أخبارثقافة و فن

أمنة برواضي في حوار”مع الناقد “أسئلة الباحث العربي(الجزء الثاني)


الحلقة الأولى مع الدكتور محمد بنلحسن
السلام عليكم دكتور
أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالإجابة عن أسئلتي. ليكن أول سؤال
من هو محمد بنلحسن؟
من مواليد مدينة وجدة العامرة ذات منتصف من شعبان عام 1389 هـ الموافق لـ26 أكتوبر من عام 1969…
مهنتي أستاذ للتعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس، تابعت دراستي من الابتدائي إلى الدكتوراه، في عاصمة الشرق، مدينة الوجد والوجدان وجدة الأبية…
عاشق للغة العربية، ومنافح بدون كلل على حضورها واستمراريتها في حياتنا اليومية مثل وجودها في المدرسة والجامعة والإعلام…
لدي مشاركات في برامج حوارية في الإذاعة والتلفزيون؛ ميدي 1 تيفي ثلاث مرات، القناة الثانية مرة واحدة، الإذاعة الجهوية فاس ثلاث مرات، الإذاعة الجهوية طنجة مرة واحدة، إذاعة MFM مرة واحدة…الفضائيات؛ المغاربية مرة، العربي مرة واحدة، المستقلة مرتان…
هل لك أن تقربنا من مؤلفاتكم ومنشوراتك؟
لدي ستة كتب فردية، أربعة نقدية وتربوية، واثنان إبداعيان؛ مجموعة قصصية ومسرحية للأطفال من الخيال العلمي…
ولي مشاركات بمقالات في خمسة عشر كتابا جماعيا…هي في الأصل مؤتمرات وندوات وأيام دراسية واستكتابات…

  • من خلال سيرتكم الذاتية يلاحظ بعض التنوع في اهتماماتكم بين الأدبي، والتربوي، فهل لهذا التنوع والخوض في أكثر من حقل معرفي دور في إغناء تجربتكم في الكتابة؟
  • في الحقيقة الكاتب أو المبدع هو ابن بيئته من جهة، وابن تكوينه وثقافته والمؤثرات والروافد التي تبلورت في شخصيته من جهة ثانية…الإنسان عموما يبرع فيما يجيده ويتقنه، وحيث إن الرافد الثقافي يمتزج بالهوية المهنية في شخصيتي، فقد كان طبيعيا أن أيمم شطرهما…ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
    بصفتكم أستاذا في مركز تكوين الأطر، ما المجزوءة التي تقترح أن يتلقاها الأستاذ المتدرب إلى جانب مجزوءات الديداكتيك وعلوم التربية…والتي ترون أنها قد تعيد شيئا مما ضاع من مهنة التربية والتكوين؟
  • شكرا على هذا السؤال الذي ينم عن وعي بيداغوجي متخصص، أنا أفضل مجزوءة الحياة المدرسية وتفعيل أنشطتها وأدورها في إطار مشروع المؤسسة المندمج، والتي لدي بها ارتباط متين وقصة مديدة، بدءا من مشاركتي ضمن فريق تأليف مجزوءتين في تفعيل أنشطتها وأدوارها في إطار مشروع المؤسسة المندمج، واحدة مع مشروع إتقان ووزارة التربية الوطنية بدعم من USAID نونبر2012، وهي المجزوءة المستعرضة لدعم التكوين من أجل تعلم فعال، مشاريع الارتقاء بالتدريس وأنشطة الحياة المدرسية لتحسين التعلمات، والثانية بعنوان الحياة المدرسية وتفعيل أنشطتها في إطار مشروع المؤسسة المندمج وتدبير الشراكات البيداغوجية والتعبئة الاجتماعية من أجل مدرسة مواطنة 2021، والتي أنجزت في إطار مشروع ثانوية التحدي بشراكة بين وزارة التربية الوطنية ووكالة حساب تحدي الألفية، وانتهاء بكوني من الأساتذة المكونين الذين قاموا بتأطير الأساتذة المتدربين والأساتذة المزاولين، ناهيك عن سنوات من تكوين الأطر الجديدة للإدارة التربوية من مديرين ونظار وحراس عاميين…دون أن أنسى مجزوءة إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التربية (Tice)، لأنني استفدت من تكوين مدته سنتين بجامعة الأخوين في إطار مشروع إتقان بدعم من USAID وبشراكة مع الوحدة المركزية لتكوين الأطر بوزارة التربية الوطنية .
