بقلم / رامي الشاعر
في تحرك أقرب إلى اليأس منه إلى الأمل في أي نجاح لما يطلق عليه “الهجوم الأوكراني المضاد”، لجأ نظام كييف الحالي إلى خطوات تحظرها قوانين البيئة والطبيعة والقوانين الدولية الإنسانية، وبالتنسيق معع “البنتاغون” ومع الصهاينة الفاشيين، ودمر إحدى بوابات سد كاخوفسكايا، والهياكل السطحية لمحطة الطاقة الكهرومائية، متسببا في مخاطر وقوع كارثة بيئية وإنسانية ضخمة تتطلب جهودا ضخمة لتفاديها ومعالجتها.
تسعى واشنطن والغرب لافتعال كوارث بيئية وطبيعية ضخمة لروسيا، بهدف استنزاف إمكانياتها التي يجب أن تستخدمها في مواجهة الحرب الهجينة ضدها على كافة الأصعدة الاقتصادية والأمنية والعسكرية والإعلامية، إضافة إلى عرقلة تطوير المناطق والأراضي الروسية التي تم استعادتها، لا سيما أنهم يدركون غياب أي أمل في تحقيق انتصار عسكري أو إلحاق هزيمة بروسيا.
إن التصعيد على هذا النحو ضد روسيا، وباستخدام إمكانيات البيئة والطبيعة من حيث التوقيت لم يأت صدفة، بل جاء في إطار الحرب الهجينة التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أيضا ضد الصين وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا، فيما يريدون إعاقة جهود بلدان “بريكس” للانتقال إلى نظام عالمي جديد.
تتصاعد المواجهة، وبدأت تتخذ طابع التهديد من قبل واشنطن لعدد من البلدان، وهو أمر ملاحظ خاصة في إفريقيا، حيث نلمح تأثيراً على العديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك جنوب إفريقيا، إحدى الدول المؤسسة لمجموعة “بريكس” (إلى جانب روسيا والبرازيل والهند والصين)، من خلال تهديدات واشنطن لمقاطعة البلدان الإفريقية لمؤتمر روسيا إفريقيا الذي سيعقد في مدينة بطرسبورغ، وسيكلل في نهاية المطف بحضور غالبية الدول الإفريقية، ناهيك عن مشاركة سبع دول إفريقية على مستوى رؤساء الجمهوريات، كما أن هناك احتمالا كبيرا بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصيا، وهو ما سيعطي هذه الفعالية زخما أكبر.
لقد هاجر الملايين من أوكرانيا، وقتل مئات الآلاف في صراع مرير دام من أجل مصالح الغرب، ومصالح الهيمنة الأمريكية، واستنزاف روسيا، والتشبث بنظام الأحادية القطبية الزائل لا محالة.
بشهادات غربية، وبعد شد وجذب وتصريحات متضاربة من جانب مكتب الرئاسة في كييف، بدأ “الهجوم المضاد” المنتظر من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، والذي يبدو تفجير محطة كاخوفسكايا جزءا لا يتجزأ منه، لا سيما أن القوات المسلحة الأوكرانية قامت بشن هجومها على سبع اتجاهات من الجبهة، باستخدام 5 ألوية بدءا من 4 يونيو، لتتكبد خسائر بلغت 3715 جنديا، و52 دبابة (من بينها 8 دبابات “ليوبارد” و3 دبابات AMX-10 ذات العجلات)، و207 مدرعات، و5 طائرات، ومروحيتين، و48 قطعة مدفعية ميدانية، و134 مركبة، و53 طائرة مسيرة.
وفي يوم أمس الخميس أعلن وزير الدفاع الروسي شويغو عن تصفية 945 مسلحا، وتدمير 33 دبابة و28 عربة قتال مشاة و38 عربة قتال مصفحة و3 منصات مدفعية ذاتية الدفع من طراز “Krab” وأسلحة أخرى.
