لم يُدرك الغرب بعد، أن العالم تغيَّر، ديمغرافيا أصبح أقلية، أوروبا و الولايات المتحدة، لا تزيد عن 14.1 بالمائة من سكان العالم، اقتصاديا، غير مُهيمِن على الإنتاج العالمي والتجارة العالمية كما كان قبل ثلاث عقود. الصين أصبحت بيدها أكثر من 14 بالمائة من التجارة العالمية، وتتحكم أحيانا في 80 بالمائة من بعض المواد الاستراتيجية التي تحتاجها الصناعات الإلكترونية مثل المعادن النادرة.
لقد ظهر للعيان حقيقة أن الغرب في طور الأفول، وبعض الأفارقة فهموا ذلك أيضا، ومِن قلب القارة السمراء، باتت الحركات المناهضة للهيمنة الغربية تتحرَّك، وهي تتذكر قرون من الاستعباد والنَّهب، وتتذكر الصور البشعة لجرائم الاستعمار الغربي وما خلفه من دمار نفسي واقتصادي واجتماعي.
غادرت فرنسا الاستعمارية البلدان الافريقية في ستينيات القرن الماضي، شكليا فقط، لكنها تركت هناك كل ما يضمن بقاءها لأطول فترة ممكنة. فرنسا كانت تعرف قيمة القارة، وقيمة الخيرات التي تحتضن في جوفها، وكانت تعلم جيدا أن فرنسا لن تقوم بدون خيرات افريقيا.
ظهرت محاولات باريس في التحكم في اقتصادات عدد من الدول الإفريقية من خلال الفرنك الأفريقي الذي يستخدم كعملة في منطقتين نقديتين مختلفتين في إفريقيا منذ عام 1945، وهما الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.
وتعول الحكومات الفرنسية على وجود اتفاقات تعاون نقدي بينها وثلاث مناطق نقدية إفريقية، وهي: الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، والجمعية الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا، واتحاد جزر القمر.
وتضم منطقة الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا ثماني دول، وهي بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، وتستخدم فرنك المجموعة المالية لغرب إفريقيا.
أما منطقة الاتحاد النقدي لوسط أفريقيا فتضم ست دول، وهي الكاميرون والكونغو وغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، وتستخدم فرنك المجموعة المالية لوسط إفريقيا.
عرفت القارة مند الستينيات قرابة 190 انقلابا، وهو خير دليل على عدم استقرار العديد من الدول الإفريقية التي عرفت الكثير من الحروب الأهلية والصراعات والمجاعة، الأمر الذي أثر سلبا على بناء اقتصادات قوية أو بناء أنظمة قوية قادرة على التحكم في خيرات البلاد، ومنع كل استغلال خارجي.
بعد محاولات العديد من البلدان الخروج من الجلباب الفرنسي، بعد تصريحات العديد من المسؤولين في مالي والسينغال وبوركينافاسو وغيرها، والتي أكدت على نهاية الاستغلال الفرنسي لخيرات البلاد، وضرورة الوقوف في وجه الهيمنة الفرنسية في القارة السمراء، جاء انقلاب النيجر، ولاحظت لافتات كتب عليها، فرنسا عليها الرحيل وفي لافتات أخرى كتب تحيا النيجر تحيا روسيا.
أي ازدواجية في التفكير وأي قصر في الرؤى؟ هل هي مشكلة وعي مجتمعي، أم أزمة نخب سياسية فاسدة، أم إشكاليات إعلام لا يقوم بعمله التوعوي المجتمعي خدمة للوطن؟ أسئلة عديدة تراود كل متتبع للقضايا الإفريقية، والتي تتشابك بشكل غريب اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا.
هل هم بحاجة لوصي دوما، وهل مشاكل افريقيا سببها فرنسا، لا أظن، فسبب متاعب الشعوب الافريقية هم أنفسهم، ونخبهم السياسية وقادة جيوشهم الفاسدة.
وعليهم أن يستفيدوا من دروس الماضي، وأن يتعلموا كيف يمكن بناء علاقات متوازنة بين فرنسا وأفريقيا وبين افريقيا وروسيا و بين افريقيا والصين وو … ؟