أخبارالرئيسيةفي الصميم

السيف والقلم في ملحمة الصحراء المغربية

يعيد “الحدث الافريقي” نشر هذا المقال المميز لكاتبه الدكتور عبد الحق المريني الموسوم ب “السيف والقلم في ملحمة الصحراء المغربية” والذي نشرته مجلة “دعوة الحق” في العدد 263 رجب 1407- مارس 1987، لكونه يعبر عن المرحلة التاريخية التي تعيشها قضية وحدتنا الترابية في لمة وتلاحم الشعب المغربي حول مغربية الصحراء..قراءة ممتعة..

تاريخ المغرب سلسلة من الملاحم الحربية والمعارك الضارية، خاضها المغاربة ليحافظوا على وحدة بلادهم، وليقفوا سدا منيعا أمام التسربات الأجنبية عبر شواطئه وليحملوا الرسالة الإسلامية التي حملها لواءها إدريس الفاتح، ولينشروا ذيول هذه الرسالة في الأندلس شمالا، وفي الأقاليم الصحراوية إلى وادي السينغال جنوبا.
والمغاربة كما عرفوا – عبر تاريخهم المجيد – لا يركنون للاستسلام واليأس، وإنما دأبهم أن يصبروا ويصابروا ويستلهموا من ذخيرة إيمانهم القوي “روافد من القوة والبأس الشديد لمجابهة التحديات ومطاردة الانكسارات”.
وشعراء المغرب لم يكونوا بمعزل عن قضايا بلادهم التاريخية ومعارك جيوشها وبطولات رجالها، بل قصيدهم سجلا لمفاخرها وملاحمها، وصورة وضاحة لتقاليد جنودها ومجاهديها العسكرية في معارك الشرف والدفاع عن الوطن والإسلام : الزلاقة، الأرك، وادي المخازن، تطوان، أنوال، أمغالا…

بقلم/ الدكتور عبد الحق المريني

وبقي – إلى يومنا هذا – جنود المغرب وشعراؤه متمسكين “بتقاليدهم” العتيقة التي اشتهروا بها عبر تاريخهم الحافل بالأمجاد : الأولون متوثبون متحفزون واقفون سدا منيعا أمام التحديات، حامون لوطنهم ولمقدساتهم من الأخطار المحدقة بها، والآخرون يرسمون لوحات شعرية للشهامة المغربية ويسجلون للتاريخ الوقائع والخوارق المثالية، في سبيل الحفاظ على الوطن والدين والوحدة الترابية.
وهكذا بعد أن حققت المسيرة الخضراء المظفرة أهدافها المرجوة، دخلت قواتنا المسلحة الملكية إلى إقليمنا الصحراوي المسترجع من يد الإسبان واحتلت جميع الثكنات والمراكز العسكرية في أواخر شهر دجنبر من سنة 1975، إلا أن جيران المغرب الحاقدين عليه لم يهدأ لهم بال بعد هذا الانتصار الساحق، فتوغل جيشهم داخل التراب المغربي، وتصدت له قواتنا المسلحة الملكية بما عهد فيها من قوة وبسالة، وردته على أعقابه منهزما في معركة “أمغالا” المشهورة (1976) التي يبعد موقعها عن تندوف ب 880 كلم، وقد أسفرت المعركة عن خسائر جسيمة في صفوف الجيش الجزائري الذي ترك مائتين من القتلى وعددا كبيرا من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وتقدمت قواتنا إلى “تفاريتي” ودخلتها دخول الظافرين، وإلى بير لحلو وكتلة زمور والمحبس، وبذلك سيطرت قواتنا على جميع النقط الإستراتيجية بالصحراء المغربية بعد انسحاب القوات المهاجمة منها مخلفة وراءها مجموعة كبيرة من الأسلحة والعتاد.
