الحاجة لتجديد النخب الحزبية
بقلم عبدالله العبادي
ما تعيشه الأحزاب السياسية العربية، من سلوكيات زعمائها وإصرارهم على البقاء، لا يعرض فقط الأحزاب للمسائلة المجتمعية، بل يعرض المشهد والممارسة السياسية برمتها للتشويه. الذاتية وانعدام الموضوعية، والبحث عن المصالح الضيقة، كلها سلوكيات عصفت بواقع الأحزاب السياسية، ولم تعد سوى واجهات ودكاكين توطد واقعا هشا للفعل السياسي.
فتجديد النخب تعد من أبرز المطالب المجتمعية، وهي صورة تبرز معالم تطور وتقدم أي مجتمع سياسيا وثقافيا واجتماعيا، استجابة لتغيرات ثابتة ومتحولة تستدعي التغيير والتجديد. فلكل حقبة جيلها ولكل زمان رجاله، والمرحلة تتطلب ترجمة حقيقية لدينامية المجتمع، حتى لا ينفصل الحراك المجتمعي عن الواقع لسياسي، وهو الحاصل اليوم بين واقع الأحزاب وطموحات الشعوب.
فالمؤسسات الحزبية المعاصرة، غير قادرة في مجملها على إنتاج أفكار جديدة، وتعرف صراعات داخلية على الزعامة مما عجل ببروز حركات تصحيحية، الهدف منها إعطاء الفرصة لقادات جديدة وأفكار جديدة ورؤى أخرى، قد تخدم الواقع السياسي بالشكل المطلوب، لكن القيادات الحزبية الكلاسيكية ترفض أي تغيير في الأماكن أو التنحي عن الكراسي، في مشهد بئيس يعبر عن علاقة السياسي بالسلطة.
كما أن معظم الأحزاب صارت خالية من كل المثقفين العضويين دووا النزعات الفكرية القوية والمؤثرة، فقد تخلوا عن العمل السياسي لأنه صار مجالا للتافهين والاستغلاليين والحالمين بالسلطة والمال، إلا القليل ممن لا زال يؤمن بالقيم والمبادئ السياسية الحرة. فالجدال السياسي لدى النخب المثقفة صار حبيس الندوات والمؤتمرات، بعيدا عن كواليس الأحزاب والممارسة السياسية الواقعية.
إن القيمة الحقيقية لكل مجتمع تكمن في قدرته على إنصاف شبابه، تكمن في واقعية قراراته التي تدفع به إلى المشاركة في السياسة والتنمية ورقي البلد، لكن تهميش الشباب وهو الفئة الأكثر داخل المجتمع، لن يفيد الوطن في شيء، سوى تكريس إعادة إنتاج نفس النخب السياسية في الزمان والمكان. فإقصاء النخب المثقفة الفاعلة وإبعاد الشباب عن العمل السياسي جعل من الأحزاب السياسية سوى مؤسسات كرتونية انتخابية نخبوية ذات مصالح ضيقة.
إلا أن تعنت قادة الأحزاب على فسح المجال أمام القدرات الشابة يضيع عل الأحزاب فرصة خلق حياة متطورة وبناءة داخل المحيط الحزبي والسياسي عموما. تتشبث العديد من القيادات بمنطق كلاسيكي اصبح متجاوزا، يسقط عنها عمامة الفقيه والمرشد، ويكرس غياب الديمقراطية الداخلية في عمق التنظيمات الحزبية، ويكرس طابع السلطة الداخلية المتوارثة.
فالأحزاب اصبحت غير قادرة على مجاراة السير المجتمعي، تخندقت بشكا كبير في أبراجها، وأقفلت الأبواب، غارقة في صراعات داخلية تترتب عنه انشقاقات بلا أمل في بناء حزبي حقيقي قادر على تدبير المرحلة بامتياز. إنها ورطة سياسية جماعية لأحزاب تهالكت بفعل القدم فكرا وممارسة وفعلا، وأصبحت خارج الزمان والمكان.
ففك العزلة عن أحزاب اليوم لن يتأتى إلا ببلورة وظائف داخلية جديدة وبرؤى حديثة وواقعية تتمحور حول دور الشباب، والانفتاح على النخب المثقفة والابتعاد عن الصراعات الجانبية والهامشية التي لا تزيد المشهد السياسي إلا تفاهة. صار حتميا اليوم، فتح المجال أمام نخب شابة ومثقفة وجيل جديد من الأطر النيرة لتبوأ مراكز قيادية داخل المؤسسات الحزبية. بغية تجاوز سياسة التوريث ومأسسته، ومنع إعادة إنتاج نفس النخب والعقليات، بوضع قوانين تنظيمية لا تترك المجال للاستبداد.