لالة ميمونة و لعنة الانتقال للمدينة
ظل دوار “العبيد ” بمركز الزاوية مكانا له هالة خاصة بين سكان المنطقة المحاطة بثقل التقاليد و الطقوس المرتبطة أحيانا بتاريخ سكان الزاوية الواقعي الذي توارتثه عبر الرواية الشفوية لشيوخ المنطقة و مقدميها ، و ما التصق به من طقوس و تقاليد قد تكون من نسج الخيال احيانا لاضفاء الهالة الروحية على المجال و مستوطنيه .
عاشت ساكنة الدوار بفضاء مهووس يمثل عالما سكنته طقوس ارتبطت بعالم مغازلة الارواح و ترويضها تتخلل ازمنته تنظيم الليالي الكناوية المقدسة التي تجد اصولها في مزيج من الثقافات الراسخة في اذهان من حملها من ذوي البشرة السمراء ، ظل الدوار بسكانه يمثل فسيفساء بتراب الزاوية المقدسة المبجلة و افراده خداما اوفياء لشرفاء الزاوية تربطهم علاقات الاحترام و التوقير ، فهم سواعد لخدمة شرفاء الزاوية الذين ضمنوا لهم كل شروط الاقامة و الامن و الطمانينة والعيش الكريم اعراف يتم توارثها ابا عن جد مع توالي الازمنة .
ظلت أضرحة الزاوية لها زوارها و خدامها من عامة الساكنة المجاورة ومن عموم البلاد ، كما كان لدوار العبيد مريدوه من طالبي الجدبة العلاجية ارضاء للملوك المحتملين بالحضور اللاواعي لليالي الكناوية المختلطة تحت ضوضاء قرع الطبول و صوت القراقب الممزوج بالترانيم الكناوية .
مع مرور الزمن اصبح المجال الترابي غير مقتصر على ذوي السحنة السمراء ، فكل ذوات الحال من النساء الغريبات عن مجال الزاوية يتوافدن على الدوار لاحياء الليالي و التبرك ب ” لالة ميمونة ” زوجة عمي ” عبد السلام ” و الذي كان كبير الدوار و الناطق باسمهم و راعي شؤونهم و صلة الوصل مع سكان الزاوية ، كان للدوار نظام داخلي خاص يتسم بالسرية و التكتم ، تحكم علاقات سكانه نواميس جد صارمة تحرم كل سلوك من شانه المس بالتوقير الواجب لشرفاء الزاوية ، نظام خاص يتحكم في ضبط كل العلاقات الاجتماعية لساكنة الدوار الذي يتسم بالانغلاق زواجا و تربية و معاملات .
كان ” مسعود ” الابن الاكبر ل” عمي سلام ” يتكلف بخدمة رجال الحال من المعلمين لكناويين و التكفل بالهدايا من الدبائح ” الماعز و الدجاج الاسود ” و الالبسة المزركشة تحمل الوان قوس قزاح الوانا لا سلوكا ، كما الاشراف على اعداد البخور ، كانت ” عيدة ” البنت الكبرى ” لعمي سلام ” تتكلف بالنساء لحظة ” الجذبة المفرطة ” برش ماء الزهر احيانا و الماء البارد تارة اخرى و لم شعر الجاذبات و ترتيب لباسهن .
مع مرور الزمن اختلط سكان الدوار بساكنة الزاوية التي اضحى مركزها محطة للاستجمام كمنتجع طبيعي حيث امتزج الجانب الطقوسي المرتبط بزيارة الضريح و شرفاء الزاوية بالاخر السياحي واصبح الطابع الفلكلوري التنشيطي هو الغالب والذي تزامن مع ظهور موجة الفرق الغنائية ” الغيوان ” و ” جيلالة” و ” لمشاهب” و اخرون والتي ارتبطت بالمجالات ذات الاستقطاب الشعبي ، حيث حضيت الزاوية كمركز بحضور ملفت لسهرات ليلية بفضاءات مفتوحة شبابية في شكل حلقات ليلية بالفضاءات العامة و التي تغدت من الكلام الموزون الكناوي بعد ان اعتمدت على آلاته الموسيقية ” لقراقب ” و ” الطبل ” و ” الهجهوج ” و امتزجت بالفن لكناوي ورواده من دوار لعبيد الذي انفتح على الموجة الفلكلورية الجديدة المعاصرة لحركة الهيبيزم العالمية ” الفن الهداوي ” المحلي ولاحقا موسيقى الجاز الصاخبة.
امتزج الفن لكناوي و فقد جزءا من قدسيته ” لملوك ” بعد عملية التقاسم اللافأوي و انتقلت بعض طقوسة لتمتزج بالفن الفلكلوري الشيء الذي دفع بعدد من رواده المحلين الى الرحيل لحاضرة المدينة و الاستقرار بعض زواياه التي كانت في شكل تمثيليات بالمدينة و اختلط فن “سيدنا بلال” بالفن و الشطحات و الجذبات الحمدوشية و العيساوية ، فاضحى فلكلورا شعبيا ساهم في التنمية السياحية و تشكل الفن الكناوي في جمعيات ثقافية نقلته من طقوس روحانية ذات الاستقطاب المحدود الى نشاط فني اضحى رواده من اتباع ” عمي سلام ” و ” لالة ميمونة ” و ابنهما ” مسعود ” و اخته ” عيدة ” الى فناني الفرجة بالمهرجانات و المنصات العمومية تسوق دوليا .
بنباهة تاجر البندقية تم بتر ورقة ميلاد هذا الفن من كناش الحالة المدنية غصبا ليلتحق بالتبني القصري لمن خبروا فن الاختلاس الادبي للموروث الثقافي اللامادي العمومي في غفلة من ممارسة ” لالة ميمونة ” لحقها في الطعن نيابة عن لملوك و المعلمين ليلة الحضرة الكبرى نتيجة اندماجها الروحي و استفاقت من غفلتها وهي تلعن اليوم الذي غادرت فيه حوزتها الكناوية الى مدينة المجهول التي تصادر كل شيء جميل ، فقدت الزاوية جاذبيتها و جفت مروجها و ذبلت مروجها و ظل ضريح الشرفاء يحرس المكان و بني على اطلال دوار لعبيد مسجد للترحم على اموات الزاوية و الدعاء الصالح لمن ظل يقاوم الفراغ و شيد مستوصف عمومي لم يفلح حتى في علاج الشقوق البادية على جدرانه ، و استمرت الحياة وصوت اللحن لكناوي ينبعث صدى تتقاذفه روابي المكان المقدس المنسي .
الجديدة في 3 يوليو 2023