أخبارالرئيسيةثقافة و فن

القلوب الرحيمة و زرع الأمل

شاءت الأقدار أن يتواجد ” عبد الوهاب ” صدفة بأحد المراكز العبورية بالمنطقة الشرقية ، تقاذفته الظروف الاجتماعية و ضيق اليد ، مات أبوه العامل المياوم بعد مرض عضال و توفيت والدته الخادمة بالبيوت والتي عانت كثيرا من مرض فقر الدم وذلك بعد ثلاثة أشهر من رحيل والده نتيجة ولادة عسيرة لم ينفع معها التدخل الطبي الذي جاء متأخرا وإنه لم يفد حتى في انقاذ حياة الجنين .تقادفت الظروف الحياتية ” عبد الوهاب ” الذي مارس كل المهنة الموكولة للأطفال دون مأوى و دون معيل ، اشتغل بغسل الاواني بالمقاهي و بيع السجائر بالتقسيط ، كما عمل حمالا و ماسحا للاحذية ، حتى قيل في حقه على لسان عامة الناس ” له سبع صنايع و الرزق ضايع ” ، ترعرع في بيئة لا ترحم لكنه خرج منها سالما بعيدا عن عالم الجانحين و المدمنين مما ساعده على كسب عطف أحد تجار المنطقة الذي ائتمنه على حراسة سلعه المتروكة بالفضاء الخارجي المحيط بدكانه وسط المركز .بعد ثلاث سنوات من العمل تطورت علاقة ” عبد الوهاب ” بالتاجر ” الحاج ميمون ” الذي أصبح يكلفه بقضاء اغراض بيته الخاصة ، لنباهته و ذكائه الحاد واخلاصه .

اقترحت سيدة بيت التاجر على زوجها تسجيل ” عبد الوهاب ” بمدرسة تعليم السياقة ليتكلف بسياقة سيارة المنزل و نقل الأولاد للمدرسة و قضاء لوازم المنزل ، فعلا تم ذلك و حصل الخادم الأمين على رخصة السياقة و توسعت دائرة عمله عند ” الحاج ميمون ” .

كانت ” الحاجة لطيفة ” ذات مستوى دراسي عالي في مجال القانون منعها ثراء زوجها من الاشتغال خارج المنزل ، لكنها كانت تحاول تعويض ذلك في أبنائها الأربعة بنت و ثلاثة اطفال ، البنت البكر تعمل طبيبة خاصة للقلب و الشرايين بعاصمة الجهة و الولد المرادف يتابع دراسته بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالبيضاء ، والولدين الاخرين يتابعان دراستهما الإعدادية.تدبر ” الحاج ميمون ” مساعدا بالمتجر بدل ” عبد الوهاب ” الذي اقتصر عمله على خدمة المنزل و قضاء اغراض الحاجة و الاولاد . تنبهت الدكتورة ” رجاء ” و والدتها لنباهة السائق ” عبد الوهاب ” فاقترحا عليه متابعة تعلمه باحد المدارس الخاصة الليلية على نفقتهما، استجاب لفكرتهما و اصبح يتابع دراسته بجد و اجتهاد و بتشجيع من الحاج و اسرته .بعد سنة اصبح ” عبد الوهاب ” يحسن القراءة والكتابة وبدعم من اولادها ” الحسن ” و ” الحسين ” اللذان يتابعان دراستهما الإعدادية. تحسنت و ضعية السائق الذي اصبح يقيم بمنزل بحديقة فيلا ” الحاج ميمون ” وكان ” الحسن ” و ” الحسين ” يستغلان بعض الوقت خلال لقائهما ” عبد الوهاب ” بسكنه بالحديقة في مساعدته على قراءة بعض القصص البوليسية مما ساعده اكثر على التحصيل المدرسي بفضل تمكنه من امتلاكه لرصيد لغوي مهم من لغة الضاد و لغة موليير .وجد ” عبد الوهاب ” ضالته في الدراسة و محو اميته المعرفية بعد ان كان متفوقا في حياته الميدانية حيث اصبح يبدل قصارى جهده في التحصيل لتعويض ما ضاع له .الكل اصبح مهتما بالسائق التلميذ ” الحاج ميمون ” و زوجته و الدكتورة ” رجاء ” و اخوانها ، خلال نهاية الاسبوع كانوا يتناوبون على اختبار تحصيل ” عبد الوهاب ” و يتبادلون الحديث على طاولة الأكل بشأن طرائفهم معه .مرت الأيام و اجتاز ” عبد الوهاب ” الشهادتين الابتدائية و الاعدادية و تفوق فيهما .تخرج ” علاء ” من مهندس دولة في الهندسة المدنية وعمل باحدى الشركات الاجنبية بالدارالبيضاء ، و كان يستعين احيانا بخدمات ” عبد الوهاب ” في قضاء بعد اغراضه الخاصة و كذلك الدكتورة ” رجاء ” مما و سع من معارف ” عبد الوهاب ” و فتح امامه آفاق جديدة جعلته يفكر في تحسين وضعيته عبر متابعة دراسته للخروج من دائرته الضيقة وتحقيق آماله و أمانيه التي اجهضتها ظروفه التعيسة .و بدعم مالي اضافي من الطبيبة و المهندس تابع ” عبد الوهاب ” دراسته باحدى المدارس الثانوية الخاصة لمدة سنتين تمكن خلالها من الحصول على شهادة الباكالوريا التي مكنته من الالتحاق بمعهد التكنولوجيا التطبيقية ( ميكانيك السيارات ) حيث تخرج بعد سنتين من التكوين بتفوق .

