العرب والفكر النقدي .. إشكالات حوارات لم تبدأ
من المهم جدا أن نذكر القارئ الكريم أن مساحات التقاء وتقاطع الفكر الإسلامي في شكله العام وأفكار الحضارات الأخرى لم تحض بحيز كبير من الأهمية ومن توسيع أفق الرؤى، إما لجمود فكرنا على مجاراة العصرنة وما تمليه الثورة التقنية أو يكمن الخلل أيضا في الغرب وحداثته وعلمانيته المزيفة.
فالواقع العربي اليوم في مشهد عاصف بسبب جغرافيته القاتلة وموقعه الاستراتيجي، وأطماع السيطرة وتهافت الغرب وروسيا على خيراته. في وقت، وبعد عقود من الجمود، بدأت بعض الدول العربية القليلة تفرض وجودها وتثبت للعالم أحقيتها في صنع القرار، إلا أنه يبقى غير كاف في غياب سند عربي إسلامي لها، خصوصا في وجود صراعات إقليمية بين دول عربية شقيقة.
بقلم عبدالله العبادي
من المجحف أن نعيد هذا الصراع إلى الواجهة، لكنه ضروري وملح للظرفية التي تمر بها المجتمعات العالمية، والخطط الجيوسياسية الجديدة وتشكل جغرافية سياسية حديثة، لذلك يجب على العرب ألا يتأخروا هذه المرة على صنع الحدث والتموقع في دائرة صنع القرار العالمي وتشكيل تحالفات جديدة، تعيدنا لسكة المنافسة على المقدمة وقيادة العالم.
لا شيء مستحيل، فقط أن تعاد الأوطان لأهلها وأن يغادرها الخونة وتجار السياسة والدين، والمتأسلمون الجدد ونخبة بورجوازيي النكبات أولئك الذين اغتنوا في عز الأزمات المجتمعية. لكن هل نحن بحاجة إلى حوار داخلي أولا أم لحوار مع الأخر، وكيف سيؤثر هذا الحوار على مستقبل مشروعنا العربي؟
هل كانت صفعة الخراب العربي صفعة موجعة لنا؟ هل تم الاستفادة من الدرس؟ هل الحل الآن، الأنظمة العسكرية أو الإسلام السياسي أم علينا بلورة أفكار ورؤى جديدة بشكل ديمقراطي، شوري وتشاركي بين كل مكونات المجتمع في إطار إبرام عقد اجتماعي جديد يتيح للجميع إمكانية العيش المشترك. السياسة مجموعة قواعد قناعات، لن تتغير إذا لم تتغير هذه القواعد.
نطالب اليوم بتحريك الفضول العربي للنبش في واقعنا بشكل جريء، بشكل يساهم في نهضة الإنسان أولا قبل العمران، الاستثمار في الفرد على المدى البعيد، هكذا تبنى الأمم، وليس قصور مشيدة على تلال من الرمل تختفي مع أول عاصفة رملية. كما يجب أن نتجاوز الفكر القديم المتمثل في المؤامرت والتركيز المبالغ فيه في المشاريع المعادية، والتركيز أكثر على البناء الداخلي والتكاملات الاقتصادية الاقليمية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي.
فمتى يبدأ الحوار؟ في ظل حوار عالمي تتحدد معالمه يوما بعد يوما، في غياب تام للامة، كما أن فشل كل اللقاءات العربية يعود بالأساس إلى التدبير الحالي بالعقلية القديمة، فصارت لقاءات بئيسة تحاك فيها مؤامرات على الجيران والإخوة الأعداء. وبذلك تترك القضايا المصيرية غير محسومة، وتؤجل حواراتنا الجدية من أجل غد أفضل.
العهد الجديد بحاجة لتفكيك قضايا كبرى، الارتفاع عن الخلافات البسيطة والمناورات السياسية الخبيثة، والبحث عن المصالح الضيقة ومحاولة زعزعة الجيران، كلها أمور تزيد من تردي الوضع العربي أكثر مما هو. لذلك الحوارات مهمة للحراك الفكري العربي المعاصر، للخروج من عنق الزجاجة، إلا أنه حوار داخلي بالأساس، قبل أن نشارك في حوارات عالمية.