الغرور وحبل المشنقة
توفي والده بالسجن و هو يقضي عقوبة حبسية بتهمة القتل الخطأ وهو يتابع دراسته الابتدائية ، وغادرت امه الى دار البقاء بعد معاناة مع المرض اللعين بتزامن مع اجتيازه لامتحان الباكالوريا الذي لم يحصل على شهادتها، غادر ” ميمون ” الشرق و حط الرحال بالجنوب بحثا عن فرصة عمل بعد ان فقد كل شيء بمسقط راسه.
استقر بإحدى مدن الجنوب و اشتغل بمحطتها الطرقية كجابي للتذاكر بتوصية من احد معارفه الذي كان يعمل سائق بإحدى الحافلات الرابطة بين الشرق و الجنوب ، سرعان ما وقع له خلاف مع مدير المحطة نتيجة الشكايات المتكررة بخصوص سلوكه مع المسافرين .
التحق للعمل بالميناء بإحدى المطاعم المتخصصة في أكلات السمك خصوصا و ان له تجربة كنادل بإحدى مقاهي المنطقة الشرقية خلال عطلته الصيفية ، استمر بالمطعم مدة سنة مكنته من ربط علاقات مع زبنائه .
سرعة بديهة ” ميمون ” و ذكائه المتقد وخفته أثارت انتباه احد رواد المطعم ، حاول التقرب منه اكثر لمعرفة كل شيء عنه .
تحسنت احوال ” ميمون ” المادية ، بدأ يهتم بنفسه ، بهندامه ، تغيرت اشياء كثيرة في حياته .
احدى ليالي نهاية الاسبوع قدم الزبون المعجب ب ” ميمون ” الى المطعم رفقة ضيوف له يبدو عليهم انهم من الوجهاء بالمنطقة ، كان حديثهم الذي كان يسترقه ” ميمون ” كله يدور حول السياسة و الانتخابات والاحزاب ، تكلف ” ميمون ” شخصيا بخدمتهم ، كانت عمولته مهمة جدا تلك الليلة قدمها له الزبون المعجب الذي عرف ” ميمون ” ان اسمه ” الحاج عباد ” من خلال الحديث الذي دار بمائدة الاكل ، واثناء المغادرة خاطب ” الحاج عباد ” ” ميمون ” ” تبارك الله عليك حمرتي لي وجهي قدام ضيوفي ” ، وانصرف الجميع …
توطدت علاقة ” ميمون” ب” الحاج عباد ” الذي كان رئيسا لجماعة و صاحب ضيعات فلاحية و قصر للضيافة بإحدى مناطق الجنوب ، معلومات تعرف عليها ” ميمون ” من بعد .
اقترح ” الحاج عباد” على ” ميمون ” بعد ان أحاط بكل جوانب حياته ، العمل معه بالجماعة كعون كونه تتوفر فيه الشروط المطلوبة ، وافق ” ميمون ” بدون تردد ، و سافر الى مسقط رأسه من اجل اعداد الوثائق المطلوبة .
فعلا تم توظيف ” ميمون ” كعون مؤقت بالجماعة التي يرأسها ” الحاج عباد ” وتم الحاقه بمصلحة الجبايات المحلية بجانب حيسوبي الجماعة ، وكان كل مرة يكلفه رئيس الجماعة بقضاء بعد اغراضه الخاصة .
ذكاء و سرعة بديهة ” ميمون ” ساعداه على التأقلم مع المهمة الجديدة و اتقانها واصبح ينوب عن الحسيوبي ويقوم مقامه في اجاز الكثير من الاجراءات المالية للجماعة .
جاءت فترة الانتخابات ، بعد ان قضى ” الحاج عباد” ولايتين على راس الجماعة ، كان ” ميمون” رقما مهما في الحملة الانتخابية ل” الحاج عباد ” الذي تقدم للانتخابات الجماعية للمرة الثالثة و الانتخابات البرلمانية لاول مرة ، كان الفوز حليف ” الحاج عباد ” اصبح رئيسا للمجلس الجماعي لولاية ثالثة بعد حصوله على الاغلبية المطلقة و برلمانيا عن المنطقة .
اصبح ” ميمون ” مدير اعمال ” الحاج عباد ” الرئيس و البرلماني و رجل الاعمال و امتدت كلمة ” ميمون ” حتى لمنزل ” الحاج عباد ” .
توسعت مهام ” ميمون ” خصوصا بعد تقاعد حيسوبي الجماعة وامتدت الى التدبير المالي للجماعة و الاشراف على بعض القضايا الخاصة ب ” الحاج عباد ” .
علاقة ” ميمون ” ب ” الحاج عباد ” جرت عليه الكثير من المشاكل سواء من طرف ابناء ” الحاج عباد ” او أعضاء و موظفي الجماعة و حتى من بعض الذين كانوا يستفيدون من قربهم من ” الحاج عباد ” ، تم حبك الكثير من المكائد ، ولعل حلول لجنة للتفتيش في مالية الجماعة من بين الشكايات الكيدية في مواجهة ” ميمون ” حيسوبي الجماعة.
