الحاجة إلى دولة أم إلى وطن !!
في مجتمعاتنا العربية، وفي حالة العصبيات القبيلة والطائفية والإثنية، يُقيد الانتماء بشكل كبير ويُحصر في الزمان والمكان، ويصيرا منحصرا في رقعة جغرافية ضيقة، وبالتالي يضيع أفق البناء الكوني الواسع والشامل، ويضيع كل شيء.
يغيب هنا مؤقتا، مفهوم الوطن أو يندثر مادام الوجود والمرجعية هما تعبيران حصريان للقبيلة او المنطقة او الطائفة. حالة تقيد حرية الفرد في الولوج لافق اوسع، وينحصر نشاطه في منطقة ضيقة.
ومن المشاكل الكبرى التي تعيق تحول الدول الى أوطان يكمن في هدا الخلل العشائري والقبلي الضيق، فالوطن هو كيان وانتماء فوقي وتوافقات تتجاوز كل الانتماءات، في حين تبقى الدولة جامعة لهده الانقسامات لكنها لا توحد الانتماءات لهدا الحيز الجغرافي من الكون. ومن تم يتأجل بناء الوطن في ظل صراعات لا متتالية بين اقليات أو قبائل أو عشائر.
وداخل الدولة حيث الصراعات المتشابكة، تنهج الدولة سياسة فرض السيطرة، وفرض الأمن والقانون، مما يولد صدامات بين السلطة العليا والقبائل، يولد في نهاية المطاف صراعات لا تنتهي. في هده الحالة، يهدر حق انتماء الفرد ويُصادر حقه الطبيعي بالمواطنة بدريعة فرض الامن. فيصير الفرد غريبًا في وطنه فاقدًا للسيطرة على سلوكياته، وفي حالة صدام دائم مع الدولة، وكانه لا ينتمي لها، وهنا يغيب مفهوم الوطن الحاضن للجميع بكل الاختلافات الممكنة.
حين يشعر الفرد بالاغتراب، فهو يعيش على هامش الوطن لكن داخل الدولة، فيفقد الاحساس بمتعة العيش هنا والان، وتتحول المواطنة والحق فيها إلى امر يمكن سحبه منه في اي وقت.
الانسان الخاضع والمستلب في دولته، لا يمكنه أن يبدع ولا أن يعطي ولا يمكنه المشاركة في اي مشاريع تنموية، لأنه يحس بعدم الانتماء للمكان. فيصير متفرجا على الأحداث منتظرا فرصة الخروج سواء من البلاد أو من سيطرة القانون، وقد يتنكر للوطن والأصل والأهل.
انه نوع آخر من هدر الطاقات داخل دولة لم تصل بعد لمستوى وطن، وهدا ما يعصف بالكثير من المجتمعات العربية، التي عاشت ربما لعقود، ظاهرا للعيان مستقرة، لكنها في الجوهر كانت تغلي، لكن بحكم أنظمة شمولية، كانت غير مرئية.