“إن القوات المسلحة الملكية – يقول قائدها الأعلى جلالة الملك الحسن الثاني بعد هذه المعركة – طلب منها الكثير، ولكن في آن واحد كان ذلك الكثير قليلا، لأنها قادرة على أن تعطي أكثر مما أعطت، طلبنا منها الكثير لأننا طلبنا منها التضحية لمدة طويلة في ظروف قاسية ومناخ صعب”.
وبقيت الحرب سجالا في الصحراء المغربية بين الجيش المغربي وقوات مرتزقة الجزائر المدربين والمؤطرين من طرف ضباط أجانب.
وفي 11 غشت من سنة 1979 دارت معركة حاسمة بين قواتنا وجيش من المرتزقة وهي معركة “بير أنزران” كانت من أكبر معارك الصحراء، تدخل فيها الطيران المغربي، وغار فيها على قافلة من 500 سيارة مصفحة يمتطيها العدو الغازي. واستشهد في هذه المعركة 125 من جنودنا الأبطال في يوم ذكرى معركة بدر، وترك العدو – في طريق انكساره – ما يفوق 500 قتيل بالإضافة إلى خسائره في العتاد والذخيرة الحربية.
وستظل – يقول القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية – موقعة “بير أنزران” في جبين الجيش الملكي والقوات المساعدة كتاج يدل على أن الجندي المغربي لازال ذلك الجندي المغربي الذي له قيمته النضالية المعروفة في الشرق والغرب…”
وبعد هذه المعركة دخل جيشنا إلى إقليم وادي الذهب، وضم هذا الإقليم إلى أقاليم المملكة، وأطلق على هذا الدخول “عملية قدر”. وفي هذه الوقعة التاريخية ينشد الشاعر محمد الحلوي قصيدته اللامية التي يصف فيها كيف جر الأعداء ذيول الخيبة والتقهقر، وكيف تصدى لهم أبطالنا بكل شمم وإباء :
ذكـرتـنـا يـا أنــزار مــلاحـمـــا        خـضـرا وأيـامـا بـهـن طـــوالا
مـن ضـل عـن وادي المـخــازن يلقنـا    فـي سـاح أنــوال و فـي أمـغــالا
جــاؤوا يـجــرون الحـديـد  بجحـفـل   يمشـي الهـوينـي شـامخـا مخـتـالا
فتجـرعــوا كــأس المنـأيـا  متـرعـا      واستقبلــوا مـن جيشنــا أعـــوالا
و لـولا فـلـولا خـلـفـت أثـقـالـهــا     ومضـت بسـابـق خطـوهـا الآجـالا
تـركـوا ضحـايـاهـم و جـروا خلفـهـم  فوق الثـرى – مـن عارهـم – أذيـالا
مـا كـان أشـأمـه لـقـاء  زلــزلــت        فـيـه طـلائــع شـرهـم زلــزالا

ثم يهدد الشاعر كل متسلط على المغرب وحدوده المشروعة بسوء المصير :
إنـا قــلاع شـامـخـــات لـم تــزل         تعـي الخطـوب وتقهــر الأهــوالا
و حـدودنـا مـن يقـتـحـم أبـوابـهــا        يلـق الحـمـام مـكـشـرا  صـوالا
والنعــل حـاضـرة إذا عــادوا إلـــى      صحـرائـنـا ليكـسـروا  الأقـفـالا
والحـرب لا تـفـنـي الشـعـوب وإنـمـا     تفنـى إذا لـم تنـجـب  الأبـطـالا !

ويسجل الشاعر محمد عبد الرحمان الدرجاوي هذه المعركة في “سجل المفاخر المغربية” :
فـأيــام ” أنـزران ” تـظـل  تــاجــا   علـى رأس الـزمـان دلـيـل شـان
تضـاف إلى ” المخازن ” فــي سـجـل   ملـيء بالمفــاخــر والمعــانـي
سنجعلـها – ونـفـخـر – عـيـد فـخــر ينوب مـدى الـزمـان عـن  العيـان

وتتوالى المعارك في الصحراء المغربية بين قوات الحق وقوات الباطل، ويبارك الله رباط قوات الحق والعدل، ويؤيده بنصر من عنده ويهزم رباط الباطل والعدوان، لأن “مرتزقته” يقاتلون بغير نجدة، ويخاصمون بغير حجة، ويصارعون بغير سند.
