بقلك/ عبدالمجيد باقاسم
في مقال سابق حول اعادة تعمير المناطق المنكوبة بالزلالزل ، كنت قد أشرت إلى نقط أساسية تتعلق بهذا الموضوع ، الآن وقد كثر الكلام و المتدخلون حول هذه النقطة ، و أيضا ، قد انتقلنا من مرحلة الدعم المستعجل و التآزر و الحملة الإعلامية و الصور و التعاليق ، بعد أن تجاوزنا مرحلة الصدمة و ردة الفعل ، و بدأت المرحلة الأهم ، مرحلة التعاطي مع الموضوع بشكل عقلاني ، وفي خضم الحديث عن تدخل الدولة و أطراف دولية أخرى لمعالجة الأمر ، لابد ، كما في مقال سابق ، أن نشير إلى بعد النقط الاساسية المرتبطة بالموضوع ، والتي لاينبغي تجاهلها أو عدم وضعها في الاعتبار :
لابد أن نشير و ننبه بداية إلى أن الامر ، ونسطر عليها بالاحمر ، لا يتعلق بإعادة تعمير أو ( تسكين ) منكوبين ، المتضررون لا يحتاجون فقط للاسكان/ الايواء … لقد تردد كثيرا في السنوات الاخيرة ، دون أي قرار يذكر أو تدبير يتخذ ، مسألة العدالة المجالية ، ولقد عرى الزلزال عن واقع مأزوم ، حيث غياب المسالك ووعرتها و انعدام السكن اللائق و غياب حتى للانشطة المدروة للدخل أو انشطة اقتصادية ، فالناس المنكوبين كانوا يتواجدون هناك و كأنهم مطرودون أو فارون من شيء ما ، كأنهم بشر مبعدين غير مرغوب فيهم ، يعيشون على هامش الحياة ، مغيبون عن دائرة العناية و الاهتمام ، لاحول ولاقوة لهم ولا من ينظر لحالهم ، أناس كما هو عنوان الرواية ” معذبون في الارض ” ، والخطير في الامر أن لا أحد تحدث عنهم و لا اهتم لحالهم و لا كان لهم نصيب في التنمية في سياسات الحكومات المتعاقبة ، حتى كدنا ننسى انهم موجودون ، لم ينالوا من الاهتمام إلا ترديد عبارة جميلة مثيرة ” العدالة المجالية ” ….
في اليابان ( مثلا ) حين يتأخر القطار ، وقل أن يحدث ذلك ، حيث أن معدل تأخر كل القطارات في اليابان ، و ما أكثرها ، لا يتجاوز دقيقة واحدة في السنة ، عندما يتأخر القطار لبضع ثوان ، يخرج كل العاملين في القطار بما فيهم المسؤولين الكبار في صف واحد و ينحنون للمواطنين اعتذارا و احتراما ، كما هو الشأن إذا ما حدث وانقطع الكهرباء مثلا ، يخرج كل العاملين في القطاع من الوزير إلى أصغر موظف ينحنون اعتذارا للمواطنين …ما حدث في الحوز و شيشاوة و مراكش ، وجب على كل المسؤولين الاحياء و الاموات منهم الخروج و الاعتذار لكل هؤلاء الضحايا و المنكوبين …
بد أن نؤكد و نعيد التأكيد على أن علاج الوضعية لا يتعلق فقط بالاسكان ، بقدر ما يتطلب الامر ، حل بنيوي مركب للوضعية يتداخل فيها ما هو اقتصادي مع ماهو اجتماعي ، فهؤلاء الناس لانشاط اقتصادي لهم واضح …نشاط فلاحي محدود في غياب الارض حيث المنطقة جبلية ، وغياب المراعي ، كما هو غياب الصناعة و الانشطة التجارية ، فقد ذكر بعض سكان المنطقة وهم يستقبلون المساعدات و المواد العينية ، أن بعض المواد التي وصلتهم لم يكونوا قد رأوها من قبل و لا تذوقوا طعمها ، هؤلاء الناس يعيشون في معظمهم على ما يتوصلون به من مساعدات من بعض أفراد الاسرة الذين انتقلوا للعمل في المدن ، خادمات بيوت أو عمال في البناء ، و المحظوظون منهم من انتقل بعض أفراد الاسرة للوظيفة في المدن أو العمل في الخارج … وبالتالي فهم أفراد لا دخل لهم قار و ثابث و الانكى من ذلك لا دخل لهم من عملهم أو منتوجهم ، و هذا أخطر ما في الامر وما توجب أن يعالج لا مجرد الاسكان و الايواء ، المشكل هيكلي ينبغي أن يعالج في شموليته ، تمة نمط من الاقتصاد يسمى ” الاقتصاد الجبلي ” على القيمين على هذه الدولة أن يقوموا بارصاءه و تنميته ، وأن يجعلوا من هؤلاء المواطنين يعيشون بكرامة و بكد و عمل و إيقاف اعتبارهم يعيشون عالة على ذويهم و مساعداتهم ، يجب على خبراء الدولة و مهندسيها الذين يتقاضون أجورا و رواتب عالية و القابعون في مكاتبهم المكيفة على كراسي وثيرة ، أن يفكروا و يبحثوا و يخططوا لحلول جدرية لهذه المعضلة البنيوية في التنمية البشرية تفيهم حقهم العيش الكريم في كل مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ….