احس ” ميمون ” ان حبل المشنقة يقترب من الالتفاف حول رقبته ، التمس من ” الحاج عباد ” الحاقه بإحدى الادارات العمومية للعمل بها لتغطية الخصاص خصوصا وان الكثير من المصالح المحلية عبرت عن ذلك من خلال طلباتها الموجهة للجماعة ، وتعيين احد الموظفين رئيسا للمصلحة المالية الجماعية عوضا عنه ، في بداية الامر لم يقتنع ” الحاج عباد ” بطلب ” ميمون ” لكن سرعان ما تبين له ان تواجد ” ميمون ” بجانبه قد يجر عليه الكثير من المشاكل هو في غنى عنها .
التحق ” ميمون ” باحدى المصالح المحلية كموظف ، نسج علاقات جديدة و تفوق في عمله الجديد و كسب عطف و رضى كل المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير شؤون المصلحة .
بعد قضاء فترة ست سنوات وفي ظل الخصاص في تدبير شؤون المصلحة اقليميا ، تم اقتراحه لمنصب رئيس مصلحة بعد ادراجه ضمن موظفي القطاع ، بعد ست سنوات من الممارسة ، ابان ” ميمون ” عن علو كعبه و حسه التدبيري في تدبير القضايا المصلحة اقليميا ، تم نقله الى احدى اقاليم الشمال ليتكلف بتدبير وحدة مديرية اقليمية مستقلة .
مجال ترابي جديد ، بحمولات ثقافية جديدة ، رهانات سياسية و اجتماعية مختلفة ، عالم يختلف عن الفضاء الذي صقل تجربة ” ميمون ” بالجنوب .
تعرف ” ميمون ” عن رئيس البلدية مقر المديرية التي يشرف على تدبير شؤونها السيد ” المستاري ” الذي يختلف في كل شيء عن ” الحاج عباد ” .
كان الرئيس هو بوصلة ” ميمون ” التي تضبط تحركاته .
راح ” ميمون ” الذي فرشت له الورود تحت اقدامه ، ذاق كل ملذات الحياة ، ركب سيارات لم يكن يراها الا في أفلام هوليود لما كان مسيرا لمطعم السمك ، حضر سهرات فيها كل ما لذ وطاب ما أشبهها بالليالي الماجنة لألف ليلة وليلة ، عرضت عليه مغريات جعلته يلعن ايامه التي قضاها بجانب ” الحاج عباد ” .
كان ” المستاري ” الرئيس هو السائق و المرافق ظل ” ميمون ” الذي لا يفارقه .
اضحى ” ميمون ” خاتما مطواعا في يد الرئيس الصديق لا يخالف له امرا ، ينجز و يوقع كل ما يطلب منه من وثائق بتوصية من ” المستاري ” ، لا أعداء ولا مكأئد تحبك له كما السابق .
في احدى الليالي ، شعر ” ميمون ” بالوحدة وضيق الصدر ، اتصل بالرئيس الصديق من اجل الخروج معه و الترويح عن نفسه وجد هاتفه خارج التغطية ، عاود الاتصال دون رد وخلد للنوم على نغمات اغنية ” الدنيا كدا ” بصوت سميرة بنت سعيد .
في الصباح الباكر رن هاتف ” ميمون ” ليطلب منه الالتحاق بالمديرية لأمر هام .
وجد احد ضباط الشرطة اخبره ان ” المستاري ” القي القبض عليه من اجل قضايا مختلفة منها الاستيلاء على املاك الغير باوراق مزورة و الاتهام بالتجارة في الممنوعات ، وأنه مطلوب لمصلحة الأمن ، نزل الخبر على ” ميمون ” كجبل من الجليد و راح يبحث عن اشياء لم تسعفه ذاكرته تذكرها.
احس ” ميمون ” ان حبل المشنقة قريب من عنقه و تمنى لو ظل بمطعم السمك ولم يغريه بقشيش ” الحاج عباد ” .
بعد البحث مع ” المستاري ” تبين ان الوثائق المدلى به تحمل خاتم و توقيع ” ميمون ” وانه كان من حين لآخر يستعمل هاتف المصلحة الخاص ب ” ميمون ” للتواصل مع بعض متعاونيه .
اعترف ” المستاري ” بكل المنسوب اليه والمدون بمحضر الضابطة ، ولم يجد ” ميمون ” ما يدافع به عن نفسه ، وكان رده على الضابط و النيابة العامة و التحقيق و قاضي الحكم بكلمة واحدة ” الله يدير تأويل الخير، هذا ما كتب الله ” .
صدر الحكم بالادانة و طرد من الوظيفة وضاع المستقبل .
الجديدة في 2020/09/28