أخبارإفريقيا

الديمقراطية في القارة الأفريقية تئن تحت وطأة الانقلابات 

يرى البعض أن الديمقراطية قد لا تكون أفضل شكل من أشكال الحكم في القارة السمراء، بعد الانقلابات العسكرية في خمس دول إفريقية مختلفة العام الماضي. وعلى الرغم من هذه الانتكاسات، إلا أن الديمقراطية تبقى السبيل الوحيد للمضي قدما بالنسبة لإفريقيا. 

وكانت افريقيا تعرضت لسلسلة من الإنقلابات التي تهدد بإعادتها إلى الثمانينيات وعصر الحكم العسكري. فقد شهدت بوركينا فاسو وتشاد وغينيا والسودان ومالي الإطاحة بالحكومات المدنية، واستبدالها بمجالس عسكرية.وكان من الممكن أن يكون الوضع أكثر إثارة للقلق، خاصة بعد محاولات انقلاب فاشلة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وقبلها بأيام فقط، في غينيا بيساو.ومع كل دولة تُضاف إلى هذه القائمة، تزداد الأصوات التي تدعي أن الديمقراطية غير ناجعة، ولا يمكن أن يقدر لها النجاح في إفريقيا، إذ أعقبت الإطاحة بالرؤساء المدنيين احتفالات في الشوارع في بعض البلدان، حيث تعالت هتافات المواطنين تهليلا بسقوط القادة المنتخبين ديمقراطيا.

وفي حين أنه من المغري تفسير موجة الانقلابات على أنها دليل على كون الديمقراطية في إفريقيا تحتضر، فإن ذلك سيكون خطأ فادحا. حتى في البلدان التي حدث فيها انقلاب، يريد غالبية المواطنين العيش في ظل ديمقراطية، ويرفضون الحكم الاستبدادي. 

على الرغم من الإحباط المتزايد من الطريقة التي تعمل بها السياسة متعددة الأحزاب، فإن الديمقراطيات في المتوسط ​​تولد نموا اقتصاديا أعلى، وتعمل بشكل أفضل في تقديم الخدمات العامة، وفقا لدراسة أجريت في جامعة كورنيل الأمريكية.وعلى النقيض من ذلك، للأنظمة العسكرية تاريخ طويل في انتهاك حقوق الإنسان إضافة إلى الركود الاقتصادي الذي يسم فترات حكمها.

ويمكن لإفريقيا أن تجني ثمارا ديمقراطية بالفعل، لكن المشكلة تأتي عندما يبدأ القادة الديمقراطيون المفترضون في استخدام استراتيجيات غير ديمقراطية للبقاء في السلطة ضد إرادة ورغبة شعوبهم. وهذه نقطة حرجة، ففي بلدان مثل غينيا ومالي، لم يفقد القادة شعبيتهم لأنهم أسسوا ديمقراطيات حقيقية فشلت لأنها لا تتوافق إلى حد ما مع الواقع الإفريقي، بل على العكس، لقد خسر هؤلاء الرؤساء الدعم لأنهم قوضوا مؤهلاتهم الديمقراطية في سياق تنامي حالة عدم الاستقرار، وفي حالة بوركينا فاسو ومالي، كان السبب تنامي نفوذ حركات التمرد. ويتضح هذا إذا ذهبنا إلى قراءة ما بين السطور لنسأل: لماذا حصل احتفاء علني ببعض الانقلابات الأخيرة؟

أجرى الرئيس السابق ألفا كوندي في غينيا،  تعديلا على الدستور بشكل مثير للجدل في عام 2020، للسماح له بالترشح لولاية ثالثة. ولم تلق هذه الاستراتيجية شعبية، لا سيما وأن الاستفتاء الدستوري والانتخابات العامة التي فاز بها لاحقا لم تكن حرة ونزيهة. كما أصبح كوندي يتصرف بصورة سلطوية بشكل متزايد في الأشهر التي سبقت الانقلاب، إذ سجن خصومه السياسيين والنشطاء المناهضين للحكومة، ومارس العنف عليهم.

واتُهم الرئيس المالي السابق إبراهيم بوبكر كيتا وبالمثل، بتزوير الانتخابات التشريعية لعام 2020. بالإضافة إلى المخاوف من تنامي الفساد، وانعدام الأمن المتزايد، كل ذلك أدى ذلك إلى تقويض شرعيته. وفي كلا البلدين، فقد القادة المدنيون شعبيتهم جزئيا لأنهم ابتعدوا عن الديمقراطية، وليس لفقدان المواطنين الثقة بها. في الواقع ورغم أن العديد من الأشخاص أيدوا الانقلابات التي أطاحت بكوندي وكيتا، إلا أن أحدث الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة “أفروباراميتير” وجدت أن 76 في المئة من الغينيين و70 في المائة من الماليين يرفضون الحكم العسكري. 

