دأب رجال النظام الجزائري ، ومعهم أفراد النخبة الذين يسيرون في ركبهم على التباهي ، إلى حد المغالاة ، باتساع الرقعة الجغرافية لبلدهم ، وإلى الادعاء بأن الجزائر أقوى دولة وأكثر تطورا في ميادين كثيرة من الدول التي يتخيلونها أو يستهدفونها .
ولقد ذهب الرئيس عبد المجيد تبون في يوم من ايام الله ، الى القول متباهياً ، بان النظام الصحي في الجزائر أفضل من أي نظام في المغرب العربي وإفريقيا ، رغم أنه التجأ للعلاج في المانيا ولمدة طويلة وعلى فترتين من وباء الكوفيد، وكثيرا ما ردد ذلك ليقول أنه الواقع كما يراه بالنسبة للجزائر ، سواء في الميدان الصحي أو غيره ، أحب من أحب وكره من كره .
والواقع أن الجزايريين عندما يتباهون بذلك ، فإنهم يثيرون الشفقة مما أصابهم من غرور، ويبرهنون على أنهم غير مدركين بأن عظمة الدول لا تقاس باتساع رقعتها الجغرافية ، ولا بما تتوفر عليه من ثروات ، ولكن بما تصنعه الأمم والدول من مجد علمي ، وبما يوفره الإنسان لمجتمعه من أسباب العيش الرغيد ، وبما يساهم به في تعزيز الأخوة بين البشر ، وبما يساعد على استتباب الأمن والأطمئنان والسلام في ربوع العالم .
وتقاس عظمة الدول أيضا بقدرتها على التعايش مع محيطها الجغرافي وأرساءالتحالف والتآزرلبناء المستقبل مع التجمعات الإقليمية حولها ، فهل تملك الجزائر شيئا من ذلك ؟.
إنه ليس من لغوالقول بأن التاريخ يقدم لنا الدروس لمن يريد أن يتعظ ، ويدفعنا إلى أن نتساءل مع المتسائلين :
هل ينعدم من بين الرجال الذين يحكمون الجزائر وجود قادة يملكون عقولا نيرة ، ليستخلصوا الدروس والعبر مما حدث عند جيراننا الأروببيين الذين أنهوا ما كان بينهم من صراع ، وعكفوا على البناء والتشييد مجتمعين ، ليجعلوا من القارة الأروبية نموذجا يقتدى ٠ فلم تكن لا فرنسا ولا ألمانيا قد اغترتا بما تملك كل واحدة منهما على حدة ، من قدرات وإمكانيات لكي تسعى أي منهما لتكون أقوى نفوذا في محيطها ، ولنفرض هيمنتها على من حولها من الدول والأقطار .
وعلى ذكر الهيمنة ومحاولة فرضها ، سأعود الى منتصف السبعينات لاذكر بالمسعى الأمريكي للتأكد بما كان نظام هواري بودمدين يخطط له لفرض هيمنة الجزائر على المنطقة المغاربية ، حينما توجه وزيرها هنري كيسنغير الى الجزائر في أكتوبر ١٩٧٤ ليواجه قائدها بأسئلته المحرجة .
وأعود لنفس الفترة لأذكر كذلك بما واجه به الرئيس هواري بومدين ضيفه الفرنسي جيسكار ديستان ، محذرا لمن يريد أن يسمع ، بأن على فرنسا ان تتخلى عن أفريقيا ، لان أفريقيا لنا أي للجزائركما قال له .
وهذه الروح روح الهيمنة التي خالجت الراحل هواري بومدين ، ما تزال تسيطر على عقول من خلفه منذ رحيله الدراماتيكي في نهاية ١٩٧٨ ، ويعتبرها المتحكمون في المؤسسة العسكرية الذين يديرون دفة الحكم في البلاد أرثا يسهرون على استمرار تبنيه والحرص على تطبيقه ، رغم الفشل الذي رافقهم في مسعاهم.
والآن عندما يقول الرئيس عبد المجيد تبون موجها الخطاب لأحد أطراف النزاع في ليبيا : إن طرابلس خط أحمر، ويرددها على غرارما يقال في الحروب ، وعندما تسعى الجزائر لفرض أرادتها فيما يحدث في جمهورية مالي ، وعندما تعبئ وتجند فلول الانفصاليين الصحراويين وتسلحهم للدخول في حرب ضد المغرب ولمحاولة الحيلولة دون تكريس وحدته الترابية والوطنية .
الآن والجزائر وهي تفعل ذلك وغيره من التدخلات والابتزازات التي يمارسها قادتها في محيطهم الإقليمي ، ماذا يمكن أن نسمي ما يفعلونه ؟ وبماذا يمكن أن ننعثه ؟
لنترك الملاحظين يبحثون عن وصف للتصرف الجزائري في محيطها ، ونقول نحن لجيران السوء في شرق بلادنا : إن المغرب أقوى ماديا ومعنويا من أن تنال منه عجرفة حكام الجزائر ، وفي نفس الوقت أكثر تشبثا بالسلام وسعيا لتحقيقه ليعيش في سلام ووئام مع محيطه شرقا وشمالا وجنوبا .