مضى عهد هؤلاء الذين كانوا يخفون عنا حقيقة الأوضاع التي كانت عليها تلك المناطق التي ضربها الزلزال، وما كان يعانيه سكانها من خصاص في المرافق الإجتماعية وفي البنيات الأساسية .
لقد تكفلت الأمة وقائدها جلالة الملك محمد السادس بأصلاح الإوضاع ورفع المعاناة عن سكان المنطقة ، وها نحن الان أمام مخطط للنهوض بالمنطقة لتخرج مما كان يسمى بالمغرب غير النافع على عهد الإستعمار وظل في تلك الحالة ، وسنعمل على أن تندمج في المغرب النافع .
فهل سينجح النظام عندنا بكل مكوناته في تحقيق هذا التحدي ؟
أنا متأكد من تحقيق ما تم تخطيطه مع تأسيس وكالة وطنية موكول إليها تنفيذ المخطط الذي رسمت أسسه ، ومع رصد الإعتمادات المالية الضرورية ، وتحديد مصادر تمويلها. لقد مر المغرب في مسيرته المتأرجحة بتجربتين هامتين ، تمثلت الأولى في تدارك التأخر في البنيات الأساسية وفي المرافق الإجتماعية التي كانت تشكو منها منطقة شمال المملكة،
(ولا أقول التأخر في الوعي الثقافي الذي كانت تتميز به النخبة في مختلف مدن الشمال).
لقد كتب لي أن أحضر الدخول المظفر للمرحوم الملك محمد الخامس لمدينة تطوان في أبريل 1956 حاملا بشرى تحرير المنطقة من الإستعمار الإسباني ، وقد لاحظت التأخر العمراني الذي كانت عليه منطقة الشمال التي لم تكن أكثر حظا مما كانت عليه إسبانيا في الخمسينات من القرن الماضي.
وبحكم مهنتي الصحفية التي إبتدأت في منتصف الخمسينات ، أدركت المجهود الكبير والتضحيات الوافرة التي بذلتها الدولة وعلى مراحل متعددة ، لا فقط من أجل تدارك الخصاص الذي تشكو منه منطقة الشمال ، بل لكي تتفوق على كثير من مناطق المملكة ، وخصوصا في عهد الملك الباني جلالة محمد السادس أعز الله أمره ، الذي لاشك أنه أدرك أن على المغرب أن ينفتح على الشمال بصفة أوسع لكي يقطع مراحل جديدة في التقدم الإقتصادي ٠
وهكذا تم على عهد جلالته إنجاز مأثرة كانت كأحد أعظم المنجزات في عهده الزاهر ، وتمثلت في ميناء طنجة المتوسط الذي جعل المغرب يتوفر على سادس أهم ميناء عالمي وأكبر ميناء في البحر الأبيض المتوسط.
لم يكن هذا الميناء وحده الذي رفع من القيمة المضافة المرتفعة للشمال فيما حققه المغرب من تقدم إقتصادي في هذا العهد المليئ بالمنجزات ، بل تحقق لشمال المملكة إنجاز الطريق الساحلي الي يربط طنجة بشرق المغرب ، وسيضاف إلى تلك المنجزات ميناء الناظور المتوسطي الذي سيعزز من التقدم الإقتصادي للمملكة
والتجربة الثانية والتي كانت بمثابة تحدي تاريخي يعز نظيره في العالم ، كانت هذه التجربة التي واجه فيها المغرب تحدي إلتحاق إحدى مناطقه المتأخرة عمرانيا في جنوب المملكة ، وفي أقاليمه الصحراوية التي تركتها إسبانيا في حالة من التأخر لم تقدم لأهلها ما يساعدهم على الإلتحاق بما أصبح عليه العصر الحديث.
إن التحدي الخطير الذي أستطاع المغرب رفعه والخروح منه بفوز مزدوج ، تمثل في خوض معركة البناء والتشييد ، بالتوازي مع معركة مواجهة العدوان الذي تبناه قادة الجزائر ، والذي تطلب تعبئة أقصى ما يمكن من إمكانيات المغرب ، دون إغفال ما تتطلبه عمليات البناء والتشييد.
ويأتي اليوم الزلزال المدمر الذي أصاب منطقة الحوز ليطرح على المغرب قيادة وشعبا تحديا جديدا لا يقل خطورة عما حدث بالنسبة لشمال المملكة في الخمسينات ولجنوبها في السبعينات وما تلاها من الزمن العصيب ، وإن ما حدث حتى الآن ، ونحن على بعد أقل من ثلاثة أسابيع من وقوع الزلزال يبشر بكوننا سنتغلب بحول الله وقوته على هول النكبة نفسانيا ، نتيجة ما أظهره الشعب المغربي بكل فئاته وطبقاته من تأزر مع السكان المنكوبين ، وسنضمد جراحنا ، ونحن مقبلون على تنفيذ ذلك المخطط الكبير الذي تم الإعلان على مكوناته والذي من المفروض أن يطبق في ظرف وجيز لا يتجاوز خمس سنوات ، وإن من المتوقع أن لا يعطي ثماره المرجوة إلا بعد فترة أطول ، نظرا لإنه يتجاوز المنطقة المنكوبة ليشمل فقط حوالي ثلاثمائة ألف نسمة ، إذ يفترض كما هو مخطط أن يشمل منطقة أوسع تضم أكثر من أربعة ملايين نسمة ، وفي ذلك تحدي كبير مع الزمن ومع ما يتطلبه تنفيذ المخطط من جهود وإمكانيات ٠
وستؤكد المملكة المغربية قيادة وشعبا أنها أمة التحديات الكبرى والخطيرة ، كما ستؤكد مرة أخرى لمن يريد أو لا يريد أن يرى ببصيرته أننا في المغرب ذي المجد العريق لا نعبث بالزمن ، ولا نتركه يعبث بنا ، وأننا نبني ونشيد مدفوعين بوطنيتنا الصادقة.