وتقوم معركة حاسمة أخرى : معركة “سمارة” (6 أكتوبر 1979)، ويبدأ هجوم الأعداء بمجموع حوالي 5000 مرتزق يمتطون 800 سيارة، معززين بالأسلحة الخفيفة والثقيلة وبالمدافع والقاذفات والصواريخ المزدوجة الفواهات.
وكانت المعركة حامية الوطيس، ودامية من خلال الالتحام الجسدي، وتدخلت القوات الجوية الملكية في المعركة، وتوالت غارات طائرات “الميراج” النفاث مسددة إلى صفوف العدو الضربات القاسية، وكانت شجاعة ربابتها تتحدى صواريخ “سام” وكانت رغبتهم في إصابة الأهداف بادية جلية.
وقد اعتاد المرتزقة أن يختاروا الليل لعمليات فرارهم، فلجأوا إلى تنظيم انسحابهم، ولكن تقهقرهم الليلي مزقته غارات الطائرات والقذائف على جميع المحاور. وتخلصت “السمارة” من براثين العدو لتبدأ المطاردة طوال الليالي والأيام الموالية. ولم يسبق لعدونا أن عرف هزيمة وتمزقا بهذا الشكل العنيف، فقد خلف وراءه أزيد من 1000 قتيل و 300 سيارة محطمة وعددا من الأسلحة الثقيلة، وسقط في ساحة الشرف من جانب المغاربة 121 ما بين شهيد وجريح.
لقد كانت معركة “سمارة” منعطفا خطيرا في هذه الحرب، فلم يسبق للعدو أن جهز مثل هذا العدد من المرتزقة والأسلحة، ولا استهدف هدفا بمثل هذه الأهمية، ولا نظم معركة تقليدية مثل هذه المعركة، إذ كان يخوض في السابق “حرب العصابات” التي تقتضي اختزال عدد المحاربين، واستعمال الأسلحة الخفيفة والتركيز على سرعة الحركة.
ولكن الله خيب مسعاه ورد كيده في نحره.
وقد أجاد الشاعر أحمد عبد السلام البقالي في وصف مراحل هذه المعركة الفاصلة بقصيدته الدالية :
أتـوا بـجنـودهـم بيـضــا و ســـودا        وسـاقـوا مـن عبيـدهـم حشــودا
أحـاطـوا بـالـسـمـارة مــن ثــلاث        وصـبـوا الـنـار فيهـا والحـديـدا
وقـد ربـطـوا إلـى الآلات ربـطــــا      ليبقـوا صـامـديـن لكـم  صمـودا
أتـوا ليـحـقـقـوا حـلـمـا قـديـمــا     لأسيـاد لـهـم كـانـوا  عـبـيـدا
فـلـمـا أفـرغـوا مـا فـي  جـعــاب        لهـم تـرمـي الصواعـق و الرعودا
تصـديـتـم لـهـم فـحـصـدتـمـوهـم        طـلائـــع أو قـــوادم أو ردودا
خـرجـتـم يـا جـنــود اللـه فـيـهـم        خناجـر منهمـو تفـري الجـلــودا
وإذا كبـرتمـو وجـفــت  قـلــــوب       عنـاد الكفـر جمـدهـا  جمـــودا
فـولـوا والصـواعـق تـقـتـفـيـهــم        ويمـم منهمـو النـاجـي الحــدودا
وصلــى جيشـنــا للــه  شـكـــرا        وخـر المـؤمنــون لـه سـجـودا
وكـلـل بـالفـخـار  مـجـاهــدونــا        وشيعـت الـزغـاريـد الشـهـيـدا

ووصف الشاعر محمد بن محمد العلمي كيف سفه الله أحلام الطامعين في هذه المعركة بقوله :
