رحيل مثقف ما بعد الحداثة.. وداعا فيلسوف المهمشين
“كان مناهضا للظلم والتهميش وفيلسوف المضطهدين والمهمشين، وكان يحظى بشعبية واسعة بين الطلبة وأوساط الثقافة والفن، رحيله خسارة للوسط الثقافي والإنسانية جمعاء، عزاؤه الوحيد أن طلابه يواصلون مسيرته الفلسفية.”
جياني فاتيمو فيلسوف إيطالي، ولد عام 1936 في تورينو، درس الفلسفة الوجودية في جامعة المدينة، وأصبح أستاذا مساعدا عام 1964 في الجامعة ذاتها، ومن ثم أستاذا في الأخلاقيات عام 1969، وفي عام 1982 أصبح أستاذا في الفلسفة النظرية، أشتغل أيضا أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأمريكية. مفكر وسياسي، عرفه في العالم العربي من خلال كتبه، وبشكل خاص كتابه “نهاية الحداثة”.
عاش “خارج المكان” وانضم إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، وانتخب عضوا في البرلمان الأوروبي لأول مرة في عام1999، ولولاية ثانية في عام 2009 وحتى عام 2014.
مناضل يساري إيطالي ساند قضايا الفلسطينيين، ولم يبق صامتا أمام جرائم الحرب التي ارتكبت في الكثير من المواقع. أحد أشهر الفلاسفة الإيطاليين، ومن أكبر دعاة “الفلسفة التأويلية”، المعروفة أيضا باسم “الهيرمينوطيقا الفلسفية” ، ومن أكبر دعاة تيار ما بعد الحداثة.
ترجم فاتيمو كتاب ” الحقيقة والمنهج” للفيلسوف الألماني هانس جيورج جادامر إلى الإيطالية، ويعد جادامر الذي أعد اطروحة دكتوراه حول أفلاطون من أكبر المعجبين بفلسفته، واستلهم فكرة أن ماهية اللغة الحوار في تأسيسه للهيرمينوطيقا الفلسفية من قراءاته التاويلية لأفلاطون
رأى أن من يستعيد أفلاطون ليكون جسرا للعبور من فلسفة التأمل الذاتي إلى فلسفة الحوار لن يفلح أبدا، والفشل هنا يكمن في مفهوم الحقيقة. أفلاطون كان يؤمن بوجود حقيقة مطلقة ومثالية، لذلك كانت محاوراته المتقنعة بشخصية سقراط هي محاورات ترسخ ثقافة سلطة الحقيقة المطلقة، وهكذا كرس أفلاطون ثقافة الانتصار والهزيمة في الفكر في حين أن الفكر بعيد عن الصراع.
قدم فاتيمو للمكتبة الفلسفية والفكرية والأدبية والسياسية 19 كتابا، وقد ترجمت كتاباته إلى عدد كبير من اللغات، فقد اهتم فاتيمو بالفلسفة الألمانية بوقت مبكر، وذلك عندما حصل على زمالة دراسية لمدة سنتين في هايدلبرج أقدم جامعة في ألمانيا، حيث درس هناك فلسفة هيدجر وهو صاحب كتاب “مغامرة الاختلاف، الفلسفة بعد نيتشه وهايدجر” وكتاب “نيتشه الفلسفة كنقد ثقافي”.
وأثار كتابه “نهاية الحداثة، العدمية والتأويل في ثقافة ما بعد الحداثة” الذي ترجم إلى العربية في عام 2014 ، جدلا في الأوساط الثقافية، وطور دراسة نظريات التأويل واستخدمها في علم الألسُنية وفي النقد الأدبي، كما اهتم بتطوير تحليل التحولات الفكرية والثقافية في عصر ما بعد الحداثة. كما أحدث كتابه “المسيحية والحقيقة والإيمان الضعيفة”، و”مستقبل الدين”، جدلا واسعا حولهما، وكذلك في كتابه “مطالبة الفن بالحقيقة”.
كان جياني فاتيمو عضوا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والآداب، وأكاديمية تورينو للعلوم، وحصل على عدة جوائز، من بينها الميدالية الذهبية لدائرة الفنون الجميلة، وجائزة هانا أرندت، وجائزة أبحاث ماكس بلانك، والدكتوراه الفخرية من جامعة بوينس آيرس، والدكتوراه الفخرية من جامعة سان ماركوس الوطنية .
توفي في شهر سبتمبر في مقاطعة تورينو حيث ولد، عن عمر ناهز 87 عاما، بعد إصابته بمرض الشلل الارتعاشي وتدهور حالته الصحية.