جدلية السياسة والخبز
في مجتمعات هشة، حيث الأزمات الاجتماعية والأحياء الهامشية وتنامي البطالة، وانعدام الثقة بين الحكومات والناس، نطرح أكثر من تساؤل. كيف نحدث المساواة الجماعية بين كل مكونات المجتمع، لتكون نقطة انطلاق قوية نحو التغيير المنشود، كيف نعيد توطيد أواصر الثقة بين صناع القرار والعامة، وإيجاد مفاتيح التجاوب؟ كيف نضفي شيء من الديمقراطية على سبل التغيير التي نطالب بها؟ أي حفاضا على المكتسبات المجتمعية من أمن وأمان واستقرار واحترام الآخر وتقبل الفكر الناقد. لكننا سنكون مضطرين، لإعادة تعريف مفهوم السلطة من جديد في الزمان والمكان.
كيف يقود الاقتصاد الاصلاحي نحو إجراءات جدية لانتقال عادل نحو المجتمع المأمول؟ سؤال جوهري وواقعي في المجتمعات التي تعاني في صمت، لا نشر المعرفة والوعي سيفيد ولا الإصلاحات السياسية الفوقية ستنفع في تفادي الاحتقان الاجتماعي. البعد الاصلاحي في الاقتصاد، هو الحل الذي يسمح للناس بالعيش في حياة كريمة.
يرى علي شريعتي أن مجاعة الفكر أخطر من مجاعة العيش، في إشارة إلى خطورة الأفكار المتطرفة المدمرة للمجتمع، وهي أسوأ في نظره من ثورة البطون الفارغة. إلا أن الأحداث التاريخية برهنت بالملموس أن ثورات الجياع كانت أكثر خطورة وتدميرا على المجتمعات الانسانية، وخصوصا في المجتمعات الثالثية، والتي يستمر وجودها بسياسة ملء البطون قبل كل شيء من طرف الساسة. فصناع القرار في مجتمعاتنا، اليوم، في ظل الغلاء الفاحش، ربما أرادوا التخلي عن هده النظرية، والبحث عن مبررات خارجية تتلخص في مشاكل الطاقة وتغير طرق الإمدادت الغذائية.
العيش الكريم لا يزال صمام أمان الشعوب الهامشية، شئنا أم أبينا، وسببا كافيا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني، والكل يعلم أن هاجس الحكومات في دول العالم الثالث متوقف بدرجة كبيرة بتمكنها من توفير المواد الأساسية حد الاكتفاء الذاتي والإشباع، ما دام الخبز الهاجس الأول والأخير لمواطن بسيط لا يهمه في الحياة إلا إشباع بطنه وبطون أطفاله.
ليس من المجدي، في الوقت الحاضر، وفي الظروف التي تعيشها المجتمعات المقهورة، أن نتحدث عن الفكر التنويري، وتجديد الخطابات، وإشكالات الإصلاح الاجتماعي، وإمكانية إعادة تشكيل الوعي الجمعي في مجتمع ما، دون الوقوف مطولا على كيفية تفعيل تلك الخطابات وما تنادي به من أفكار على أرض الواقع، ومن أين نبدأ؟ هل ملء البطون أم ملء العقول؟ والبحث بعد ذلك في آليات ومعوقات تحويلها، إلى ممارسات اجتماعية منتشرة بين شرائح مجتمعية مختلفة، لنرتقي بالمجتمع وبالوعي الجماعي.
آنذاك يتم نقل السلطة من الجهة الفاسدة نحو الإصلاحيين من خلال اجراء استثمارات محلية في الفرد والجماعة ينظمها المجتمع برمته، حينئذ يكون الوعي الجماعي بدأ في الانتشار.