تحافظ روسيا، حتى الآن، على ضبط النفس، على الرغم من جميع محاولات التخريب وإلحاق الضرر بالمدن والقرى والأراضي الروسية، وتكتفي روسيا بمواجهة كل ذلك من خلال عمليتها العسكرية الروسية الخاصة، فيما يتساءل كثيرون عن عدم إعلان روسيا للحرب على أوكرانيا حتى الآن، وعدم قيامها بهجوم ساحق يحسم الوضع عسكريا. لهذا أكرر ما ذكرته من قبل في مقالات عدة، وهو أن روسيا تتمتع بقوة لا يمكن معها أن تهزم، وإذا ما تطورت الأوضاع إلى أبعد مما هو عليه الآن، من الممكن أن تضطر روسيا إلى إعلان الحرب على “الناتو”، ولكننا نأمل ألا يحدث ذلك. أقول كذلك إن روسيا لا يمكنها إعلان الحرب ضد دولة وشعب شقيق بالنسبة لها، فالشعبين الروسي والأوكراني يعتبران شعباً واحداً، وأوكرانيا دولة شقيقة، ولا شك أن العلاقات ستعود إلى وضعها الطبيعي يوماً ما، وستقام وحدة بين الدولتين، ولن تكون بينهما أي حدود، وستنتهي بهذا الشكل جميع المشاكل التي زرعها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لخلق بؤرة توتر لتدمير وتفتيت روسيا.
إن كل ما يحدث الآن لم يأت ذلك دون نصائح القيمين الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتضح بصمتها بما لا يدع مجالاً للشك، أو على أقل تقدير غض الطرف عن مثل هذه التصرفات الإرهابية. ولنا في زرع بن لادن والمتطرفين في شتى أنحاء العالم مثالاً واضحاً على ما يمكن أن تفكر فيه الأدمغة الاستخباراتية الأمريكية من فظائع وأعمال شيطانية جهنمية، يروح ضحيتها مئات الآلاف والملايين من البشر، فقط لرعاية وضمان المصالح الأمريكية حول العالم. ولعل عالمنا العربي هو الأعلم بكل هذه الجرائم التي ترتكب يوميا بدعم الولايات المتحدة الأمريكية ضد شعبنا الفلسطيني.
ورداً على محاولات البعض تشويه سمعة روسيا، وبث أخبار مفادها أن ربما تكون “روسيا هي من فجر السد”، أقول إنه لو كان “إغراق جزر أو قرى” في المنطقة التي تسيطر عليها روسيا هو قرار روسي، فإن ذلك أولاً يتنافى مع أبسط قواعد المنطق، ولا سبب يجعل روسيا تغرق مواطنيها وأراضيها وخطوط دفاعها والبنية الدفاعية العسكرية التي بنتها على الضفة اليسرى من النهر، ثانياً، وحتى لو كان ذلك هو القرار، فما الحاجة إلى تفجير السد، كان من الممكن ببساطة فتح البوابات وإغراق ما تريد إغراقه دون تفجير.
كذلك من الأسئلة المطروحة أن أوكرانيا وقبل أيام قليلة من الهجوم على محطة كاخوفسكايا فتحت بوابات تصريف المياه عبر محطة “دنيبرو” الكهرومائية الأعلى على مجرى النهر، ورفعت بذلك منسوب المياه في خزان كاخوفكا المغذي لمحطة كاخوفسكايا من 14 إلى 17.5 متر، دون أي منطق هندسي، ودون وجود أمطار غزيرة تدفع نحو ذلك ولا فيضانات الربيع، بل إن الأنكى والأشد من ذلك هو أن هذه البوابات لم يغلقها كييف حتى بعد الحادث!
يعبر ذلك فقط عن وضع يائس للقوات المسلحة الأوكرانية، وعن أزمة يمر بها النظام الإرهابي النازي في كييف، وعن مأزق يمر بها الداعمون الغربيون، الذين أكد عرابهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخرا على “الوقوف بجانب أوكرانيا طالما تطلب الأمر ذلك”.
يعني ببساطة: “حتى آخر جندي أوكراني”!
إن غالبية جهود الوساطات الدولية للمساهمة في حل الأزمة الأوكرانية تهدف إلى المساعدة في الحفاظ على كيان الدولة الأوكرانية وإنقاذ حياة الجنود الأوكرانيين، ومن يقومون بدور الوساطة يدركون تماما أنه لا يمكن أن تبنى جهودهم في الوساطة على مناقشة وضع ومصير الأراضي الروسية التي استعادتها روسيا.