  • أستاذي الفاضل من موقعكم كمتدخل في الحقل التربوي تدريسا وتأطيرا وبحثا، ما تصوركم لمستقبل المدرسة العمومية، وللتعليم بشكل عام في مستقبل الأيام؟
    صراحة لا أريد أن أكون متشائما، ولكن الوضعية الحالية لا تبشر بالخير، لقد توالت الإصلاحات من 1957 إلى اليوم، ولكن لا نرى نتائج في الميدان…الوضع يشبه جسما معلولا نضخ في أوردته كما هائلا من الأدوية والمضادات الحيوية كل مرة، لكن الجسم العليل، لا يزداد إلا هزالا وتراجعا مقلقا ومرعبا…
    بعد كورونا، لم تعد المدرسة في العالم هي المدرسة التقليدية ما قبل الوباء، لقد فرض التحول على الجميع بضغط من الوباء وبإلحاح من اليونسكو، واليوم وعلى الرغم من انفراج الأزمة الوبائية، فالأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة والسائرة في طريق النماء، فقد حصل الاقتناع بوجوب المزاوجة في المدارس بين الورقي والرقمي من خلال الإفادة من ثمار الثورة التكنولوجية…والآن مع تعاظم سلطان الذكاء الاصطناعي، وبرنامج شات جي بي تي خاصة، غدا أمر انهيار المدرسة بمفهومها التقليدي، مسألة وقت فقط، لذا أقول: إذا لم تواكب منظومتنا التربوية ومؤسساتنا التعليمية هذا التحول الجذري، فإنها ستتراجع وتتوارى بشكل رهيب…
  • تساهمون في أنشطة ثقافية ولكم حضور في العديد من الملتقيات الأدبية والندوات العلمية، كيف ترون مستقبل الكتابة والإبداع بالنسبة الأجيال القادمة؟.
  • الكتابة أصبحت متاحة للجميع، لاسيما بسبب توفر الأسناد الرقمية الجديدة، وهو ما أدى إلى استسهالها من لدن كثيرين، لكن الإبداع في معانيه الدقيقة هو في حكم الناذر والقليل جدا، وإن كان بعضهم يطلقه على كل من هب ودب…تعرفين تراثنا الأدبي والنقدي والفكري، وعلى الرغم من عظمته وكمه وتنوعه، لكن مع ذلك، فأدونيس على سبيل المثال، ميز في أطروحته الثابت والمتحول (الأصول، تأصيل الأصول، صدمة الحداثة)، بين الابتداع والاتباع فيما كتبه الأسلاف وألفوه…وإن كنت لا أشاطره الرأي في بعض تصنيفاته وانتقاءاته، لأنها لم تخضع دائما للتفسير العلمي المتجرد، فما بال بعضهم يسمي كل من دبج كلمات مبدعا؟
    الإبداع كما عرفته العرب وقاربه المحدثون من النقاد وعلماء النفس في الغرب، حالة استثنائية متفردة في عالم الكتابة، والتاريخ يؤكد بأن ظهور كتابة إبداعية بين الفينة والأخرى، ممكن، لكن يظل حالة استثنائية وسط ركام الكتابات والتجارب التي تتلمس طريقها صوب النجاح…
    نلاحظ من خلال القراءة والمتابعة، تراجعا في المهارات اللغوية والتعبيرية لدى شبابنا؛ لاسيما في ظل سيطرة لغة الشات وانتشارها وسط شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى هيمنة العامية وسط المدونين وأفراد تلك المجتمعات الافتراضية…كل هاته، علامات مقلقة لكن مع ذلك، لا نعدم كتابات إبداعية متميزة تطل علينا وسط هذا الركام من الكتابات الهزيلة…وما الأعمال المختارة سنويا من لدن لجان بعض الجوائز العربية إلا دليل على وجود الظاهرة وإن قلت…
  • نظرا لكونكم ابن مدينة وجدة وتقيمون في مدينة فاس، كيف ترون الحركة الثقافية في العاصمة الثقافية (فاس) مقارنة مع عاصمة المغرب الشرقي (وجدة)؟
  • ربما أحيانا قد يكون هناك فوارق من حيث الكم، لكن عموما، الحركة الثقافية في بلادنا تعرف فتورا لا نعرف أسبابه، وحتى الكثير من المبادرات الثقافية والفنية الرائجة نجد أن وراءها جمعيات بجهود فردية، نحن في حاجة إلى سياسة ثقافية قارة ضمن مخطط لا يرتهن فيه العمل الثقافي بالمواسم والمناسبات، كما أن الجمعيات في حاجة لمزيد من الدعم المادي لتواصل الإشعاع والتنشيط.