وأظهرت نفس الاستطلاعات أيضا أن نسبة مؤيدي وداعمي الديمقراطية تبلغ 77 في المائة في غينيا، و 70 في المائة في بوركينا فاسو، و 62 في المئة في مالي، وما هذا إلا دليل آخر على أن المواطنين دعموا التدخل العسكري على أمل أن يمهد الطريق لصورة أكثر كفاءة وفعالية لحكومة مدنية، وليس لأنهم يطمحون للعيش في ظل حكم استبدادي. 

والخلاصة أنه وحيثما كان ينظر إلى الانقلابات على أنها تغتصب عمليات التحول الديمقراطي، فقد كانت في الوقت تخسر حظوتها الشعبية بشكل كبير. 

نزل آلاف الأشخاص إلى الشوارع للاحتجاج على الاستيلاء العسكري على السلطة في عام 2021،في السودان، على سبيل المثال، والذي قوض الانتقال المفترض للسلطة إلى أيدي المدنيين، بعد الإطاحة بالزعيم السابق عمر البشير في عام 2019. وعلى الرغم من من إصابة مئات الأشخاص ومقتل ما لا يقل عن 79، فإن الشعب السوداني يواصل المطالبة بحقوقه الديمقراطية. 

أحد الأسباب التي تجعل الديمقراطية قد تظل النظام السياسي المفضل للعديد من المجتمعات الأفريقية، حتى في البلدان التي لم تتحقق فيها بعد، هو الأداء الضعيف للحكومات الاستبدادية. غالبا ما يُستشهد برواندا كمثال لما يمكن أن يفعله “الرجل القوي” في السياق الإفريقي، بمعنى تحقيق النمو الاقتصادي من جهة والحد من الفساد من جهة أخرى، لكن لا بد من الإشارة إلى أن رواندا هي الاستثناء وليست القاعدة. وبشكل عام يؤدي الافتقار إلى المساءلة الذي يحدث في ظل الديكتاتورية والحكم العسكري، إلى تفشي الفساد وإلى تبني سياسة اقتصادية أقل فاعلية. 

تحقق الديمقراطيات الإفريقية في المتوسط ​​ نتيجة لذلك، مستويات أعلى من النمو الاقتصادي، بينما تقوم بعمل أفضل في تقديم الخدمات العامة. كما أنها أقل عرضة لتجربة النزاعات المدمرة ولارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. يساعد الأداء الضعيف لأشكال الحكم الاستبدادية على الأراضي الأفريقية، والرغبة في أن يكون لها رأي في القرارات التي تؤثر على حياتنا، في تفسير سبب استمرار ارتفاع دعم الديمقراطية. في المقابل هذا هو أحد الأسباب التي تجعل المجالس العسكرية تبرر عادة أفعالها، من خلال الادعاء بأنها تهدف إلى إعادة سيادة القانون وإنقاذ الديمقراطية من نفسها. 

والسبب الآخر بالطبع هو الحاجة إلى محاولة تجنب الإدانة والعقوبات الدولية، من خلال التعهد بالعودة إلى الانتخابات متعددة الأحزاب والحكم الديمقراطي. ومع ذلك، من خلال التذرع بالديمقراطية لتحقيق استيلاء عسكري شرعي على السلطة، يخلق مدبرو الانقلاب سحرا ينقلب على الساحر في نهاية المطاف. وفي كثير من الحالات، وليس كلها، ينتهي الأمر بالقادة العسكريين الجدد إلى تأخير العودة إلى الحكم المدني. وبطبيعة الحال، يكون مرد ذلك لعدم رغبتهم في التخلي عن المزايا الشخصية التي يتمتعون بها والمتمثلة في كونهم في السلطة. وفي حالات أخرى، يكون السبب في ذلك هو أن لديهم مشاريع سياسية يرغبون في إكمالها لكنها تستغرق وقتا أطول من المتوقع. لكن بعد الوعود بتمهيد الطريق لحكومة أكثر استقرارا وشمولا، فإن هذا يخيب آمال المواطنين المؤيدين للديمقراطية إلى درجة أن قادة الانقلاب أنفسهم يواجهون خطر الإطاحة بهم. 

من غير المرجح أن توفر عمليات الاستيلاء العسكرية وسيلة فعالة للخروج من هذه الدوامة الخطيرة، لأن كل انقلاب يضعف المؤسسات الديمقراطية ويعيد تأكيد قوة البندقية على حساب قوة صندوق الاقتراع. وبالتالي فإن إيجاد طريقة للخروج من حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن، سوف يتطلب بناء مؤسسات ديمقراطية أقوى يمكنها مقاومة التلاعب من قبل القادة السياسيين، وليس تلك الاستبدادية التي تستبعد المواطنين وتتعارض مع تطلعاتهم. 

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button