- لابد هذا الاقتصاد الجبلي يجب أن يأخد في اعتباره النشاط السياحي المهم للمنطقة و الذي يجب أن يقوم على دعامتين البيئة و الثقافة ، فمن الناحية البيئية يمكن تحقيق مشاريع ايكولوجية بالمنطقة تسد الخصاص مثلا في الطاقة ، و أن يكون الاهتمام بزراعات صيدلانية و عشبية تتميز بها المناطق الجبلية و لا تحتاج مساحات كبيرة …كما يتوجب العناية كثيرا بالموروث الثقافي من حيث البنايات التي يجب أن تكون لها خصائص المنطقة ، و إقامة ورشات و حرف يدوية تقليدية بسيطة ، تروج محليا للزوار و تصدر لدعم الاحتياجات في مراكش لمثل هذه المواد …كما ينبغي الاهتمام بالسياحة الجبلية بخلق محطات سياحية و تأهيلها و إقامة ليس فنادق بل دور للضيافة حتى يكون لها الطابع المحلي ، و تشجيع الثقافة و الفلكلور المحلي و إقامة معاهد لتعليمها للشباب بغية الحفاظ عليها و استثمارها سياحيا ….
- زيادة عن خلق نشاط اقتصادي جبلي حقيقي ، لا يغيب على أن المنطقة المنكوبة هي منطقة غنية بالمعادن بما فيها الثمينة ، وينبغي أن ينظر بجد إلى استفادة هذه المناطق من الخيرات التي تحتويها ارضها و ان تقوم عليها بعض الانشطة الاقتصادية محليا بدل الترحيل و التحويل إلى مناطق أخرى ….
- تمة حالة خطيرة ووضع فظيع ستقدم عليه الحكومة بخلق جهاز يهتم بتنمية مناطق الاطلس الكبير ، وكأن ما في المغرب غير الاطلس الكبير ، و كأن الاطلسين الآخرين و الريف ، في حال أحسن ، أو خارج دائرة الاهتمام !!! ماذا بعد أن تقوم الحكومة بما ستقوم به ، و يتحسن الوضع في الاطلس الكبير ، كيف سيكون موقفا من باقي المناطق ، اعتقد ساعتها لن يكون للحكومة من جواب غير ” انتظروا حتى يضربكم الزلزال ” !!! ، على الحكومة أن تعي و تدرك أنه في المغرب مناطق منكوبة أكثر من الاطلس الكبير و في حاجة إلى التدخل و الانقاذ ، على الحكومة و الدولة برمتها أن تعلن عن مسيرة جديدة و أن تخوض تحديا حقيقيا في البلاد و تتعامل بجد ( بعيدا عن لغة التلفزيون ) بمفهوم و معنى العدالة المجالية ، و أن تدعوا الباحثين في مجالات التعمير و الاقتصاد و الاجتماع و البيئة للخروج بتصور و مخططات و برامج لوضع القطيعة مع واقع لا نرتضيه لوطننا و لا نرتضيه لاي مواطن منا ، في المغرب كل يوم يزداد عدد الاثرياء و تتناول المجلات و الصحف العالمية ما بلغته ثرواتهم من حجوم ، و جزئ مهم من مواطنينا يعيشون العدم و المعاناة و تحت خط الكرامة .