أمنة برواضي في حوار “مع الناقد “(أسئلة الباحث العربي )
( الجزء الثاني) الحلقة 7 مع الأستاذة غفران سليمان
أولا أرحب بالاستاذة غفران سليمان، وأشكركم على تفضلكم بالإجابة على أسئلتي. ليكن أول سؤال:
1- من هي غفران سليمان كوسا ؟
أشكرك لاهتمامك والإضاءة على طريقي، والوقوف معي للحديث عن اهتماماتي الأدبية والإنسانية، ومنحي شرف اللقاء بك كروائية متميزة وإنسانة عرفْتُ اسمها منذ سنوات وتمنيت اللقاء بها وقراءة إبداعها…
من هي غفران سليمان؟
قبل أن أكون كاتبة كنت إنسانة ومواطنة تعشق تراب وطنها الذي عرفته من المحيط إلى الخليج، عشت طفولتي في الريف، تسلقت الجبال، وأمسكت المنجل، خبرت صنع الرغيف… تعاركْتُ مع الطبيعة القاسية في طريقي إلى مدرستي التي كانت في قرية بعيدة… بعد الشهادة الثانوية درست في العاصمة، ومن يومها أسرتني حياة المدينة… أنعم الله علي بالأمومة، ومثل الجميع أخوض هذه الحياة…
2 – أستاذتي الفاضلة شاركت في العديد من المجموعات الشعرية والقصصية مع العديد من أدباء الوطن العربي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر :
- _ أشرعة من ضوء،
- (ديوان منارات،/ سورية
- _ ترانيم القصص الجزء الرابع،مشترك مصر
- صليل الحروف قصص قصيرة مشترك ،مصر
- قلب واحد، مشترك مصى
_ ملوك الياسمين(شعر)،الموسوعة العربية للقصة الومضةج1””العراق
_ كما صدر لك كتاب الكتروني قصص قصيرة جدا يعنوان /عيون تنتظر الفجر/_ وكائن حي مجموعة قصصية نالت مرتبة متقدمة في مسابقة دمشق للقصة القصيرة جدا
ولك روايتين: - عندما أعيد خلقنا
- قبور الأحياء.
ماذا يمكنك أن تقولي لنا عن مسيرتك الإبداعية ؟
- حبوت بجوار والدي، وهو يرتل آيات الذكر الحكيم، وقصت لي أمي بعد أن كبرت قليلا أحسن القصص، قرأت وأنا صغيرة قصص المكتبة الخضراء المعروفة ، و وجدت في مكتبة بيتنا الصغيرة ، مجموعة جبران خليل جبران، وضمائر حية، والمسيح يصلب من جديد، وديوان البياتي، … فكان الكتاب حبيبي الأول ، ومهما شغلتني الحياة يبقى هو في صدارة اهتماماتي، ولسنوات قرأت مئات الكتب، وامتلأت روحي بكنوز الكتب، و تشربت أعماقي كل متعها، حتى فاضت بما بدأت بكتابته، ربما ولدت بموهبة القراءة، وهذه الموهبة تصنع كاتبا، ولكي لا يجف منهل كتاباتي، ولكي تتجدد معارفي أملأ وقت فراغي بقراءة عشرات الكتب سنويا، وأستمتع بكل فكرٍ جديد، وعندما أعود إلى قلمي ينزف عصارة ما استلهمته بلغتي وأسلوبي.
- – ماهي الصعاب والعراقيل التي واجهتكم خلال مسيرتكم الابداعية؟
- الصعاب التي مازالت تواجهني هي النشر، وإيصال رسالتي إلى المكتبات ومنها إلى القراء، فمواقع التواصل هي وسيلة ناجحة بلا شك والدليل أنك تراسلينني اليوم من المغرب، لكنها مع ذلك تعتبر مع الزمن وسيلة واهية كبيت العنكبوت إذ بلحظة قد تغلق صلة الوصل بيننا، مع جميع صفحاتي فيضيع وينسى اسمي وما كتبت على تلك المواقع الضوئية، أما الكتاب الورقي فهو الرسالة التي نرسلها وتبقى خالدة يقرأها الناس حتى بعد أن نفنى، وإلى اليوم نقرأ بشغف بوشكين ، والابشيهي، و جلال الدين الرومي… وقد انقضت عصور من مرورهم على هذه الأرض .
