القضاء و القدر
باكرا تستيقظ “لالة مسعودة” مع التهاليل الاولى لمؤذن الفجر تحضر الفطور لزوجها الطريح الفراش ولإبنها “بوجمعة” ، تضع صينية الفطور خبزا و شايا و زيت زيتون والدواء على المائدة المستديرة عند راس “عياد ” زوجها والذي يغط في سبات عميق وشخيره ممزوج بانينه المعتاد ، تتناول” لالة مسعودة ” و ابنها الفطور على عجل و تصطحبه الى المدرسة المجاورة للبيت و تتجه الى عملها كخادمة ببيت رئيس جماعة المنطقة ، اعتادت لالة مسعودة على روتين العمل اليومي وعند الظهر تقفل راجعة للبيت بعد اصطحاب ابنها من المدرسة محملة ببعض الخبز و المرق غداء لزوجها العليل و ابنها بوجمعة .
تعاقبت الايام و السنين ، غادر زوجها الى دار البقاء و كبر الابن و التحق بمدرسة المعلمين وتخرج للعمل مدرسا بالمدينة ، وظلت لالة مسعودة رغم تقدمها في السن في خدمة بيت رئيس الجماعة الذي نال ثقة ساكنة القرية لازمنة وظلت تصطحب وجبة الغداء من بيت مشغلها لها ولابنها وبعض البقايا لكلب حراسة البيت منذ وفاة عياد .
بوجمعة اصبح يمثل كل شيء بالنسبة للالة مسعودة تصاب بالهوس عندما يتأخر عن موعد دخول البيت، اصبح المدرس مذمنا على التأخر بمقهى الحي رفقة بعض اقرانه العاطلين عن العمل .
وفي احدى الايام الممطرة ، رجع بوجمعة على غير عادته باكرا للبيت وضع محفظته على منضدة ببهو المنزل لبس معطفه الصوفي و اتجه لوالدته التي كانت تحضر شربة العشاء وأخبرها ان زميليه الجيلالي و كبور سيكتريان سيارة للذهاب للمدينة المجاورة للسمر فيها ، ثارت حفيظة الام المسكينة وخاطبت ابنها بحرقة ” والله ما انت ذاهب معهم تناول حساءك و اذهب لغرفتك لترتاح ” عاود الطلب مرات لكن كانت كل مرة ترفض ملتمسه الذهاب مع الرفاق .
دخل بوجمعة غرفته واوصد الباب .
عم السكوت البيت لدقائق وجاء احد اصدقائه طارقا الباب طالبا بوجمعة للذهاب معهما حسب الاتفاق ، اعتذرت لالة مسعودة للطارق الذي غادر بلمح البصر وهو يتمايل بفعل تاثير الخمر عليه والذي فطنت له لالة مسعودة.
خيم سكون على البيت و انقطعت الحركات التي كان يكسرها نباح الكلاب الضالة ومواء القطط بالشارع .
استرق النوم لالة مسعودة و هي ممدة على سرير رث بفناء المنزل .
وقبل تهاليل الفجر جاء صوت عويل و نواح من أقصى الشارع المؤدي الى بيت عياد رحمة الله ، ارتفعت اصوات سكان الحي فايقضت لالة مسعودة التي خرجت لاستجلاء الخبر .
جاء النبأ كالصاعقة و الثلج البارد على جبين لالة مسعودة
الجيلالي و كبور توفيا نتيجة حادثة سير في اتجاه مدينة السمر الليلي ….اتجهت لالة مسعودة الى غرفة ابنها بوجمعة لتخبره بما وقع و انها كانت محقة في قرار منعه الذهاب مع رفاقه و انها حالت دون موته بالحادثة ” بوجمعة فيق اوليدي صحابك الله يرحمهم” “بوجمعة واش كاتسمعني ” وارتمت عليه لايقاضه فوجدته جثة هامدة …. صاحت ملأ ما فيها وسقطت مغمى عليها واصيبت بشلل نصفي ….شيعت جنازة بوجمعة و الجيلالي و كبور و اصبحت لالة مسعودة نزيلة دار للعجزة ….. واستقدم رئيس الجماعة مشغل لالة مسعودة خادمة اخرى ….
مراكش 2022/09/13