لماذا أبعد حمار بني عمار من الاحتفال؟
إنجاز – الدكتور الغزيوي أبو علي**
إذا كان هذا المقال يتضمن تصريحات إبداعية وفكرية واضحة أو ضمنية، يمكن الإجابة عن ذلك في بادئ الأمر بشكل عام، بأن الأعمال المدونة يمكن طبقا لطبيعتها أن تتحدد زمنيا من الناحية اللغوية، بمعنى أنها لابد أن تبين الوضع السائد للمهرجان، له كلامه الذي يتحدث به، وكعلاقة تعبيرية مبنية على الشكوى والحزن والإقصاء، فالكتابة عنه هي ممارسة التفكير – في المؤجل – وبحث في نصي مفترض، ومنوط بهذا الفهم أن يكشف عن جوانب السلطة المهيمنة، وكتابة شيء غير مناسب، شيء غير مرغوب فيه، خشن – إنه كساء مهرج كما يرى رولان بارت، أن تكتب على المهرجان أن تستحضر الذات، والصورة والذاكرة والزمن والمكان، فهو ليس تعليقا تافها، بل سيرة لهذه الأنا الكليانية ولهذا الحاضر الذي يكون جسدا ناطقا أمام القانون.
إن مساهمة بني عمار في إبداع مهرجان الحمير، بوصفه شيئا معيشيا، تسكنه الأنفس لتكون امتدادا بين الماضي والحاضر كما يقول ريمون أرون، وجسد حي متعالي ومختزل، ومعبر إدراكيا، ويرى ميرلوبونتي <<إن فهم الجسد الإنساني المادي كله بوصفه معيشا سلفا بشكل عام، ومتجسدا ومعبرا وإدراكيا وحرا فالجسد شيء مرئي يرى، وشيء قابل على الرؤية يجسد فجوة وهو فعل رؤية، يجعل من اللامرئي مرئيا خلال إيمان إدراك حسي (ج هيو سلڤرمان نصيات المركز الثقافي العربي ص221 – 222) فهذه الرؤية الإشكالية تتطلب حلولا عقلانية تحل فيه الرمزية الواقعية محل الفرصة الضائعة، ويحل تمهيد التأسيس القانوني محل العنصر الخيالي، من هنا نرى أن المطالبة كقوة إرادية التي تتحملها المقاومة ضد السلطة، جعلت صحة الاعتراف هو محرك للتاريخ، وتفكيكي للوحدة الموجودة عند أصحاب القرار.
ويقول ماو: ليس هناك شيء ينمو بلا أي تفاوت، فهذا التفاوت موجود في كل شيء بوصفها مركبا ومؤشر للكل المركب، فالهيمنة ليست مسألة هامشية وإقصائية، بل هي قضية جوهرية في التركيب نفسه، فالتناقض هو الذي يسمح لنا فهم بفهم التنوع الاجتماعي ككل بنائي، لأن الممارسة السياسية بحاجة إلى إضافة وإدراك نظري لمعرفة الحقائق البسيطة، فهو سمة جوهرية لمراجعة حقيقة التاريخ لمعرفة الهيمنة ودورها الرئيسي كما يرى ماوتسي تونك، فلا وجود للتناقض إلا داخل المجتمع، باعتباره سيرورة تلعب دورا رئيسيا، وهذا التناقض لا يصبح متفجرا وحاسما إلا بالتكثيف أو بالإدماج، فهو الحقيقة الحاسمة (كما يرى لينين).
فالهيمنة لا يمكن معرفتها إلا بتقسيمها إلى حقب تاريخية كالإمبريالية التي تعمل على تفاوت الاقتصاد والاجتماع والصناعة والثقافة، مما يخلق علاقات متفاوتة بين القاعدة والقمة لا بوصفه شيئا بسيطا وخارجا، بل بوصفه شيئا عضويا فيه ككل حالة من حالات التفاوت في الكتلة الاجتماعية كما يرى كارل مارك.
