركيا.
ويضيف الباحث دوران، “بصرف النظر عن الظروف التاريخية والثقافية والاجتماعية والديموغرافية المعلنة، يدعم الوضع السياسي العالمي اليوم أيضًا دور تركيا في المنطقة. لأن دول المنطقة التي تخلصت من هيمنة روسيا بعد فترة الحرب الباردة مازال تخشى أن تغزو روسيا بلدانها مرة أخرى. و ثانيًا، تخشى دول الاتحاد الأوروبي أن تهدد روسيا بلدانها مرة أخرى ، كما في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وثالثًا، يريد الناتو الحفاظ على هيمنته في المنطقة ومنع السياسات التوسعية لروسيا.
ومن المعروف، يقول “دوران”، “أن تركيا كانت القوة العسكرية الأكثر أهمية في حلف شمال الأطلسي منذ فترة الحرب الباردة من خلال كونها عضوًا في هذا التحالف، التزمت تركيا سياسيًا بحماية سيادة أوكرانيا. كما هو معروف”، مردفا” ان تركيا دولة في طريقها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ورابعا هناك مشكلة شبه جزيرة قريم ذات أهمية تاريخية لتركيا لان الشعب قريم مسلم و تركي و كانت بلدة مسلمة. ولكن اليوم تحت سيطرة روسيا و تركيا لا يعترف بهذا الاحتلال الروسي”.
بينما تعتبر تركيا نفسها مضطرة للعب الأدوار المنصوص عليها فيما يتعلق بأوكرانيا ، من ناحية أخرى ، فهي دولة، يؤكد الباحث التركي البروفسور دوران، “لدى تركيا شراكات سلمية واقتصادية وسياسية مع روسيا. وتركيا دولة تعتمد على روسيا من حيث الطاقة وليس لديها مصادر طاقة بديلة مثل دول الاتحاد الأوروبي ثانيًا ، تستمر الاستثمارات الصناعية المشتركة بين تركيا وروسيا اليوم كما في الماضي وثالثًا ، هناك العديد من الجمهوريات التركية التابعة للاتحاد الروسي وهناك أنشطة ثقافية قوية بين هذه الجمهوريات وتركيا. ورابعا ، لدى أرمينيا سياسات عالمية قائمة على كراهية الأتراك ، وفي نطاق هذه السياسة ، تنظم أرمينيا هجمات على أذربيجان ، وهي دولة تركية ، وترتكب جرائم قتل جماعي علي الاتراك المسلمة في فقاسي. و من خلال دعم أرمينيا ضد الأتراك ، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها بناء دولة احتلال ، على غرار بناء دولة إسرائيلية بين المناطق التركية. وخامسا اتبعت الولايات المتحدة وحلفاؤها سياسة تقطيع أوصال العراق وسوريا ، وهو ما يعني أيضًا زعزعة استقرار تركيا.فلهذه الأسباب ، لا تثق تركيا بالولايات المتحدة وحلفائها”.
تركيا تلعب سياسة التوازن حفاظا على الأمن الغذائي العالمي
ومن جهة أخرى يرى “دوران” أن العالم يشاهد ان تركيا تلعب دورا هاما وسيطا بين الطرفين المتحاربين في المنطقة في سياق كل هذه الظروف المتضاربة.و للأسباب الموضحة ، يحترم كلا الطرفين المتحاربين سياسة تركيا القائمة على التوازن.”
كما أن سياسة التوازن التي تنتهجها تركيا، يقول الباحث التركي، بين الأطراف المتحاربة ليست فقط في مصلحة كلا الجانبين، ولكنها مهمة أيضًا للأمن الغذائي العالمي. لأن خمسة عشر بالمائة من احتياجات العالم الغذائية يتم تلبيتها من أوكرانيا، ويمكن لروسيا إغلاق هذا الممر ضد الحظر الاقتصادي المفروض على بلدها بطريق أمريكا والاتحاد الأوروبي، وتطرح تركيا قاعدة عدم فرض حظر على الصادرات الغذائية الروسية. وهكذا، استُثنيت الحبوب الروسية أيضًا من الحظر. وهكذا، وبوساطة تركيا والأمم المتحدة، خفت أزمة الغذاء رغم الحرب. ونتيجة لذلك، أدت وساطة تركيا إلى التمديد الثالث لاتفاقية الممر الغذائي حتى الآن. وهكذا ، فإن المجتمعات الفقيرة في العالم محمية من خطر الجوع.و يمكن للطرفين المتحاربين تصدير الحبوب إلى الأسواق العالمية تحت إشراف تركيا.