وبمساعدة من مشغله ” الحاج ميمون ” و زوجته ” الحاجة لطيفة ” فتح ورشة لميكانيك السيارات بالحي الصناعي للمدينة بالمحلات المخصصة لدعم المقاولة الخاصة .نجاح الورشة بفضل جدية ” عبد الوهاب ” الميكانيكي صاحب ورشة ” ميكانيك السيارات الفضل ” مكن من تسديد ديون تجهيز الورشة فوهي اقل من سنة و نصف من فتحها .استعان ” عبد الوهاب ” في توسيع نشاطه بتشغيل ثلاثة من خريجي مركز التأهيل المهني في تخصص ميكانيك و كهرباء السيارات .كبرت احلام صاحب ورشة ميكانيك السيارات الفضل بفضل دعم اسرة ” الحاج ميمون ” وكبر معها أمل رد الجميل فاستقطب ” عبد الوهاب ” ثلاث اطفال من اطفال الشوارع و تكلف برعايتهم و تدريسهم على ان تتوسع الشبكة العنكبوتية للخير و رد الجميل .يعيش ” عبد الوهاب ” مع زوجته و ولديه ” أيمن ” و “أمين ” و زوجته بسكن مجاور لعائلة ” الحاج ميمون ” تتواصل زيارة الود بينهما قاسمهما المشترك فعل الخير و كفالة ذوي الحاجة .كانت هذه دردشة مع ” الحاج عبد الوهاب ” ونحن نرتشف كأس شاي وانا بورشته لاصلاح عطب بسيارتي ، اصلح ” حسن ” الميكانيكي عطب السيارة . ومن خلال دردشة ” الحاج عبد الوهاب ” معي و بنبرة قلبية صادقة استلهمت حكيي هذا و الذي حاول ” عبد الوهاب ” عبره إصلاح اعطاب مجتمعية تنخر أجساد اطفال عرضة للضياع و التشرد خشية ان يصبحوا قنابل موقوتة للانحراف و زرع الرعب في مداشر قرانا و احياء مدننا انتقاما ممن اسعفتهم ظروف العيش من الساكنة.

الدار البيضاء في 1/3/2023

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button