وللسمـارة قـد جــاؤوا  بـشـرذمـــة     لكـن غـدرهـم – تاللـه – لم  يفـد
لـم يصمـدوا حـيـن لاقـونــا بمعركـة   بـل أصبحـوا طعمـة للنـار و الكمد
وسـفـه الحــق أحـلامـا لبـاطـلـهـم  فهم جنوا لعنـة التمزيـق و الحـسـد
إن الجـنـود جـنـود اللـه قـد  بــرزوا   للمـارقيـن وفيـهم صـولـة الأسـد
إنـا حصدنـاهـم حـصـدا و أجمعـهــم   صيدوا فلم يجدوا في الهـول من سنـد
فـر الأعـادي ونـار الـحـق تمحـقـهـم   محقـا فلـم يفلحـوا بالعـد والعــدد

وتشن قواتنا المسلحة الملكية في نونبر 1979 عملية اكتساح هائلة لشرق الصحراء المغربية بحثا عن المرتزقة الذين اتخذوا الجيوب الصحراوية ملاجئ لهم، وشارك في هذه العملية ما بين 6000 و 7000 جندي مغربي، وأطلق على هذه العملية اسم : “عملية أحد” تيمنا بمعركة أحد التي وقعت في عهد النبي (صلع). وقد عززت هؤلاء الجنود الوحدات التي شاركت في معارك الجولان وسيناء، وكونت جميعها وحدة قتال متكاملة ومستقلة محمية من طرف طائراتنا الحربية، وتوجهت نحو الحدود الجزائرية، لتصد عن الحدود المغربية هجومات المرتزقة.
وقد وجه الشاعر محمد بن محمد العلمي “تحية شعرية” إلى هذه العملية العسكرية الرائعة يقول فيها :
يستـوقـف الـوطـن التـاريـخ  في أحـد     فيبعـث الهمـة الشمـاء في بلــدي
إن الجنـود بـنـاة المـجـد فـي  ثـقــة  قـد أورثـوه ضميـر الأهـل و الولد
و علمــوا تلـك الأجـيـال غـيـرتـهـم  ونحـن عن سنـة الأبطـال لم  نحـد
كـان التحـدي لنـا رمـزا نـعـز بـــه  فنحن أهـل النهـى و العـزم والجلـد
إنا لشعـب الفـدا تعـنـو الصعــاب لـه     أكـرم بشعـب شديـد البـأس متحـد
نصـون هـذا الحمـى من كـل  مـرتـزق  وتفتـدي عرضـه بالـروح و الجسـد
وتتوالى الاعتداءات الشنيعة على سلامة حدودنا ووحدة ترابنا، وتواجه قواتنا هذه الاعتداءات بما عهد فيها من شجاعة وعزم وحزم وقوة. فيقول القائد الأعلى جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله – الساهر الأمين على وحدتنا والدفاع عن مقدساتنا – عن هذا الموقف البطولي لقواتنا المسلحة الملكية : “فلولا يقظة قواتنا المسلحة الملكية والدرك الملكي وقواتنا المساعدة، ولولا صمودها ووقوفها سدا منيعا وحصنا حصينا، ولولا شجاعتها المنقطعة النظير وبطولتها التي سارت بها الركبان وتضحياتها بأغلى ما يضحى به الإنسان، لتم ما لأعدائنا ما يريدون من الاستيلاء على جزء عزيز من ترابنا، ولتحقق لهم ما يبتغون من تطويق بلادنا، إلا أن قواتنا ما فتئت تتصدى لكل هجوم غادر يصوب نحو أراضينا وكل عدوان غاشم يسدد إلى مختلف الجهات من جنوب مملكتنا بذكائها المعهود وحزمها المألوف، وشكيمتها القوية، وبأسها الشديد”.
