بقلم: فدوى خزرجي
الحرب العبثية كما وصفها البرهان تجاوزت الثلثان من الشهر الأول في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ولكن قطعا سيقول الطرفان أنهم لا يقاتلون بل رداً لقتال فالله يعلم من الذي انتهك حرمته ولكن الوضع الإنساني الذي وصلت إليه البلاد بعد بلوغها الهاوية نحو اللا سودان والطرفان يدمران حياة المواطن الذي يتقاتلان لأجله وهو يدفع ثمن الرصاص الذي يقتله ووقود الطائرات التي تقصف وتدمر فوق رؤوس الجميع .
فالحرب في السودان قد أصبحت نشاطاً يوميَّاً وواقعاً يصعب التّأقلم معه، حيث صارت المدنٍ التي تدور فيها المعارك تهون فيها الأنفس والأموال، والمواطن أصبح فيها بلحظة مهجّرا ولاجئاَ، اما الأصدقاء والأهل والجيران الذّين كان يجتمعون مع بعضهم في لحظة أُنس فرقتهم الحرب البعض منهم من قتلوا أو اختفوا قسرياً والبعض الآخر أصبح لاجئ أو نازح، كما انعدمت الحياة من شوارعها وميادينها الصغيرة في الأحياء ، يسود فيها الصمت، خالية من صوت الصّبية والأطفال حيث أصبحوا لا يعرفون طعم اللعب بل تعلموا مهارة جديدة وهي الاختباء تحت الأسرة خوفاً من صوت زخات الرصاص والدانات وسلاح الجو هرباً من الموت الذي ظلّ يلاحقهم في كل ثانية تمر زهقت فيها أرواح الأبرياء من المواطنين بالقتل المباشر في المعارك والقنص واستهداف منازل النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. فضلاً عن الموت بسبب الجوع والمرض والإصابات وموت الأمهات بمضاعفات الولادة، وموت الأطفال اما بالجوع أو الرصاص، إضافة إلى الحرق والنهب والإتلاف لكل الممتلكات والمنازل والمخيمات. هكذا أصبح المشهد في كل المدن التي تشهد إشتباكات.
على الرغم من أن الممرات الإنسانية الآمنة تُعد أحد أهم الأليات القانونية التي تستهدف حماية المدنيين الأبرياء أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية إلا إن مع إستمرار الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية ومليشيات الدعم السريع التي اندلعت منذ صبيحة 15 أبريل وارتفعت بوتيرة متصاعدة تحصد الأرواح وتتمدد رقعتها من الخرطوم إلى ولايات دارفور وكردفان حيث تتعرض مدينة الجــنينة منذ ٧ يونيو لموجة جديدة من الهجمات، حيث تركز الهجوم على الأحياء الشرقية والجنوبية، تأتي هذه الهجمات في ظل وضع إنساني وأمني كارثي فقد انهارت الخدمات منذ بداية شهر مايو ولم يعد في المدينة التي يسكنها نحو مليون شخص أي من أسباب الحياة، لا غذاء ولا ماء ولا علاج ولا حتى اتصالات يوصلون من خلالها صوتهم للعالم، بعد أن فقد الناس كل ما يملكون وتخلى عنهم العالم وحرموا حتى من فرصة الخروج الآمن إلى المناطق الآمنة إذ صار إمكانية اللجوء من الجنينة رفاهية لا يجدها إلا القلة. على حسب بيان الهـــيئة النقـابية لأطـباء ولاية غـرب دارفــور.
كما تعــاني مدينة الأبيض حاضرة شـمال كــردفان من حصار بقوات مليشيا الجنجويد من كل الــجهات، ترتب على ذلك تدهور الوضع المعيشي والصحي لمواطني المدينة.
حيث نفذت معظم المواد التموينية من الأسواق والدقيق على وشك النفاذ ، وهذا سيقود الى كارثة غذائية وشيكة اذا لم يتم ايصال المواد الغذائية.، كما تمت سرقة مباني منظمة الغذاء العالمي (WFP) ، حيث سرقت مخازن الأمن الغذائي وثلاثة عربات تابعة للمنظمة وعربة وقود، فضلا عن انقطاع الكهرباء عن المدينة لفترة تجاوزت الأسبوعين ، حـاول المهندسون ورجال الإدارة الأهلية الوصول لمحطة الكهرباء ولكن تم الاعتداء عليهم ونهبهم، كما تعاني المدينة من انقطاع الميـاه لأكثر من شهر، وشح في الوقود.
حصار المدينة إثر أيضا على الخدمات الصحية والكوادر الطبية وحركتها وتوصيل المعينات، مما أدى إلى تدهور الخدمة الصحية المقدمة في المستشفيات والمرافق الصحية في المدينة ، ونقص حاد في الأدوية حتى على مستوى الصيدليات التجارية على حسب بيان اللجنة التمهيدية لنقـــابة أطبــاء السـودان بإستمرار هذه الأفعال العبثية الغير آبهة بحياة المواطنين، تأثر مركز غسيل الـكلى، حيث بلغت حالات الوفيات بين مرضى غسيل الكلى 12 وفاة منذ بداية الحصار بنسبة 8 % من العدد الكلي لمرضى غسيل الكلى . لا توجد غسلات اطفال وتم تحويل طفلين لمدينة مدني من العدد الكلي للأطفال بالمركز البالغ 12 طفلا، كما أصبح مركز غسيل الكلى في الأبُيّــض مهدد بالخروج من الخدمة تماماً في الأيام المقبلة حيث ان عدد الغسلات المتبقية يكفي لعشرة أيام فقط ، ويزيد الأمر سوءا نفاذ كل علاجات ومستلزمات مرضى الكلى من ادوية ضغط وحقن حديد وحقن الارثروبيوتين وغيرها حسب بيان اللجنة التمهيدية لنقـــابة أطبــاء الســـودان.
- وأخيراً
على الرغم من أن الجيش السوداني ومليشيا الدعم أكدا على الإلتزام بهدنة ل٢٤ ساعة إلا أن الشعب السوداني يسوده الإحباط من الهدن التي تعد العاشرة منذ اندلاع المعارك ويتوقعون بأن يتم خرقها مثل سابقاتها . في ظل الحرب التي تثقل على كاهل الشعب السوداني تستمر خطابات الكراهية التي تمزق النسيج الاجتماعي. وأقول بكل ألم عذراً وطني نحن في مرحلة أزمة حب الوطن.