- – سؤال مرتبط بما سبق كيف يواصل المبدع الكتابة في ظل كل هذه العراقيل؟
- لا يمكن إيقاف تدفق النهر، لا صحراء، ولا أيكة غناء، الكاتب سيكتب ولو على الرمال، تفيض روحه عذوبة بالجمال، ووجعا بالآلام، وحلولا لمشكلات وطنه، ومواساة لأبناء جنسه…وهذا الدفق يتحدى الصعاب، ولولا ذلك ما وصلنا أدب السابقين من أبناء أمتنا، فنحن شعوب محكومة بالحروب، ومنها تولد العراقيل والصعاب، وللأسف لم نتحرر في يوم رغم أعياد الاستقلال التي نهلل فيها…فبلداننا غنية، ويجدر بالانسان العربي الفطري أن يعيش إنسانيته…
– لكم تجربة في النشر الإلكتروني كيف وجدتم هذه التجربة مقارنة بالنشر الورقي؟ لكم الكلمة .
- بصراحة ومن تجربتي ما النشر الالكتروني إلا «كالصيد في الماء العكر» نتائجه غير مضمونة، وغير ملموسة، وأنا مع مقولة لا شيء ثابت فلا بشاعة بالمطلق، فالفائدة الوحيدة من النشر الإلكتروني هي حماية ملكية ما ننتجه من أدب كان ليضيع بين رفوف المسودات، وعلى الصفحات الشخصية.
– ما علاقة ما تكتبه القاصة والروائية غفران سليمان بالأحداث التي يعرفها العالم العربي وبالتحديد الشام؟
- لا أكتب كلمة واحدة إلا متأثرة بجوانب هذه الأحداث، اهتم بالقضية الفلسطينية، وكتبت قصص قصيرة عنها وعن مفاتيح القدس، وكتبت عن غزة، وجنين، عن الشهيد، وعن الأجنة الهاربة من وراء أسوار السجون، و أحاول جاهدة من خلال كتاباتي إيصال رسائل طافحة بالواقعية، و صورت في رواياتي ويلات الحروب التي عانى منها الإنسان العربي والسوري تحديدا بسبب الانقسامات، والأمراض الجسدية والمجتمعية، والنكسات المتكررة والتفاوت الطبقي، والتناقضات، والفساد، ومن يقرأ قصصي القصيرة جدا يقرأ يوميات مشفرة بلغة القصة، أقتنص اللحظات العابرة للأمهات الثكالى، والأيتام، وفرحة العروس، والحب، وأثبتها على الورق ، وكل همي تقديم نص مكتنز جديد ومحبب للقاريء ، يقرأه في بيته فأشكل له صورة تليق بالأدب، كتبت عن حربنا الكثير، عن الإرهاب، والياسمين، من يتعمق بروايتي /عندما اعيد خلقنا/اليوم بعد خمس سنوات من كتابتها يعلم كيف جرت الحرب وكيف انتهت قبل أن تنتهي، يعي تماما النتائج والأسباب…
– كيف ترى المبدعة غفران سليمان العلاقة بين المبدع العربي والنقد ؟
- معظم النقاد للأسف يقرؤون الكتب بناء على المقولة المشهورة بأن «النقد قيصر الأدب» فالمقربين من القيصر كتاب، والبعيدين متطفلين على الأدب… قلة من ينتقد بتجرد، بل نفتقد ذلك، وأيضا ما يلفت انتباهي في النقد العربي القوالب الجاهزة، يقرأ الناقد نصا ويقول عنه جميل وأسرني، لكن يصعب تجنيسه، لو كان رواية مثلا: يقال لا يشبه قالب الرواية العربية، ولا يحمل سمات النص التقليدي، تطرق لأمور محظورة، ابتعد… اقترب.. فقط بغية النقد للنقد، دون الغوص في المضمون وقراءة الإبداع الحقيقي الذي يكون ظاهرا، لا يخفى عن الناقد ذاته أنه نص يحمل رسالة، وهدفا ، ومبنيا بناء لغويا متينا. سؤال:
– هل أنصفكم النقد؟
- أعدم الإجابة الكاملة، حيث اقتصر نقد ماكتبت على ما حملته لي وسائل التواصل، صديق يمدح، وآخر يرجم، فكتبي لم تنشر في بلدي للأسف، علما أني حصلت على موافقة بالنشر والتداول لكنني لم أطبعها إلى الآن، وأما النقد الذي حملته لي مواقع التواصل الاجتماعي أنصفني نعم بل سعيدة به، إذ طبع الكاتب وعضو اتحاد كتاب العراق غانم عمران المعموري
كتابا ورقيا تضمن قراءة نقدية شاملة عن روايتي عندما أعيد خلقنا، وكتب الصحفي يحيى كوسى عن تلك القراءة :
الناقد العراقي غانم عمران المعنوري وهو يسلط الضوء على رواية عندما اعيد خلقنا للكاتبة غفران سليمان كوسا يضيف أبعادا جديدة إلى هذه الرواية التي تحتل أحداثها التاريخية والمدونة بلغة أدبية ومحملة بمعان مترابطة منذ الأزل إلى الأبد مرورا بما حصل في سورية في زماننا … من الواضح أن الناقد العراقي المعموري يتنظر من الكاتبة غفران كوسا أعمالا أكثر روعة وجمالا، ولهذا جاءت نصيحته إن تعتمد التشويق لجذب القارىء … الخالصة بهذا المستوى الرفيع من النقد الأدبي الذي حظيت به رواية ( عندما أعيد خلقنا ) فهي رواية فكرية وإبداعية وكل كلمة فيها موضوعة في مكانها ومبنية بإتقان كأهرامات الجيزة .