وهنا يكبر الشاعر مصطفى الطريبق عزيمة قواتنا الوثابة ووقوفها الصامد أمام تحديات خصومنا، وما تتحلى به في ساحات الوغى وحومات الصراع من أصيل الشيم الحربية، وعريق الفضائل العسكرية :
أكبـرت قـدرتـه فجـئـت  مــوافـيــا           بتحـيـة، والشعـر عنهـا يـعـرب
مـن عهـد إدريـس وكــل فـعــالــه        شمــس تشع ونورهـا لا يـغـرب
هـو جيـش تـاشفيـن و جحـفـل طـارق  مـن عـن بـطـولاتـه لا يكـتـب
عـن حـوضـه دومـا يـذود بمـنـعــة     ويبيـد أعــداء البــلاد ويشجـب
يحمـي الحــدود بكـل حـزم ثـابـــت     ويرد عـدوان الخصـوم و يغضـب
سل أرضنـا الصحـراء كـم أبــدى  بهـا من صولـة وشجاعـة تستـغــرب
هـو حـارس الصحراء ليـس  بغـافـــل عنهـا فمن ذا من حمـاهـا يتقـرب
ويشيد الشاعر عبد الواحد أخريف هو الآخر بالدور البطولي الذي تقوم به قواتنا المسلحة الملكية بأقاليمنا الصحراوية المسترجعة، لصد عدوان المعتدين، والتصدي لأطماع الطامعين، ومأمرات المتآمرين في قصيدة له :
صحـراؤنـا قد أعدنـاهـا فغـاظ لهـا        خصـوم وحـدتنـا وانتـابهـم  ألــم
جـروا علينا حروبـا صـاح  صائحهـا        ببـاطـل الحـديـث الكـفـر عندهـم
الـحـق رائـدهـا والـعـدل ديدنـهـا لـذاك       لا ينطـوي فـي زحفهـا  علـم
وفـي طليعتـهـا جيــش كـأنـه لـه        مـن الحمـايـة حصنـا ليـس ينهـدم
وقـايـة اللــه ظـل فـوق وثـبـتـه          وعـزمـه الحسـن الثـانـي له  شيـم
يخوض في مهمـة الصحـراء معتـركـا  لو خاضه الصيـد ما فـازوا ولا سلمـوا
ويتحدى الشاعر عبد الكريم التواتي هؤلاء المارقين المعتدين الذين يصطدمون في كل مرة – يهجمون فيها على ترابنا ويعتدون على حدودنا – بالقوة التي لا تخور والعزم الذي لا يلين والاقتدار التام على الثبات والصمود :
لا تسـألونـا نـزوحـا عـن مشاهدهـا          فهـي الـدمــاء وأحشــاء وأبــدان
لا تسـألونـا نـزوحـا عـن  مرابعهـا      أيهجـر الـوطـن المحبـوب إنسـان !؟
نحبـهـا ونـفـديـهـا بمـا  مـلكـت         أرواحـنـا وحنـايـانـا وأجـفـــان
بئـر أنـزران وأمغـالا ومـا شـهـدت         أرض السماري و سـاح الـزاك برهـان
والمحبـس الصامـد الأبطـال شـاهـدة        سـاحـاتـه أنـهـا روح و جـثـمـان
علـى مشـارفهـا نـادت  جحـافـلنـا       اللــه أكـبـر أجـبــال و غــدران
أسيـافـنـا مشـرعـات لا غمـود  لها     هي المنـايـا : خطـاطيـف وغـيـلان
“فانظمـونـا” تحرق الأعــدا وتمحقهـم       فهي الصـواعـق “والميـراج”  عقـبـان
نقـض مضجـع مـن جـاروا واعتسقوا       عقبـى البـغـاة تبـاريــح وخــذلان
ويحل شهر أكتوبر من سنة 1981 وتتعرض “كتلة زمورء إلى هجوم غادر قات به عصابات المرتزقة المدججة بالمصفحات وبقواعد لإطلاق الصواريخ، وقد بلغ عدد أفرادها 3000 مرتزق، وقامت معركة صاخبة بين المرتزقة وجنود قواتنا البواسل الذين أمطروهم بوابل من قصف مدافعهم، تكبد في آخرها العدو خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد الحربي الثقيل واستشهد في صفوفنا شهداء أبرار. ودامت المعركة أسبوعا كاملا وكانت من أكبر معارك الصحراء وأشدها ضراوة، وقد تميزت منطقتها بالممرات الحلزونية المتداخلة وبأكمات صخرية سوداء أتاحت إقامة الكمائن الخطيرة التي عاقت تقدم قواتنا وعرقلت تحركاتها السريعة.
