المستديرة و السياسة و المال
تعلق ” يونس ” منذ نعومة اظافره بالمستديرة لدرجة انه اعتاد كل مرة الخضوع ” لطريحة ديال العصا ” من والدته ” خديجة ” ، فكان والده ” علي ” كثيرا ما يتردد على المدرسة لطلب السماح ل ” يونس ” من الادارة لكثرة غيابه عن الدروس حيث كان يلازم ملعب الحي ، بمشقة الأنفس و بالمراقبة المستمرة لوالديه بالكاد حصل ” يونس ” على شهادة الدروس الإعدادية و التحق بمركز التأهيل المهني ” شعبة الترصيص” ، تخرج من المركز بمستوى متوسط لكون كرة القدم عششت في كل ذاته ، تعلق بفريقه المفضل ” الرجاء البيضاوي ” لدرجة اصبح عقيدته الروحية، يفرح عند فوزه و يقرح عند خسارته ، يرحل حيث رحل الفريق ليشجعه ، يضطر احيانا لبيع بعض اشيائه في خلسة من والديه لتدبير ثمن تذكرة السفر و الدخول للملعب ، تمكن والده الذي يعمل جابي بحافلة النقل الحضري من إلحاقه للعمل باحد ورشات الترصيص بالحي الصناعي للمدينة ، الشيء الذي مكن ” يونس ” من الإعتماد على نفسه و ضمان مدخول قار في حدود 200 درهما كل اسبوع زائد ما يقدمه له الزبناء من اتاوات .
ضمن ” يونس ” استقلاله المالي عن اسرته وظل هيامه بالمستديرة مرتبطا بدعمه و تشجيعه لفريقه الاخضر و مشاركته على سبيل الهواية في مباريات لكرة القدم بملعب الحي مع حرفيي الحي الصناعي
تقدم ” علي ” والد ” يونس ” في السن و احيل على المعاش حيث اقترح على ابنه فتح ورشة للترصيص خاصة به بدعم مالي من والده من منحة التقاعد و استغلال مرآب المنزل الذي اقتناه والده من ادخاره المالي .
تم تجهيز الورشة الجديدة باقتناء معداتها وباشر ” يونس ” نشاطه بورشة الترصيص ” الرجاء ” بمساعدة والده الذي ملأ فراغ التقاعد بعيدا عن العمل بشركة النقل الحضري بورشة ” الرجاء للترصيص، “
لم ينس الطفل المشاغب ” يونس ” المستديرة التي تابع مبارياتها على الهواء بالملاعب و بالمقاهي على شاشات التلفاز حيث قام بتركيز شاشة للتلفزيون بورشته لمتابعة المباريات رفقة والده الذي اصبح هو الآخر يستمتع بها و يراهن مع ” يونس ” على النتائج .
أضحى ” علي ” مع ” يونس ” مشجعا عضويا لفريق الرجاء البيضاوي و بعصبية مفرطة و مشجعا للنخبة الوطنية و بدرجة لا يوازيها الا حبهما للوطن .
طور ” يونس ” من نشاطه الحرفي ووسع ورشته بتشغيل عمال جدد و تفرغ هو للإدارة المشروع و تلقي طلبيات الزبناء .
كون بيتا بعد ان اقتنى سكنا مجاور لسكن الأسرة حتى انه لما تدخل بيته تعتقد انك في نادي لكرة القدم حيث زين كل جدرانه بالصور التاريخية لعظماء كرة القدم وطنيا و دوليا.
كان يحرص على تتبع بعض مباريات الرجاء البيضاوي و الفريق الوطني داخل و خارج الوطن كلما سمحت ظروفه المادية مع اقتراب المباراة الافتتاحية لكأس العالم بدولة قطر ، اشتد حنين ” يونس” ذو الثانية و الثلاثين ربيعا و الأب ل ” رجاء ” و ” حكيم ” للرحيل لدولة قطر لتتبع مباريات الفريق الوطني ، تدبر ” يونس” تذكرة السفر لقطر وحضر الحفل الافتتاحي الذي اذكى جذوة الاحساس بالانتماء العربي عنده لما تميز به الحفل من اشارات عميقة لا يدركها إلا من سكنته طاقات داخلية مكونة من ذرات الكترونية توقد فيه حرارة الاعتزاز و الأنفة العربية الحقة.
ارتفع منسوب الاعتزاز كلما وطأت اقدام عربية البساط الاخضر تداعب المستديرة التي تطاوع اقدام نجوم خبروا لغة الضاد في مواجهة نجوم ملكوا قلوب العالم شهرة. و صفة ” النية ” التي وطأت بها اقدام اسود الأطلس المستطيل الاخضر بقيادة حامل لقب السبعة رجال في نسختهم الأصلية كانت نقطة فاصلة في تحقيق النصر و الانتصار رفعت منسوب الاعتزاز بالانتماء العربي و الافريقي و الاسلامي و احيت بطولات الزمن المجيد في الحقب الغابرة ووحدت انتصارات النخبة الوطنية ما لم توحده القمم و المؤتمرات و اللقاءات التي بحت حولها الحناجر و صرفت لها ملايين الدولارات.
انتصارات كان تكالب القوى الخفية و المصالح المتضاربة و اختراق السياسة كل فاءات ” ف ” المستديرة و مستودعات الملابس كانت كافية لسرقة النصر في جنح الليل في سماءات قطر من نخبة وراءها جمهور شعاره ” سير سير سير ” وقيادات التحمت بحماسة شعوب تتعطش الى النصر و تشرإب لصعود منصات التتويج في لوحة التحام اعادت ذكرى ملاحم تاريخية للشوارع العربية. مرت كل هذه الاشرطة في مخيلة ” يونس ” كأنه يستعرض احد الافلام التاريخية لأيام زمان.
سرعة خيمت على سماء قطر و ناطحات سحابها و سوقها الشعبي ” سوق واقف ” علامات الحزن ، قلت الالوان الحمراء المزركشة بالاخضر وخيم السكوت على المكان ، إلا علامات الاحتجاج على غياب تذاكر ولوج الملعب لترديد شعار ” سير سير سير ” الذي اصبحت ألسنة الاعاجم تجيد ترديده و تردده في تشجيع فرقها كانه وصفة للنصر.
تكالب الافرنجة و اذنابهم وقلة حيلة من تشبعوا بالوطنية الحقة من الجبال الشوامخ الزناسنية و الأطلسية و الريفية و اصطفاف بعض اعداء النجاح ممن ألفوا الإغتناء على حساب الفرحة الوطنية في الاتجاه المعاكس.
تبخرت آمال ” يونس ” ورجع للوطن يحمل حقائب خيبة الأمل ويتابع تراشق التهم في دهاليز جامعة المستديرة ، استأنف عمله بالورشة بعد ان ازال التلفاز من جدرانها و غير لافتة الورشة ” ورشة يونس للترصيص ” وهو يلعن الكرة و كل شيء يذكره بها.
طاطا في 14 مارس 2023