إفريقيا

أزمة النيجر.. هل يعتلي الدب الروسي قمم إفريقيا

بقلم عبدالله العبادي

افريقيا المنكوبة، افريقيا الغنية، افريقيا الانقلابات، وإفريقيا الحروب الأهلية، تلك صفات ثاني اكبر القارات من حيث المساحة وعدد السكان. افريقيا التي لم تجد بعد طريقها نحو الحياة الآمنة، لم تنعم شعوبها بحياة كريمة مند أمد، لا تعرف مدنها إلا اصوات الرصاص والبنادق، ولم تعرف ساكنتها سوى الجوع والنزوح، في مشهد بئيس يكرر كل يوم.

هده هي افريقيا من إثيوبيا إلى السينغال، مرورا بالسودان وتشاد ومالي وصحراء شاسعة غنية، وشعوب فقيرة ومناخ لا يرحم، واستغلال فرنسي غربي لخيرات القارة مند عقود غابرة، ففرنسا كما أكد جاك شيراك أو ميتران وغيرهما من رؤساء قصر الإليزيه لا يمكنها أن تتخلى عن مصالحها بإفريقيا، وإلا ستعاني من نقص المواد الأولية وتعطيل مفاعلات انتاج الطاقة الكهربائية التي تعتمد بشكل كبير على خيرات النيجر.

على الرغم من وَهْم الاستقلال وخروج المستعمر، ومقولة بناء الدولة الوطنية وتحقيق السيادة بدول افريقيا، لا يزال لدى فرنسا حامية قوامها 1500 جندي في النيجر، إلى جانب قاعدة جوية تخدم الطائرات المقاتلة الهجومية. كل هذا تذكير قويّ بأنه على الرغم من صراع طويل ودموي من أجل التحرر، إلا أن حكام فرنسا احتفظوا بشبه إمبراطورية في إفريقيا بطريقة غير مباشرة.

اليوم، النيجر تنتفض في وجه المستعمر القديم الجديد، وتعلن فك الارتباط بباريس، في واحدة من أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه صناع القرار الجدد بنيامي، فهل يستطيعون الوقوف أمام الأمواج العاتية من قريب ومن بعيد، أم سينتهي بعد خمس دقائق بعد تدخل الجوار أو دول غربية، لأن الغرب لن يفرط في مصالحه بالمنطقة مهما كان الثمن.

النيجر ليست استثناء، لكنها البؤرة التي من الممكن إما أن تعطي درسا كبيرا في الانفصال عن الغرب واستغلاله، وإما ستنتهي الأمور كما كانت تنتهي من قبل، لكن الجديد اليوم، هو هدا النفور من فرنسا ليس فقط في النيجر ولكن في مالي والسينغال وبوركينافاصو وغيرها من الدول الفرنكوفونية، كما أن استبعاد ايمانويل ماكرون من قمة بريكس يكرس العزلة الفرنسية إفريقيا.

ويظل الإرث الأكثر ديمومة للاستعمار الفرنسي هو فرنك سيفا، وهي عملة كانت مرتبطة في السابق بالفرنك الفرنسي، والآن ترتبط باليورو، مما يمنح باريس هيمنة وسيطرة نقدية على العديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك النيجر.

أمريكا دعمت أيضا هدا التواجد الفرنسي بإفريقيا لعقود طويلة لأنه كان يخدم مصالحها في مواجهة التأثير الجيوسياسي والإيديولوجي للاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، لكن اليوم ومع تفكك المعسكر الشرقي، وجدت أمريكا نفسها طامعة في التوسع الإفريقي إلى جانب طبعا التوغل الروسي والصيني.

فالصراع في إفريقيا تتحكم فيه عوامل عدة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، فباستثناء شمال إفريقيا، تعرف القارة غليان اجتماعي، سياسي وفوضوي لا يتوقف أبدا. ومع ذلك، فإن مشكلة الدولة الفرنسية هي أن الشباب النيجيري، مثل ما يصرح به باقي شباب الدول المجاورة، يريدون إنهاء وجود فرنسا في إفريقيا، وبذلك فإن الهيمنة التقليدية لفرنسا باتت في طَوْر التفكك.

السؤال المطروح:

هل خروج فرنسا دليل على بناء الدولة الإفريقية الوطنية القوية والمستقلة سياسيا واقتصاديا وذات سيادة؟

أم سترحل باريس ويعوضها الدب الروسي ليعتلي قمم إفريقيا لينهب ما بقي من خيرات الأرض بالقارة؟

وتبدأ مسرحية روسية جديدة وحقبة استعمارية جديدة تستنزف ما بقي من خيرات القارة …

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button