فانتصب الشاعر محمد الحلوي “يملي على التاريخ” أروع قصص البطولة والشهامة والإباءة من خلال معركة “الكتلة” :
كـالأطلــس الجـبـار أو كالــمـارد          وقـفـت وقـوف المغـربي  الصـامـد
تمـلـي علـى التـاريـخ أروع قـصـة   لنضــال شـعــب مستميـت ذائــد
وعلـى روابيـهـا أســود أقسـمــت          أن لا تـدنـسـهـا ذئـاب الـحـاقــد
حتـى إذا اقتـحـم الـعـدو عـريـنـها          ورمـى معـاقلهـا بـجـيـش حـاشـد
فتحـت مخـازن نـارهـا و صـدورهـا       واستقبلــت بـالـمــوت ألام وافــد
حشـدوا لهـا أقــوى العتــاد وعبـأوا    لسقوطهـا المـوهـوم جهـد  الجـاهـد
حتـى إذ أوهـن النـطــاح  قـرونهـم    واستصعبـوا ضـرب الحـديـد  البـارد
ولــوا علـى أعقـابهـم و نـسـورنـا     في الجـو تمطـرهـم بمـوت قـاصـد
لا “ســام” يـرعبهـم إذا مـا  يمـمـوا   أهدافـهـم مثـل القـضـاء الـواعــد
ومتـى تخـوفـت النسـور فلـم تطــر   في الجـو خوفـا مـن رصاصـة صائـد
يـا يومهـا والشـمـس در شعـاعـهـا    ذهبـا علـى ذهـب الكثـيـب  المـائـد
دوت مـدافعـهـا فـزلـزلـت الـربـى     وأضـاءت الصـحـرا بـنـور  واقــد
و تفـجـرت بــرك الجحـيـم كـأنهـا    سيـل مـن اللهـب المـطـل الصـاعـد
و تـلألأت الـلــه أكـبـر صـيـحـة       معصــورة بـفــم وقـلــب واحــد
فـإذا الـرمـال مصـارع مخـضـوبـة   بـدم الأشـاوس والـرعيـل الـرائـــد
و إذا البـطـولـة فـي مـعـالـم كلتـة          حـدث علـى الإيـمـان أوفـى  شـاهـد
لـم تشهـد الصـحـراء يـومـا مثـلـه     في حـربـهـا للأجـنـبـي  الـبــائـد
أبطـال كـلتـة مشـعـل يـزهـو  بـه جيـل   المسـيـرة مـاجـدا عـن مـاجـد
وبإيحاء من جلالة الملك الحسن الثاني شيدت قواتنا المسلحة الملكية خطا دفاعيا وحزاما أمنيا يمنطق صحراءنا من جميع جوانبها، ويحمي مراكز الدعم والدفاع المبثوثة في ساحاتها ويحصن الوحدات المرابطة بها.
ويمتد هذا الحزام أو هذا الستار الترابي الكبير من المحيط الأطلسي غربا إلى جهة الشرق نحو موريتانيا، ثم ينحرف شمالا في اتجاه مواز للحدود الجزائرية.