وأيضا الكاتبة فتحية دبش كتب عنها بمحبة ومن عدة جوانب، و الصحفية والأديبة الفلسطينية مريم حوامدة وكثير من الأصدقاء قالوا أنهم عاشوا معي الحرب والحب، والكورونا، وجمال الطبيعة، والمعاناة، مع ذلك البعض وجه لي عتابا بأنني تسرعت في النشر. - – أين يقف المبدع السوري اليوم مقارنة بباقي المبدعين العرب؟ وهل كان للظروف التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة تأثير على الإنتاج الأدبي؟
- يقف الأديب السوري كما في كل الأزمنة متربعا على عرش اللغة، فالأزمات تخلق الإبداع، القلم السوري خلال الحروب جميعها وفي حربه الأخيرة بقي محمولا في وجه البندقية، و طيلة سنوات الحرب، بقي ممتشقا للتهدئة، للتذكير بعراقة سورية وجلال حضارتها التي لا تستحق من أبنائها إلا الإخلاص والحب، اعتبر الكاتب سورية أمه المريضة، جلس إلى جوار رأسها بل قدميها وكتب لها وصفات الشفاء، أنهار الدم تحولت إلى مداد، لم تتوقف الأصوات الأدبية رغم الظروف القاسية، كنا نجتمع من كل المحافظات السورية لنقرأ شعرا وننشر المحبة، لنقول للعالم لا حرب بين السوريين، الحرب دخيلة سنطردها، أوجعتنا لكن الإنتاج الأدبي تضاعف مرات عن الفترة التي سبقت الحرب، حاولنا أن نكتب مرغمين براء الحرب كل الحب الذي توارثناه.
– ما هي علاقة القاصة والروائية غفران سليمان بوطنها العربي، والسوري على وجه التحديد، وبقضاياه على اختلافها وتشعبها؟
- علاقة الإبنة بالأهل، فالقضايا العربية شربناها مع حليب أمهاتنا حقيقة، نكست رأسي ، وبكيت بحرقة حين سقطت بغداد، تألمت للذل الذي استخدم بعيدا عن الهوية، عندما يذل عزيز الأمة تذل معه مهما كان سلطان أم ملك…
سورية هي الرحم الذي حمل أجدادنا وآباءنا، وحملنا نحن وستحمل أحفادنا أبدا ولم تتعب من حملنا في الماضي، وعندما هاجمتها الحرب لابد كنت من الأوفياء لها، نزود عنها وحافظنا بقدر ما استطعنا على وحدة ترابها، والإبن ينتقد أمه بينه وبينها، لكنه يدعمها ويمتدحها أمام الغرباء ،وهكذا كنت…
– ما هي رسالتكم للمبدعين الشباب؟
- أقول لهم: بلا شك أمتع اللحظات هي ولادة كتاب يحمل أسماءكم ، لكن الرسالة المكررة ليكون مولودكم جميلا كاملا يتكلم في المهد هي القراءة ثم القراءة، والاستمرارية، ستواجهكم جدران الصعوبات، ولكن بتحدي أنفسكم أولا وبتطويع اللغة ستصبحون يوما الأدباء الأصلاء وترشدون من يأتي بعدكم.
– قد يكون هناك سؤال أو أكثر تودون الخوض فيه والإجابة عنه، ولكنني لم أتطرق له، أرجو أن تضعوا السؤال وتتفضلوا بالإجابة عنه؟
شكرا لكم أستاذتي الفاضلة، وفقكم الله في مسيرتكم.
- ربما لم تسأليني عن الأطفال، هل كتبت لهم؟
ليس أمتع عندي من القراءة للأطفال، والكتابة لهم، وأنشأت لهم صفحة خاصة أنشر عليها قصصي التي أسعى بأن تيقظ عقولهم ، وترهف أسماعهم، …
وفي النهاية لا يخطر في ذهني إلا أن أحمل إليك باقات الحبق والزعتر والياسمين، متمنية لك المزيد من النجاح، والتوفيق وكل الخير والسعادة.