أخبارالرئيسيةثقافة و فن
أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد “( أسئلة الباحث العربي )
( الجزء الثاني) الحلقة 10 مع الأديب والناقد العربي بنجلون.
أولا أرحب بكم اﻷستاذ الفاضل، اﻷديب والناقد العربي بنجلون، وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
ليكن أول سؤال:
- من هو العربي بنجلون؟
- هو كاتب مغربي، ينتمي إلى جيل البطل جمال عبد الناصر، الذي أرسى قواعد الثقافة في العالم العربي، حيث أنشأ مراكز ثقافية في أهم العواصم العربية، وأصدر سلاسل من الكتب الأدبية والعلمية والمعرفية والشعبية بأسعار زهيدة، حتى يتمكن المواطن العربي من اقتنائها. ففي هذا الجو، نشأ الكاتب، واستغل الإمكانات المتاحة لجيله في ذلك العهد، إلى أن شعر بنفسه قادرا على العطاء، فكتب مقالات وقصصا للكبار والصغار معا. لكن، للصغار أكثر، بحكم مهنة التعليم التي كان يمارسها.
- أستاذي الفاضل ألفتم العديد من الإصدارات تخص أدب الأطفال: ما الذي بقي يشغل العربي بنجلون ككاتب لهذه الفئة العمرية؟ وأي أدب يراه مناسبا لها؟ وبماذا ينصح من يرغب أن يكتب للطفل؟
- كل الآدب بأنواعها وموضوعاتها ملائمة للطفل، سواء الخيالية أو الواقعية أو العلمية، وسواء الحقيقية أو الأسطورية، لأن عقل الطفل في حاجة إلى تغذية فكرية ووجدانية متنوعة. ولا ينبغي أن نجنح نحو (العلم) أو (التكنولوجية) فقط، لمجرد أن عصرنا يقتضي ذلك. ففي تربية الطفل وتثقيفه، يجب تنويع المصادر والمنابع، حتى يوسع مخيلته، ويكتسب تجارب الحياة. وأما كاتب الأطفال، إذا أراد أن ينجح في مهمته النبيلة، عليه أن يُلِمَّ بمراحل نمو الطفل وما تتميز به كل مرحلة من خصائص نفسية وفكرية ولغوية وسلوكية…أن يطلع على تجارب الأمم الأخرى، وما حققته من نجاحات، دون أن يتأثر بها.
- سؤال غالبا ما يحيرني خاصة لأني بدوري أهتم بالكتابة للطفل. ألا يكون كاتب القصص يكتب للطفل الذي يسكنه قبل أن يكتب لباقي الأطفال؟
- طبعا، هناك التربية والنشأة في الوسط، يساهمان في توجيه الكاتب نحو اتجاه ما. غير أن هناك عوامل أخرى تتدخل، لتزكية هذا الاتجاه، أو لإلغائه. فأمي كانت، كل ليلة من ليالي الشتاء، تحكي لي خرافات وألغازا، ونحن نتحلق حول الْمِجْمَر. كما أنني كنت أرتاد المركز الثقافي المصري، الذي ينظم للأطفال في سني جلسات القراءة، أو مشاهدة المسرحيات…إلى أن أصبحت معلما، فأخذت بدوري أنظم الأنشطة للأطفال، ومنها نادي القراءة…!
- هل هناك علامات معينة ودوافع كانت وراء اهتمامكم الكبير بالكتابة للطفل؟
- كما قلت سابقا، كانت والدتي الريفية (الآتية من منطقة الريف، ولا أعني البادية) تكتنز تراثا هاما من الحكايا الشعبية والأحاجي، بالإضافة إلى قراءاتي للكتب والمجلات في المركز الثقافي المصري…!
- ألفتم العديد من الكتب في النقد : وظل اسم العربي بنجلون مقرونا بالكتابة للطفل، ما سر هذا التحول إلى النقد والاهتمام به ؟
- أنا لم أتحول، فأول ما كتبت، كان نقدا لمؤلفات مغربية، ثم مقالات أدبية وتراجم، ولما أصبحت معلما، ألفت قصصا لتلاميذي، ثم نشرتها بفضل الأديبين أحمد عبد السلام البقالي ومحمد صوف. لكنني بقيت مخلصا للنقد، وأضفت إليهما الرحلات والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية.