  • دكتور ماذا يعني لكم النقد؟
  • النقد رئة يتنفس من خلالها فكري، وهو مجالي المفضل بحكم بحوثي الجامعية واهتماماتي الشخصية…النقد ملكة يعلمنا التفكير الجيد، والرؤية السديدة للأشياء…النقد عندي رؤيا للعالم والوجود، وعقل لا يمارس النقد، هو عقل جامد لا يتطور …غير أني أعتبر النقد نقود؛ أميز هنا بين النقد الباني والنقد الهدام، بين النقد الانطباعي والنقد الأيديولوجي والنقد الأكاديمي والنقد العلمي…وكلما نأى الناقد بعقله عن الأهواء ارتفع نقده وسما عن الذات والتأثر والانفعال…وليس سرا القول إن النقد العلمي وليس دائما الأكاديمي، قليل مقارنة مع باقي الأصناف التي ذكرت.
  • من موقعكم كناقد، ما مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟
  • يعاب على النقد أنه لا يواكب الكم الهائل من الإنتاجات الأدبية التي تصدر، وهذا كلام صحيح، لكن، وبما أنه ليس كل كتابة إبداعا، فليس واجبا على النقاد تسليط الضوء على كل ما يصدر…لكن مع الأسف، إن شئنا تقويم بعض النقد الذي يصدر، فنسجل غلبة النقد الانطباعي والنقد الإخواني وأحيانا نجد النقد الانفعالي، والنادر هو النقد العلمي الموضوعي… مع الأسف…أظن مستقبل النقد مرتهن بمدى مسايرته التحولات المجتمعية أولا، وتبدلات الكتابة في ضوء التأثر بالفورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي…منذ سنوات مثلا ظهر الأدب الرقمي، لكن هل واكبه النقد وأصبح هو أيضا رقميا؟
    مع الأسف، بما أن كثيرا من الكتاب والأدباء، ظلوا لا يميزون بين الرقمي والورقي إلا من خلال تبدل الأسناد، فكذلك في النقد، نقرأ تصريحات نقاد يقعون في الالتباس نفسه…كما أن النقد لا يتطور إلا بتفتيشه عن الأعمال الجيدة من أجل تغطيتها بالدراسة والتحليل دون خلفيات ولا اعتبارات غير أدبية…ولا يجب على النقاد في نظري نبذ الأعمال الشبابية التي تحتاج للدعم والمتابعة والتنقيح من أجل تجويدها…وإنضاجها…
  • دكتور لكم عدة كتب مشتركة تعنى باللغة العربية وتعلمها وتعليمها للناطقين بها وبغيرها، كما حضرتم عدة مؤتمرات وملتقيات تخص لغتنا العربية، ما رأيكم كباحث وغيور على لغة الضاد باعتباركم أيضا من مؤسسي الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب فيما يتعلق بمستقبلها؟
  • اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة، لاسيما في ظل التطور الهائل الذي يعرفه العالم على مستوى استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من هنا العربية محتاجة منا إلى كثير من الجهود من أجل تطويرها المستمر لتصبح قادرة على الحضور فقط، ولا نقول قادرة على المنافسة، لأن لغة الاقتصادات العالمية أصبحت تهيمن على العقول كما الأسواق…وأستحضر قولة معبرة جدا للساني التونسي عبد السلام المسدي في كتابه الهوية العربية والأمن اللغوي “لن يندم العرب على شيء كما قد يندمون على أنهم لم يلبوا نداء لغتهم وهي تستجير بهم منذ عقود أن أدركوني”، إنه فعلا محق في هذا البوح الصراح…
    والأمر الأهم الذي لا أمل من تكراره دائما، هو أنه لا يمكن إطلاقا أن تتقدم لغة وأهلها متخلفون، كما عنونت منذ سنوات مقالا لي.
