الأصدقاء
بقلم/ محي الدين الوكيلي
كالعادة كنا خصوما، كان ضمن فريق و كنت في الفريق الآخر، لا يهم نوع اللعبة. الثابت هو أننا غالبا ما نكون خصوما في اللعب، البارحة في لعبة الكارة، قبلها في لعبة لقنات (الأركان) و اليوم في مباراة في كرة القدم. كان التنافس بيننا غير مفهوم، كنت أظن في أول الأمر أنه نتيجة لثنائية العروبي و المديني، لكن أحداث أخرى كانت تشير إلى غير ذلك. ظننت لحظة أنه صراع طبيعي للريادة لكنني لم أكن معنيا كثيرا بالزعامة و لم تكن ظروفي تسمح بذلك و لو رغبت.
كان يومه عددنا لا يزيد عن ستة أطفال، أغلبنا لم يتجاوز العاشرة و كنا قد انتهينا للتو من مباراة في كرة القدم مع فريق من حي مجاور، كالعادة أصر عبدو على أنني لم أكن في المستوى المطلوب و زعمت أنا من جهتي أن سبب تأخرنا هو أنانيته المفرطة و استحواده الغير المبرر للكرة. كانت حدة النقاش في تصاعد و لم يستطع الأصدقاء من تلطيف الجو بيننا رغم محاولاتهم. مع استمرارنا في التلاسن اختار الأطفال الآخرون الإنسحاب تباعا خصوصا و أن الشمس كانت قد غربت أو تكاد. في لحظة من اللحظات ، تطور تلاسننا إلى تشابك بالأيدي و نحن لا نعي كيف يمكن أن يتطور الأمر. أنتبهت فجأة أننا أصبحنا وحدنا في الساحة بعد أن انسحب كافة الأطفال. و أظن أن عبدو انتبه أيضا لذلك. لم يكن ممكنا لأحدنا أن يتراجع فعزة كل منا و عنفوانه سيكون في مهب الريح، تطور الإشتباك إلى لكمات. لم يكن لأي منا أي حل آخر، حتى المراهنة على تدخل الأصدقاء كما جرت العادة غير ممكن في الوقت الحالي. لم يعد أحدنا يهتم بالدفاع عن وجهه و باقي جسده بالقدر الذي كان تركيزنا على إعطاء أكبر عدد من اللكمات. كلما زاد الواحد منا من وتيرة لكماته رغبة في إضعاف الآخر و إدخال التردد إلى نفسه كلما رد الآخر بنفس الوتيرة و نفس القوة.
دام الحال على حالة لمدة بدت لي دهرا و إن كانت قصيرة. كنا أطفالا صغارا و لم نكن لنحتمل كل هذا العنف. لكن أيضا كان لكل منا شخصيته القوية التي لا نستطيع التفاوض حولها. شيئا فشيئا بدأت حدة لكماتنا تتراجع و كذلك كان الحال مع الوتيرة التي أضحت عليها الضربات. بعد لحظة انتقلنا من تبادل اللكم للتشابك بالأيدي ثم للتلاسن ليقرر كل واحد منا الذهاب لحل سبيله مؤجلين الحسم إلى يوم آخر غير بعيد.
ذهب عبدو إلى منزله و عدت أنا كذلك. ما أن دخلت إلى البيت حتى طلبت منى الوالدة أن أوصل شيئا ما لأمي خدوج. لم أكن لأمتنع رغم أن اللحظة لم تكن بالمناسبة . تحاملت على نفسي و خرجت بخطى متثاقلة نحو منزل أمي خدوج. لم يكن المنزل بعيدا وصلته بعد خمسة دقائق. كانت دقائق طويلة بالنسبة لي. طرقت الباب و دخلت بعد أن فتحت الباب إحدى بنات الحاج. كان المنزل مألوفا بالنسبة لي فليست المرة الأولى التي آتي إليه. توجهت نحو المطبخ لتستقبلني أمي خدوج بابتسامتها المعهودة. بعد أن سلمتها الأمانة هممت بالخروج. لكنها أصرت أن آخذ كأسا من الشاي مع “حرشتها” اللذيذة التي لا تقاوم. بدى علي نوع من التردد . أخدتني من يدي و دخلنا الغرفة.
عبدو، أعط صديقك كأس شاي.
نظر إلينا عبدو، نفس نظرة الإحراج التي كانت تبدو علي و لم تكن أمي خدوج لتجد أي تفسير لها. قدم لي عبدو كأس الشاي. عادت أمي خدوج إلى المطبخ و أصبحنا مرة أخرى أنا و عبدو وجها لوجه.
تبادلنا كؤوس الشاي في صمت، بعدها تحول الصمت إلى كلمات قليلة فهمهمات، بعدها تبادلنا التعليقات على أشياء تافهة و ماهي إلا لحظات حتى كنا أنا و عبدو نستمتع بإحدى حلقات “كراندايزر” على شاشتهم الصغيرة و كأن شيئا لم يكن، فنحن في آخر الأمر أصدقاء.