بقلم/ عبدالسلام البوسرغيني
من علياء مائويته يطل علينا إدغار موران قابضا على جمرة الحياة ويقظة الذهن وشعلة الفكر، وأنت تذكرنا يا مولاي أحمد آية وارهام بعيد ميلاد إدكار موران المفكر العملاق حفزتني على إعادة نشر ما كتبته عنه في السنة الماضية فيما يلي :
انطلاقا من مقولة ” الدين أفيون الشعوب ” المنسوبة إلى كارل ماركس مبتكر المذهب الشيوعي ، يعمد كثير من الناس الى القول بأن من يتبنى أفكار هذا الفيلسوف يجب إدراجه مع من اختار الردة ويحسبونه في عداد الملحدين ٠ وكأني بمن يقول بذلك يريد أن يسجن الناس في مفاهيم محصورة ولا يرغب في الإنضمام الى من يسلمون بفضل ماركس على الوعي ، بأهمية الفلسفة في حياة الإنسان ، وبفضله أيضا على محاربة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان كأحدى مظاهر الظلم المحرم في شريعة الدين الإسلامي الحنيف ، كما ورد في الحديث القدسي الشريف القائل : يا عبادي إني حرمت الظلم عل نفسي ، فلا تتظالموا
قد يكون الوقوف على مقولة ” الدين أفيون الشعوب ” لدى البعض بمثابة دعوة لصرف الناس عن الأهتمام بما أنتجه كارل ماركس ، ودعوة لمحاربة الفكر الفلسفي لهذا المفكر، عوض الاشتغال عليه لكي يدرك المرء بعضا مما أدركه ، وألح عليه المفكر والفيلسوف إلفرنسي إدغار موران الذي أشعرنا بأن كارل ماركس كان كما قال عنه ” مفكرا متنقلا بين التخصصات ، بمعنى انه كان بارعا في العلوم الحديثة ، كما أنه مع تبحره في الفلسفة برع في العلوم الاقتصادية وعلوم التاريخ وعلوم الأجناس ، وكان في نفس الوقت سياسيا ، وبمعرفته العلمية أستطاع ماركس استخلاص العناصر المكونة للسياسة بصورتها العامة “
تلك كانت شهادة إدغار موران عن ماركس ، وهي شهادة تستمد قوتها وأهميتها مما له من رصيد فلسفي ومن أجتهادات في عالم الفكر ، وفي العلوم الإنسانية ، إذ يربو الإنتاج الفكري والعلمي لموران على ستين مؤلفا ، كان آخرها عن الوباء الذي يجتاح العالم حاليا ، وأحدث مؤلف له يحمل عنوان ( لنغير الطريق ، دروس وباء كورونا )٠ وعن هذا المؤلف خصص الأستاذ مولاي أحمد المديني مقاله الأسبوعي في جريدة الإتحاد الإشتراكي بتاريخ تاسع يونيو ٢٠٢١ عن إدغار موران الذي احتفل في هذه السنة نفسها ببلوغه مأئة سنة من عمره المديد أقتطف منه الفقرة التالية ، ويقول أستاذنا المهاجر الى فرنسا :
” من علياء مأئويته الشامخة يطل علينا إدغار موران (1962 ) المفكر الفرنسي عالم الاجتماع الذي سيحتفل ، ونحن مريدوه وعشاق أبحاثه العميقة بعد أسابيع باعتلائه ذروة قرن قابضا على جمرة الحياة بعد ، ويقظة الذهن وشعلة الروح تحت شمس مراكش ، حيث يعيش الآن ، يطل من كتابه ( لنغير التاريخ ، دروس وباء كورونا ) وليقدم لنا من وحي خبرته وثقافته الموسوعية ، وخصوصا التجارب التي تقلب فيها وامتهنت فيها البشرية بين عديد ويلات وعبرها الدروس التي استخلصها هو ويستعرضها بالتحليل والنظر ، مستمدة مما تسبب فيه الوباء وولده من أوضاع على الأصعدة كافة ، وكذلك من وحي تجربة حياة رافق صاحبها أهم وأخطرأحداث وتحولات القرن العشرين وتياراته الفكرية والإبداعية والإديولوجية ، وخاض معاركه السياسية واختص بجهاز نظري ومفاهيمي في تحليل الظواهر الاجتماعية وتحولات العصر الحديث المركبة برؤية الإنسانيات الكبرى ، ومن موقع المفكرالملتزم والرافض للتبسيط والدغمائة “
ولقد علقت على ما كتبه صديقنا الأديب وقلت : ها أنذا قرأت مقالك الذي زف إلينا أن المفكر الفرنسي أدغار موران يقيم في مراكش حيث تحلو الحياة لمن عشقوا هذه المدينة المفتخرة بأناسها والزاهية بطبيعتها والمتباهية بتاريخها ٠ سأسافر إلى مراكش وسأبحث عن وسيلة تتيح لي زيارته والتحدث إليه إن أمكن ، فهو الذي جعلني بما قرأت عنه وله ولوكان يسيرا جدا ، أشعر وأنا تجاوزت التسعين سنة من عمري ، إذ حدث أن ولدت سنة 1931بأن الحياة في التسعين ما تزال تتيح للإنسان ، اذا ما أراد ، أن يعمل وأن يقرأ ويفكر ويجتهد ويستخلص ويدرك ويستنتج ، ويرى أنه ما تزال أمامه فرص ليتذوق الحياة وما في الحب من متعة يتقاسمها مع من تتأكد له سلامة سريرة وسيرة ما له من آحباب وأصدقاء ٠
الدار البيضاء 17 يونيو 2021