ناقش باحثون وخبراء في الندوة الثانية من سلسلة الندوات التي تنظمها “الحدث الافريقي” و”أكاديمية المستقبل”، أمس الجمعة 26ماي الجاري، قضايا الأمة العربية والاشكالات التي تؤرق صانع القرار في الوطن العربي جراء مخلفات التصدعات والحروب المشتعلة في بعض الدول العربية، وتطرق أيضا نفس المتدخلين في هذه الندوة التي أدارها الإعلاميين عبدالله العبادي وعبدالسلام العزوزي، إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على التنمية في الوطن العربي.
وقال الباحث الأكاديمي محمد زهور، أن “العالم يعرف منذ عقود تنامي العديد من الأزمات الدولية العابرة للحدود والتي أثرت ولا تزال تؤثر على تحقيق التنمية المستدامة الشاملة. ولم يكن العالم العربي بعيدا عن تداعيات هذه الأزمات الدولية حيث أثرت على منظومة التنمية بهذه البلدان في العديد من المجالات، خاصة في مجال تحقيق الأمن الغذائي، الذي أصبح يشكل أحد التحديات الكبرى لهذه البلدان خاصة بعد استفحال الأزمة المناخية وندرة الموارد الطبيعية الضرورية للإنتاج الزراعي”.
وأشار الباحث والأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، أنه، كان لتوالي الأزمات والصراعات الدولية في السنوات الأخيرة آثار سلبية على استراتيجيات التنمية بالعالم العربي، مما عمق العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ببعض البلدان العربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط خاصة تلك التي تعاني من ضعف الموارد الطبيعية المرتبطة بالانتاج الزراعي وكذا ضعف آليات تدبير الأزمات. يضيف نفس المتحدث.
أزمة المياه عمقت من وضعية الأمن الغذائي بالوطن العربي
وفي نفس السياق، يشدد الباحث محمد زهور أن أزمة المياه والأزمة المناخية، عمقت من وضعية الأمن الغذائي بالوطن العربي مما تسبب في هجرات وتنقلات بشرية كبيرة أثرت على اقتصاديات البلدان المجاورة، وتسببت في تداعيات أمنية كبيرة في العديد من المناطق التي تعرضت لضغوطات الهجرة”.
وقال محمد زهور، أنه “من أجل ضمان استدامة الأمن الغذائي بالوطن العربي في ظل تنامي الأزمات والصراعات الدولية، لابد من إعادة النظر في منظومة التعاون العربي المشترك في المجالات المرتبطة بتحقيق الأمن بصفة عامة والأمن الغذائي على وجه الخصوص عبر بناء إطار جديد للتعاون يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجديدة لهذه الأزمات وكذا التوجهات الجديدة للنظام الدولي الذي أصبح يفرض ضرورة بناء شراكات دولية مستدامة وفق مقاربة تشاركية تمكن من إشراك كل الفاعلين.”
وخلص نفس المتحدث إلى أن هذه المداخلة تهدف إلى “استشراف مستقبل” الأمن الغذائي بالوطن العربي في سياق دولي يتسم بتنامي الصراعات والأزمات الدولية العابرة للحدود وكذا اقتراح بعض الآليات التي يمكن للدول العربية اعتمادها للتخفيف من آثار وتداعيات هذه الأزمات على منظومة التنمية المستدامة والأمن الغذائي بهذه البلدان، خاصة في مجال تثمين الموارد الطبيعية المرتبطة بالإنتاج الزراعي وتعزيز الاستراتيجيات التي تستهدف الحد من الفقر وكذا تحقيق الانتقال الطاقي وبناء دعائم الاقتصاد الأخضر إضافة إلى تعزيز التعاون العربي في هذا المجال.
الحروب في الوطن العربي أدخلته في نفق مظلم
وقال البروفسور سمير عبد الرحمن الشميري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن في مداخلة له حول ” الحروب والصراعات وتأثيرهما على الهوية والتنمية”، أن “الحروب والصراعات المدمرة عرقلت التنمية في الوطن العربي، وأدخلته في أنفاق مظلمة وجعلته يهدر ثرواته وطاقاته وإمكانياته المادية والمعنوية ويعيش تحت مظلة الفقر والبطالة في ظل إنعدام المعايش والفساد والفوضى والاضطرابات العميقة التي هزت كيان المجتمع. “
وأضاف أن استراتيجية الحروب تغيرت لإنهاك الشعوب العربية والإسلامية والانقضاض عليها عبر استراتيجية التآكل وزعزعة الأمن والاستقرار لخلق الدولة الفاشلة.
فالحروب الحديثة، يقول الباحث اليمني، “ليست مهمتها تحطيم المؤسسة العسكرية بل هدفها ” الإنهاك- التآكل البطيء ” حسب تعبير البروفيسور ماكس مانوارينج- خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية.”واستفاض نفس المتحدث في تحليل الحروب والصراعات التي يشهدها العالم والمنطقة العربية بعد “الخريف العربي” بحسب وصفه، والذي أدى إلى تفكيك الدول وطمس الهوية العربية.
واستعرض الباحث الدكتور علي محمد علي الهيلالي من ليبيا، الاوضاع العربية الراهنة اسبابها ومسبباتها وانعكاساتها على الوطن والمواطن العربي، مشيرا إلى أن المنطقة العربية تشهد تمزقا كبيرا في بنيتها، خصوصا بعد الثورات التي اندلعت مع العام 2011 والتي أنتجت نخبا متحكم فيها، ما أدخل المنطقة العربية وخصوصا الدول التي ما تزال تعيش على مخلفات هذه الثورات التي انقلبت على نفسها، ولم تستطيع أن تفرز سياسة وطنية واضحة المعالم مبنية على دولة المؤسسات وفق استراتيجية ديمقراطية تشاركية تسمح للجميع بالانخراط في التنمية وفي التنوير والتأطير، تحقيقا للعيش الكريم.
وقال الباحث الليبي أن “الممارسات الصهيونية والعدو الامبريالي تتغير أشكاله وألوانه ولا يتغير نهجه وغاياته وأبعاده، ما يدفع في اتجاه مزيد من تمزق الأمة العربية تحضيرا لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
وأشار علي الهيلالي إلى دور المثقف العربي وتوظيف العقول والقدرات المعرفية والفكرية العربية لانجاز مشروع عربي قومي مقاوم ذو افق انساني ، وهو ما يفرض نهضة فكرية تنويرية بكل ما يحاك ضد الوطن العربي التي يجد عمقه الافريقي منافحا ومقويا لكل مرتكزاته السياسية والامتدادية، ما يعطيه قوة في التنافس وفي الدفاع عن المصالح العربية.