الأوطان بشعوبها لا بحكوماتها
حب الأوطان من الإيمان، فالوطن أسمى من أن يختزل في طائفة أو حزب أو حكومة. إنه التاريخ والهوية والجغرافيا والوجود. فالوطنية مسؤولية وليست وسام أو منصب، إنها تربية أجيال على حب الأرض وعشقها والوفاء لها.
ليس هناك درجات في الوطنية ولا في الخيانة، فإما أن تكون وطنيا حتى النخاع أو خائنا عاقا للوطن والتربة التي نشأت عليها. الشيء الوحيد الذي لا يقبل المزايدات العقيمة هو الوطن، حيث تقف عند حدوده كل التخمينات والخيارات والتأويلات، إنه أكبر من كل هذا، لأنه وجودنا الأصلي.
مهما اختلفت وجهات نظرنا حول السياسة والتدابير المتبعة والمشاريع الحزبية، وفشل الساسة أو نجاحهم، نجتمع حين يدعونا الوطن للوقوف وقفة واحدة، حين يتعلق الأمر بالوطن ننسى الخلافات، مهما كانت الأوضاع جيدة أو سيئة، فهي تنتهي احتراما وإجلالا لنداء الوطن.
حين كتب محمد الماغوط كتابه سأخون وطني تسائل العديد آنذاك كيف يمكن خيانة الوطن، ولمصلحة من، ولما هذا الإعلان الجهري. الماغوط كان يكتب عن وطن جريح، آلام كثيرة بلورت فكر الراحل وجعلته يكتب عن نزيف هذا الوطن الكبير وحبا وغيرة عن هذا الواقع.
في هذا الكتاب الممتع الساخر يجمع الماغوط في وطن واحد بين الأمل واليأس، بين النور والظلام وبين الغضب والعجز عن التغيير، ليقدم لنا صورة معاناة وفاجعة لمرحلة مظلمة من تاريخنا، وهي أيضا شهادة ووثيقة للأحفاد عن صراع الأجداد من أجل بناء الوطن الذي حلموا ونحلم به.
ما عاشه المغرب مؤخرا، بسبب زلزال الحوز، أعاد للواجهة قيم وكرم مجتمع متعدد اللهجات والثقافات والروافد، يجمعهم علم واحد لمملكة واحدة. قوافلهم وتضامنهم الكبير، ليس انتصارا لشخص أو فريق، إنه انتصار للوطن الذي يأويهم، انتصار للحقائق التاريخية والحاضرة، تأكيد لتربية عريقة تسري في دم المغربي. إنه الوطن أولا وأخيرا.
مهما انتقدنا النخب السياسية ومهما عارضنا الحكومات وتجادلنا الأفكار بين اليسار واليمين، حين يتعلق الأمر بوحدة الوطن تسقط الشائعات والخلافات وننسى الحكومات، وتتوقف الكلمات لتشير إلا أن الوطن خط أحمر، فهو عرض وعلينا احترامه والدفاع عنه والوقوف له.
قد تعتو الحكومات فسادا في الأرض، وتغيب حين يكون المجتمع بحاجة لها، لكن المجتمع لا يغيب حين ينادي الوطن، ويؤكد أن الشعوب هي من تبني الأوطان وليست الحكومات، في المغرب وبعد الفاجعة، كان الدرس بليغا في الوطنية، غابت الأحزاب وغاب ممثلو الشعب، لكن حضر الشعب وملكه.
الوطن للجميع، وقوته تكمن في قيم التسامح والتعايش و تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، كيفما كانت اختلافاتهم، وتثبيت الثقة والمحبة المتبادلة بين الأفراد كقوة إنسانية بناءة في مجتمع منفتح متعدد الهويات والثقافات.