فالتحديد الذي نراه اليوم في واقعنا الاقتصادي والسياسي، والنظري لا يتحقق إلا عبر مراحل سيرورية، لأن الواقع يتعرض للإبدال والنقل والتكثيف، فهذا الثابت البنيوي هو في ذاته يتحقق في الصياغات المتنوعة الملموسة للتناقضات الحزبوية، والجمعيات المدنية، إذن لم يؤدى إلى إدراك دوره المحرك في البادية، أو القرية، لأن المدينة تمارس هيمنتها على البادية، لتبدع لنا اللامتناهي في المتناهي وتحول هذا الوجود الفلاحي إلى العدم، فهذه السلبية التي نراها في قرى مداشر بني عمار، جعلت هذه الرؤية أصبحت سلبية وترميم للوحدة الأصلية.
ففي كل دورة تكون النهاية هي الشاغل وأن الذات بني عمار هي انعكاس للكيان ذاته، حتى عندما يكون في كيان مغاير للذات العمارية، فعندما نتعامل مع سيرورة البنية المركبة ذات الهيمنة السلطوية، نجد أن مفهوم السلبية الجهوية يتبعه عدة مفاهيم، كالسلبية والاستلاب، والإقصاء والتهميش، فلا يمكن فهم أن تفهم هذه المفاهيم إلا داخل التقسيم الجهوي الحالي، لأن السلبية التي تتعامل بها السلطة الوصية، جعلت الفراغ والمصادرة هو الذي يجعل الإدراك حقيقة صيرورة وسماتها النمطية، لأن السيرورة مركبة، لأن لها بنية ذات هيمنة على القرار.
إذن كيف نلغي مهرجان بني عمار الذي عمر طويلا؟ هل نخاف من اسم الحمار؟ ولماذا الهند تعبد البقرة؟ ولماذا الصين تعز الكلاب؟ ولماذا البرازيل تهتم بالنمل والنحل؟ أسئلة تبدع الصراع والمواجهة كحقيقة في مواقع معينة من بنية الكل المركب، فالخوف من اسم الحمار، هو الخوف الذي يتأطر في مجال عام هو خدمة الإنسان المدني والقروي، باعتباره مفهوما أساسيا في ارتباطه بمفاهيم – الحيوان – العمل – الشقاء – الخضوع – الانصياع – الحرية – الحياة – الموت – والحق والعنف إذن لهذا نتساءل للحمار حق في الحياة، وفي اللذة وفي السعادة، أسئلة كما قلت تقربنا من المصدر الوحيد للحقيقة فهي وحدها التي بوسعها أن تعلمنا شيئا جديدا، وهي التي يمكنها أن تمنح لنا اليقين، وهذان أمران لا يستطيع أن ينازع فيهما أحد، فالحمار مخلوق يحس، ويفكر، ويتعلم، ويعيش ويشعر بالواجب اتجاه الآخر، فهو كما قلت المركز في ارتباطه بالغير والحق، وأيضا يكشف لنا عن منطقه الداخلي الذي ينتظم حولها أطروحة الخدمة للجميع، بحيث أن مصلحة الأسرة ومصلحة المجتمع يجب أن تتوافق مع مصلحة هذا الكائن المسمى الحمار، لأن السلطة التي أرادت إقصاء هذا الكائن، فهي لا تعرف مكانته عندنا وعند أهل البادية، فهو يتوافق مع إرادتنا التي تتصف بها الكائنات الحية، فالتعامل معه كخاصية التي يتميز بها عن الكائنات الأخرى، لأنه له القدرة على التحمل والصبر، وهذه حقيقة لا توجد خارج هذا المجال ولا تخلو من سلطة إنسانية، فهي تتولد من إكراهات متعددة، ولها على هذا الكائن سلطة ذات تأثير منظم، لذا أصبح عبارة عن خطاب يقبله الجميع بكل هيأته وآلياته.