  • هناك اهتمام واضح باللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية في البلاد بعد اللغة العربية، وقد شاركتم في حوار بالقناة الثانية حول النهوض بهذه اللغة، في رأيكم هل اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية حققت المطلوب منها وأرست قواعدها أم مجرد كلام لا غير؟ وأي مستقبل لها في المدرسة العمومية؟ وماذا عن تعميمها في المدارس الخصوصية التي تركز على اللغات الأجنبية؟
  • اللغة الأمازيغية لغة رسمية وطنية بموجب الفصل الخامس من الدستور، لكن وضعها الذي بوأها إياه دستور سنة 2011 متقدم جدا مقارنة بوضعها الاعتباري في الواقع، من هنا نطالب جميعا بالتمكين لهذه اللغة، من حق المغاربة رؤيتها معممة في المدرسة المغربية العامة والخاصة وبشكل رسمي مستمر وفعلي، وألا ينحصر ذلك في السنوات الأولى من التمدرس…صحيح هناك مجهودات بذلت، لكن التحدي لايزال كبيرا لتحقيق التجويد المطلوب…
  • لو لم تكونوا أستاذا للغة العربية ما الوظيفة التي كنتم ستختارونها؟
  • كنت أفضل أن أصبح إعلاميا أو ممثلا مسرحيا، لأنني أشعر باكتناز شخصيتي طاقات واعدة في هذا المجال…ولاشك أن جميع هذه التخصصات تطلب تمكنا من اللغة العربية التي يسري سحرها في دورتي الدموية…حين نلت شهادة الباكالوريا لم أصادف مباراة المعهد العالي للصحافة مع الأسف، اجتزت بالرباط مباراة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي في صيف 1990 مع الفنانين لطيفة أحرار ونورة الصقلي وفريد الركراكي وعبد الله النمروشي وفاطمة عاطف وسلمى بنمومن…، كما أنني اجتزت بنجاح الشق الكتابي من مباراة المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث ولم أذهب للشق الشفهي من المباراة حيث أحسست بغربة في العاصمة، لكن شاء الله أن تكون شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة وجهتي الأخيرة
  • دكتور أحرزتم على عدة جوائز هل لكم أن تحدثونا عن دور الجوائز في التحفيز على المزيد من العطاء؟
  • حصلت على جائزتين فقط، واحدة في 2012، جماعية ضمن فريق بجامعة الأخوين في إطار مشروع إتقان بشراكة ما بين الجامعة والوحدة المركزية لتكوين الأطر بوزارة التربية الوطنية بدعم من USAID، توجت مشروعنا الرقمي ضمن فريق التعلم عن بعد؛ عقب سنتين من التكوين الحضوري وعن بعد، والثانية فردية في 2017 بخصوص أحسن بحث في فكر المهدي المنجرة، منحتها لي الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم ” أماكن”، كما انتقي كتابي التلقي لدى حازم القرطاجني من خلال منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكاب في2013…
    الجوائز تعتبر حافزا قويا على الإبداع والعطاء، إنها تضفي نوعا من الجدوى على البحث الجاد الرصين، كما أنها ترسخ ثقافة الاعتراف بالمجهودات لكن شريطة أن تذهب لمسحقيها طبعا…

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button