ويتكون من عوائق ترابية عالية محمية بحقول الألغام والرادار والأسلاك الشائكة وآلات الإنذار الإلكترونية، وتحرسه عدة وحدات متنقلة عبر مساحات شاسعة الأطراف، وهو ليس – كما يقول بعض المحللين – كمثل تلك الخطوط الدفاعية المشهورة في تاريخ الحروب والمعارك، مثل خط “ماجينو” بفرنسا، أو خط “بارليف” بصحراء سيناء، فهذان الخطان كانا دفاعيين فقط، أما الحزام الأمني المغربي فهو يتميز بكونه خطا دفاعيا وهجوميا في آن واحد، حيث يشتمل على مراكز الدعم، وتتمركز فيه وحدات سريعة التحرك والمباغتة، لا يستطيع العدو أمامها أن يتجمع على مهله للقيام بهجوماته المرتقبة.
وقد أعد هذا الجدار هذا الإعداد الضخم لإحباط المناورات العدوانية والهجومات السافلة التي تقوم بها عصابات البوليساريو المكونة من المرتزقة العاطلين المأجورين، ومن عناصر أجنبية تنتمي إلى الساحل وتعاني من الجوع والحرمان أشدهما وتضع نفسها في “فم الذئب” كما يقال.
وهؤلاء المرتزقة الذين تقف قواتنا المسلحة في وجههم سدا منيعا – ليسوا فقط معتدين آثمين، بل هم أيضا في ذات الوقت – يقول جلالة الملك نصره الله – زنادقة وملحدون “إذ أنهم لا يتركون مناسبة مقدسة جعل الله منها أيام تراحم وتواصل وطمأنينة كحلول عيد الأضحى أو عيد المولد النبوي الشريف أو عيد الفطر دون أن يتسببوا في إراقة الدماء، ولكن عقاب الله تعالى وعذابه لهم كانا شديدين في كل مرة أقدموا فيها على ارتكاب هذه الانتهاكات السافرة”.
فقواتنا المسلحة الملكية تقف في وجه هؤلاء في أيام الأعياد أو في غيرها – سدا منيعا متحلية بالإيمان القوي والشجاعة والإقدام، وبالمعنويات العالية وبالروح القتالية العريقة وبالمهارة واليقظة للدفاع عن المكتسبات الوطنية وللحفاظ على الوحدة الترابية ولضمان الأمن والاستقرار في أقاليمنا الصحراوية المسترجعة.
ويردد الشاعر ج عمر بوستة أصداء هذا الجدار الأمني وحنكة رجاله وجنوده، وما آثاره من إعجاب وإكبار عبر العالم بقوله :
رجــال أقـامــوا الـجـدار وبــاتـوا             علـى أمـن صحرائنـا سـاهـريـن
وكـانـوا الـوفـاء وكـانـوا الرجـاء        علـى كسـر كيـد الـعـدا قــادريــن
                                * * *
يـحــاول خصمـهـمـو عـبـثــا            فلـن يطـفـئ الشـعـلـة  الخــالــدة
فـشـلـت يـداه وخـر صـريـعــا            فلـن تـرض ــخ الـقـوة الصـامـــدة
                                * * *
أبـاة عـزيمـتـهـم لـن  تـليـــن              بنـشــوة نـصـرهــم  يـفـخــرون
مفـاخــرهــم كتـبـت للـخـلـود                 مـآثـرهـم تـتـحـــدى الــقــرون
                                * * *

علـى الـخـط خـط الـدفـاع وقـوف             تـصـد صـدورهـم  الـقــذفــــات
و تسـقـي الـرمــال دمــاءهـمـو           فتخـضـب مـنـه الأراضـي الـمــوات
                                * * *
رأيـت الـجـدار جــدار  الصـمـود              جـدار أقــامـــه جـيــش قـــوي
فـإنـه ســد منـيــع عـتـيـــد                 وجـيــش لـحـب الإمـــام وفـــي
وما فتئ شعراؤنا يتحدون المهاجم الغادر على مدى معارك الصحراء، وينعتونه بأبشع الأوصاف، ويكيلون له ما في “كنانتهم” من نبال الهجو والازدراء، بعدما فتكت به “نبال” القذائف النارية، ويفتخرون عليه بما أفاء الله على جنودنا من قوة وبأس شديد وجرأة نادرة في التضحية والاستشهاد دفاعا عن الحق.