- تنوعت فنون الكتابة لديكم من قصص، ورواية، ونقد، ومسرح، وأدب رحلة، وسيرة …
هل مرد هذا إلى عشق الكتابة في حذ ذاتها ؟ وأين العربي بنجلون من كل هذا؟
- الكتابة، وإنْ تنوعتْ أجناسها، فهي واحدة، ولا فرق بين جنس وآخر، إلا بفارق بسيط. ولهذا تجدينني أكتب في كل جنس أدبي، لأنني أجد نفسي وراحتي في هذا التنوع. فاعتماد القصة وحدها، أو الرحلة أو أي جنس آخر…قد يعرض الكاتب للملل، وبالتالي، للنفور…ثم أن هناك رغبة في التجريب والتنويع، كمن يبحث عن نفسه. وأظن أنني وجدت نفسي في كتابة الرحلة والسيرة، أكثر من أي جنس آخر.
- سؤال طالما سألته لنفسي، لكني لم أجد بعد الجواب الشافي. ننتقل في الكتابة من لون إلى آخر ، هل مرد هذا إلى كوننا لا نجد أنفسنا إلا بصحبة الأوراق والأقلام؟ لكم الكلمة أستاذي.
- الكتابة عامل نفسي معقد، ورغبة قوية في إثبات الذات وفي الخلود، ضد الموت والنهاية. وكذلك الفن، وأي إبداع كيفما كان. ألا نتذكر المتنبي، والجاحظ، وسقراط، ودافينشي، وموزار، وسواهم كثير؟!… لكن، هذا ليس سهلا، يتطلب التضحية بالوقت والراحة وملذات الدنيا في سبيل تحقيق الذات والاستمرارية في نهج الكتابة…فضلا عن المثل والقيم والمبادئ التي يدخرها الكاتب، فكل ذلك محرك رئيسي لكيانه.
- ما هو نصيب ما قدم للطفل من قصص ومسرحيات وشعر … من أقلام النقاد؟
- في هذا الحقل، لا يوجد نقاد، وإنما هناك معلقون وكتاب يعطون قسطا من آرائهم في ما يصدر من كتب الأطفال. وحتى في عالم الكتابة للكبار، لا يوجد إلا النادر من النقاد، الذين إما يشيدون بالعمل المنقود أو يبرزون مثالبه فقط، ويبقى النقد غائبا.
- حصلتم على العديد من الجوائز : هل الجوائز تكون حافزا للمزيد من العطاء؟
- وهل في رأيكم تعتبر كافية لتتويج المسيرة الإبداعية، والنقدية لأديب كرس حياته لخدمة الأدب؟
- لقد سبق لي أن كتبت عن الجوائز، بل شاركت في توزيعها، وكنت دائما أقول إن الجوائز لا تصنع كاتبا، بل أحيانا تحطمه، عندما يقتنع بأنه (وصل إلى القمة) وأنه لم يعد في حاجة إلى الكتابة. بل حتى إذا نال شهادة عليا، كالدكتوراه، قد يحجم عن الكتابة، والخوض في الكتابة والقراءة. ولو تتأملين الساحة الأدبية المغربية، فستكتشفين العديد ممن فازوا بالجوائز أو الشهادات، أصبحوا خبرا لكان. ولهذا نبهني الأستاذ الراحل محمد الفاسي، عندما فزت بالجائزة العالمية للمقالة، إلى أن هذه بداية طريقي وليست نهايته، وما علي إلا أن أستمر. فآمنت بنصيحته، وأنا شاب في مقتبل العمر، ومن ثمة لم أُعِرِ الجوائز أية قيمة!
- ما علاقة الكاتب العربي بنجلون بمجتمعه المغربي خاصة والعربي بشكل عام وبقضاياه على اختلافها وتنوعها؟
- علاقتي بمجتمعي قوية جدا، كعلاقة الجنين ببطن أمه، عبر الحبل الصري. ولو تقرئين مجموعتي القصصية ((الخلفية)) التي طبعت خمس طبعات، أو ((كنت معلما)) أو ((أنا الموقع أسفله))…لأدركت تلك العلاقة، وما تحمله من سخرية وتهكم وانتقاد لاذع…وكل ذل، حبا في مجتمعي، وأملا في تطويره وإخراجه من حمأة الجهل والتخلف.
شكرا لكم مرة أخرى أستاذي الفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم.