هذه المصطلحات الشائعة تزعجني بحق مثل (كرامة الفلسطيني او تحسين شروط حياة الفلسطينيين او خطوات احادية الجانب او اجراءات ملموسة من اجل ابقاء حل الدولتين قائمة) هذه المصطلحات المدورة , الزلقة , الضبابية , و الاحتمالية .
لا تخيفني فقط بل صرت ارى فيها وعيا سياسيا مقصودا للالتفاف او التهرب او الخشية من وصف الاحتلال و ادانته و محاصرته , صرت ارى فيها تعزيزا و تكريسا للاحتلال و رضى عنه , اي ان هذه المصطلحات لا تريد ان تقول ان هناك احتلالا استعماريا طاردا يتم فيه عملية نفي للشعب الفلسطيني عن ارضه , و ليس هذا فقط و انما يتم انزال الشعب الفلسطيني عن الخارطة السياسية و المشهد التاريخي , ان الخارطة التي عرضها نيتنياهو في الامم المتحدة مؤخرا ولا تظهر فيها حتى الخطوط الوهمية لما يسمى بالخط الاخضر الذي من المفروض ان يفصل بين اراضي 1967 و اراضي 1948.
ان هذه الخارطة المشار اليها تمثل فعليا النسخة الاخيرة من الرؤية الاستراتيجية المتدحرجة للفكر الصهيوني التوراتي الحاخامي التي لا تتضمن دولة للفلسطينيين ولا حتى اعتراف بوجودهم اصلا , فلكلام يدور عن جماعات اثنية متفرفة و ليس شعبا متماسكا له حقوق جمعية سياسية و تاريخية و حقوقية , الرؤية الاسرائيلية الاخيرة تتعامل معنا باعتبارنا بدوا و عشائر فلاحين مستعدة للتذابح على كل شيء , و كتل بشرية متعددة الاعراق و المنابت و الاصول تجمعت في هذا المكان بصدفة , و يمكن لقليلا من الجهد و السياسة الحكيمة اللعب بها و التحكم في تصرفاتها و العبث بقراراتها و ابتزازها و اخضاعها من خلال التفريق بينها بالعطايا و المزايا و الرشاوى و المنح و اختلاف المصالح .
ان نجاح ظاهرة القتل في المجتمع الفلسطيني داخل مناطق 1948 و عدم توقفها بل و اشتدادها بهذا الفجور و هذا السفور , حتى صار القتل يجري امام الكميرات , يعني ان الاجهزة الحكومية في اسرائيل و من يقف وراءها يحول هذه الظاهرة المتعمدة الى عصا غليظة للتحكم و لاجهاض القوى الحية و ضرب احتمالات التوحد او تغير الاتجاه , و يبدو ان اسرائيل تنقل التجربة بشكل او باخر الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 , ما رايناه مؤخرا في عدد من المواقع في الضفة المحتلة يجعلنا نضيء عشرات الاف المصابيح الحمراء امام كل قوانا السياسية و المجتمعية لوقف الظاهرة و ووأدها قبل استفحالها .
ان احد اهم اسباب فشل الثورة الفلسطينية الكبير عام 1936 هوالشقاق العائلي و الانقسام الحمائلي و ضياع الولاءات و اختلاف التحالفات .
و اعود الى اسرائيل و رؤيتها الاخيرة للصراع الاسرائيلي الفلسطيني , فاسرائيل فعليا تسقط من حساباتها وجود الشعب الفلسطيني و تتصرف على هذا الاساس من خلال ما يلي :
اولا: انها تريد ان تحرم الفلسطينيين من حق النقض من اي اتفاق تطبيعي مع كل جهة عربية , باعتبارهم وجودا لا اهمية له و غير مسئولة عن حياته او مستقبله .
ثانيا: انها تريد اعادة انتاج الاحتلال بما يضمن عدم وجود دولة فلسطينية من جهة و خضوع الشعب الفلسطيني التام للترتيبات الامنية الاحتلالية من جهة ثانية , اي انها تحاول اعادة انتاج وضعين في أن واحد , شرعنة الاحتلال من جهة و صياغة ديموغرافية جديدة للشعب الفلسطيني , و هو ما تحاول تمريره في كل خطة او مبادرة اقليمية او دولية .
ثالثا: اوقفت اسرائيل التفاوض مع الشعب الفلسطيني منذ عام 2012 بحجة غياب الشريك , و غياب الشريك و هو مصطلح يجد قبولا لدى اطراف كثيرة , معناه عدم وجود شعب اصلا ليتم التفاوض معه ولا يخفى على احد ان وقف التفاوض بهذه الحجة هي نية علنية اسرائيلية على عدم الرغبة في تقديم ما تسميه اسرائيل (تنازلات) , و بالمناسبة فان اسرائيل فرضت على العالم فكرة انها تقدم تنازلات وكانها تقطع من لحمها الحي و نسيت ان عليها تقديم استحقاقات لانها قوة احتلال .
رابعا: توقف الضغط الدولي و الاقليمي الى حد كبير على اسرائيل للدخول في تسوية مع الشعب الفلسطيني كله , بل تحولت المطالبات الخجولة الى ما يسمى الى اعادة التهدئة و تحسين الشروط الحياتية.
خامسا: لا يتم الكلام عن انهاء الاحتلال بل يتم تسويغه و التكيف معه , و عمليات التطبيع المختلفة تقوي هذا التوجه ايضا , بمعني ان التطبيع في مجمله لا يشترط انهاء الاحتلال , و من هنا خطورة نفي الفلسطيني مقابل دمج الاسرائيلي.
ان بقاء الاحتلال على الارض الفلسطينية سيمنع ميلاد دولة فلسطينية حرة و مستقلة , و ما يعزز هذا الاتجاه ان شعار حل الدولتيين اصبح شعارا يخفي تحته الكثير من الوقائع التي تنسفه تماما و تحوله الى احلام .
سادسا: من عام 1967 و حتى اليوم تغير مفهوم التسوية , فمن تطبيق قرارات الشرعية الدولية الى الارض مقابل السلام الى اقامة سلطة تحت احتلال الى تمرير الاحتلال و شرعنته من خلال عمليات الاعتراف و الدمج وصولا الى انكار وجود الدولة و الشعب الفلسطيني و الكلام الان فقط يدور عن جماعات فلسطينية متفرقة متعادية و متقاتلة لا تحتاج الا الى صياغات امنية و اقتصادية محكمة بحل مشاكلها و ضبط امورها .
هذا هو الحال براينا اما الحل فلا يخفى على عاقل.