يقول الشاعر المرحوم عبد الرحمان الدكالي :
إن لنـا ديـنـا عـظـيـمـا وعــزة        وحصـنـا حصـيـنـا مشمخرا مـوقـرا
وجيـشـا قـويـا للـبــلاد و جندنـا           له فـي مجـال الحـرب أكثر من  ذكـرى
رجـال أبــاة قــوة وشـجـاعــة       يريدون كسب المجـد والـعـز والنـصرا
يـذيـقـون كـأس الـذل كل  مهاجـم        ومغتصـب للأرض الـذي قـد  تنـكـرا
وجـار على الصحـراء رغـم جـواره     وأمعـن في جـزم وقـد ركـب الخسـرا
وإن لـنـا صحـراءنـا وبـلادنـــا           ولـن تستهيـن الأرض والجـو والبحـرا
ويذكر الشاعر عبد الكريم الوزاني أولئك الذين وصمهم الله بضعف الذاكرة، بما حبانا الله من صدق العزيمة وقوة الشكيمة وهول العراك ومضاء السلاح :
الحـرب نـركبهـا كـأي مـطـيــة           نسقـي المنـيـة مـن تكـابـر وادعـى
إنـا جنـود لا نـهـاب  ضـرامـهـا     مـن دال بـادت ريـحــه وتشـفـعـا
الرمـل يشهـد عـن براعـة جنـدنـا        والنخـل أثمـر فـي القفـار و أتـرعـا
ولكـم ركبـنـا البـرق نستبـق العـلا        نطـوي هضـاب الرمـل نرسم  مرتعـا
إن كنـت جـارا فـالـجـوار سماحـة    و مـن البليــة أن تـجـاور بلـقـعـا
إن شئـت مارسـت السيـاسـة ملهمـا   أو شئـت مارسنـا الطـعـان وأفظـعـا
لـن يرجـع التـاريـخ وزرا  للـورى        فاقـرأ رقيمـك واتخـذ لـك مـرجـعـا
ويعطي الشاعر المهدي الطود درسا في التاريخ للذين لا يستحصون من أحداثه الموعظة والعبرة والذكرى.
من مـر فـي وادي المخـازن  فليسـل     مـا بـال أشـلاء هـنــاك تـبـــدد
ولمـن غـدت لشـبـونـة وحلـيفهـا     تعنـو و فـي القصـر الكبيـر المـقـود
ومـراقـد الأبطـال أصــدق شاهـد    خبر اليقيـن لـدى جهـنــة  مـسـنـد
عـدتـم وذكــر القـادسيـة  خلفكـم    وأمامكـم يـذكـى الحمـاس و يصـعـد
و بعثـتـم اليـرمـوك مـرعبـة لهـا   عـود علـى بــدء تـئــن وتـرعـد
ويرسلها الشاعر مصطفى طربيق صيحة مدوية باسم كل جندي مغربي في وجه كل عنيد متنطع أعمى الله بصيرته وطمس قلبه :
إننـي للـبــلاد حـصـن مـنـيـع       أغـتـدي فـي حـمـاسـة للجـهــاد
لسـت أخشـى الوغـى و لا أتـوانـى     إن دعانـي للـذود صــوت الـبــلاد
أصـرع الـمـوت في انضبـاط وعزم    و إبـاء يـهـاب مـنـه الأعــــادي
فـي الفيـافـي و فـي البحـار  أراني     مثـل نسـر وفـي السـمـاء أنـــادي
أمـحـق الـشـر أخـدم الحـق  عبدا   أدفـع الضـيـم والأذى فـي  انـقـيـاد
هكـذا همـتـي سـلـوا إن تـريـدوا   من قـديـم أنــا زعــاف الأعــادي
ولأجـل الـبــلاد أحـيـا وأمـشـي        دائمـا فـي شجــاعــة للــجــلاد

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button