التحق ” سعيد ” بالجامعة بالمدينة الكبيرة المثقلة بالمتناقضات وزحمة المواصلات و تداخل الاشياء و اختلاف الثقافات و سيادة الفردانية والانانية وحب الذات و كثرة المظاهر و الموضات كفضاء مسرح مترامي الاطراف لعرض الازياء و العادات و الممتلكات و الأجساد و الفتوة و المعرفة و المباني و العنف و الفساد و الصلاح و الفقر و كل مظاهر الحياة و كل الاشياء .
في انتظار اعلان بدء الدراسة كان سعيد يحاول الاستئناس بالامكنة الجديدة و استيعاب معانيها من زاوية ثلاثية الأبعاد بعد ان استأجر غرفة بسطح بيت لالة منانة باطراف المدينة بحي لم يحصل بعد على هوية الانضمام لاحياء المدينة ، لا انارة لا طرق الا الفانوس الغازي السحري و نافورة الماء وسط بركة تنتظر مرور قطعان ماشية جيران لالة منانة لتجفيفها . ظل سعيد ينهل من الواقع المعاش في انتظار الولوج لمدرج الكلية لدراسة النواميس والشرائع الوضعية وفقه معانيها عن ظهر قلب و استجلاء ثغراتها حسب توصية مبارك العبدي والد سعيد الذي انهكته تظلمات و تشكيات الحاج عبد الله امام القايد و حاكم الجماعة و ضاعت املاكه بأحكام المحكمة بالمدينة لكون اميته اخرست لسانه و عطلت دهاءه الفطري . وصية الوالد المشمولة بتوفير الزاد و تحمل تكاليف الحياة الجديدة والاغتراب بالمدينة جعلت سعيد يلتزم بالعهد الذي قطعه مع الوالدة بضريح سيدي غانم الولي المتخصص في تيسير امور العمل و الدراسة و الزواج و الكسب وكل الاشياء كالوكالات المتعددة الاختصاصات والمعاهد المستنبثة بالمدينة لبيع الوهم لضحايا الاغتراب ورغيف الخبز والحلم باليوم الموعود و شاهد و لا مشهود … تقادفت مدرجات الكلية سعيد و كذا دروب بيع الكتب القديمة و المطبوعات و استنساخ المقرارات ، امتلأت جيوب دعاة الفقه الناموسي الوضعي و اسنزفت ميزانية سعيد و اصبحت حضيرة مبارك العبدي خلاء بفعل مصاريف المحاكم و مصروف سعيد . مع مر الايام خبر سعيد دروب القانون كما ألف دروب الاحياء القديمة و التمكن من إحكام قبضتة على دهاء منازعي والده بالقرية . اشد عود فقيه الناموس الوضعي سعيد و اصبح يعيد قراءة الرسوم و الوثائق و الأحكام القضائية التي تغير لونها بصندوق خشبي في زاوية بيت مبارك العبدي. امتدت الاخبار الى الحاج عبدالله و المقدم والحاكم الجماعي و القايد ….
راح سعيد يوزع فتاويه على نسوة الدوار و عمال المداشر و ضحايا الشطط و مضامين اتفاقية ” سيداو ” . تحولت غرفة مبارك العبدي الى مكتب لسعيد لتقديم الاستشارات و قراءة طلاسم العدول و ألواح المحاكم . التحق ابناء القرية بالمدينة الكبيرة لتخفيف من حمل التوعية و المرافعات على سعيد ورفع ظلم بالفطرة و الوراثة على ضعاف الدوار .
فاز مبارك العبدي بالانتخابات ونصب لتسيير شؤون القرية و جاء الحاج عبد الله و الوجهاء والحاكم الجماعي و مقدم الدوار لتقدير التهاني ، امتلأت حضيرة مبارك و تقدم سعيد امام محكمة المدينة بعرائض لاسترجاع ما اغتصب عنوة من رئيس الجماعة سي امبارك العبدي ….في انتظار ما يروج في القرية من اخبار حول التحضير لجلسات للصلح و التنازل عن الدعاوى المرفوعة ، باشراف من امام المسجد و حاكم القرية بتوصية من طالبي ود السيد الرئيس والد الاستاذ سي سعيد محامي القرية ……لإعادة موازين القوة و اعتماد مبدأ التناوب و تداول السلطة خلخل موازين القوة بالقرية .
مراكش 2020/09/14