فالحمار يعيش السعادة خارج أي منظور تاريخي، لأنه يفعل كل ما تسمح له قوته وقوانين المفروضة عليه، فهو مركزي كما قلت، وموضوع لا يمكن الاستغناء عنه، فوجوده ضروري للأنا، فهو بغيره بذاته، في كونه في حاجة ماسة للإنسان حتى تنتظم العلاقات بينهما، ويتم به الانتقال من وضعه الطبيعي إلى وضعه المدني في ضوء التحولات المعاصرة، فهذا الكائن – الحيواني – في حاجة إلى توفير له الأمن والغذاء – والصحة، والتعليم والحماية، لأنه يصنع الأحداث، ويؤدى وظائف متعددة ومتنوعة، وهذا ما رأيناه في المدن العتيقة – كفاس ومكناس – ومراكش، والصويرة، فهو الذي يؤمن السعادة للمسافرين رغم الشقاء والتعاسة التي يحس بها، ولا نحس بها، وهذا ما أكده روسو الذي اعتبر أن انتقال الإنسان من حالته الطبيعية إلى حالة العقل الاجتماعي كان سببا في فقدانه للسعادة، وهذا ما نراه أيضا عند هذا المخلوق المقصي عندنا من طرف السلطة، فالحقيقة التي رأيناها ولمسناها في مهرجان بني عمران لا يشوبها الظن، بل هي جاهزة وموضوع إجماع يمليها طابعها الفلاحي والنفعي السياحي وأيضا الثقافي، إن مهرجان بني عمار حسب أحد الطلبة الباحثين هو ضرورة على العيش تحث قيادة العقل من أجل الاهتمام بالصالح العام، فهو الذي يؤسس لعلاقة البينذاتية التي تشكل أساس العالم الموضوعي.
فوظيفة المهرجان هي توجيه الفعل الإنساني في اتجاه الصالح العام، ولكونه ظاهرة فلاحية وسياحية وثقافية تتميز بالوعي والإرادة والحرية، لأن الدافع للقيام بهذا الفعل الحسن قد يكون هو الواجب الذي يزيل الهم والغم، والتهميش على القرى، وذلك من أجل منفعة عامة، فالمهرجان هو وحدة، وذات رمزية والكثرة، فهو المحرك للحياة الإنسانية والإبداع لخلق التوازن بين رغباتنا وبين هويتنا المحلية والوطنية، فهو الذي يخلق فينا الشعور بالانتماء، وبالمعرفة من هذه الناحية وحدها يمكن أن نقول إن سعادة مهرجان بني عمار هي سعادة سكان القلعة بعينها، ويبقى الحمار بلغته، وبجسده ونفسه وفكره وشعوره، وإحساسه يجعل منه وحدة ومجهودا للتركيب للذاكرة، فالحمار هو المشيد للأفعال وأساس للمسؤولية وللحرية المكتسبة.
إذن يتعين على المسؤولين إدراك أن هذا المهرجان يتأطر داخل المجال الفلاحي والصناعي التقليدي، وضمن مفهوم الالتزام، في علاقته بمفاهيم الثقافي، والفكري مع الانفتاح على الحرية في مجزوء التكوين المستمر، وأن يصوغ هذا المهرجان الإشكال الذي يعالجه موضوع – الحمار – كمصدر للتفكير الحر دون استحالة الإقصاء على الحق الطبيعي والقانوني، إنه أساس وحدة واستمرارية هوية الذات بني عمار، وهوية الحمار، باعتباره إدراكا مباشرا، للكثرة العددية أو المادية، ودون نقلها تحت المراقبة المهيمنة وليس الخاصة لبعض الأجهزة السياسية أو الاقتصادية الكبرى كما يرى فوكو (حوار نشر بمجلة الفن العدد 700 – 1977)، فقراءة دورات المهرجان وعناصره الآدمية والاقتصادية والإعلامية يجعلنا نفرض اختيار وتطبيق الأوامر والواجبات، لأن هذا القانون هو قوة عمومية غير متعالية عن موازين القوى التي تسود فيما بين الأفراد والجماعات، قوة تضمن تساوي الناس أمام هذا الاحتفال وتضمن تطبيق القوانين الاحتفالية، لذا فعن طريق هذه الدورات أحدثت تأريخا يرجع في الأخير إلى المجهودات المبذولة، لأن الإنسان العماري لا يكتفي بصناعة تاريخه، بل يحدد مساره ووجهته التي تعمل بشكل فعلي لوجوده، إذن نطالب أن يعاد هذا المهرجان إلى أصله، لأنه هو أساس الوحدة والهوية وبناء الوعي بالذات، واستمراريته هو استمرارية للهوية الوطنية.
– الباحث في اللغة والفكر.