الثعلب و دهاء الحياة
جاب كل مدن البلاد ، جرب العديد من الحرف و المهن ، يفهم في كل الاشياء حتى الموكولة لربات الحجال وقارءات الفنجان وأولياء الزوايا و الاضرحة ، خبر فك رموز الطلاسم ، وما خطر على بال وما لم يخطر على بال عرافات مسقط رأسه ، متقد الذكاء ، قوي البنية و الشخصية ، يجيد فن الخطابة و الاقناع ، حرباء في جبة انسان ، يميل حيث مالت نزواته و مصلحته .
انتهى به المطاف للعمل بإحدى الحانات المشهورة بالمدينة ، تعرف على علية القوم و تمرس على ابجديات الايتيكيت و البروتوكولات وخبر تقنياتها ، وسع دائرة معارفه واصبح عنده موطىء قدم بكل الدوائر الحكومية و كبريات الشركات ، و مشاهير الغناء و المسرح و السينما ، يعرف الاسماء و ارقام الهواتف و كذا لوحات السيارات و تواريخ أعياد الميلاد …
مستواه التعليمي لاباس به ، لكن ثقافته الشخصية وإلمامه بالاشياء فاق شهادته ، يجيد لغة موليير و شكسبير ومبادىء لسان الفردوس المفقود و موسيقى باخ ، تعلمها من ممارسته العشوائية للارشاد السياحي بمدينة السبعة رجال المستنسخة.
جاذبية ” قاسم ” المغناطيسية قادته للتعرف على احد رواد الحانة من مسؤولي المدينة بمكان منزوي باحد أجنحة الحانة ” خاص جدا ” ، يقدم له الخدمة و يبادله اطراف الحديث كلما اقتنص فرصة لتمرير كلامه و تمرين ذكائه و اصطياد مصلحته وتحقيق رغباته و اغراض معارفه وطلباتهم المؤدي عنها مسبقا دون علم الزبون ، شعاره كالورقة المعلقة بدكان سي احماد ” ممنوع الطلق و الرزق على الله ” .
توثقت العلاقة بين “قاسم ” النادل و ” سي عمر ” المسؤول وامتدت الى طلب خدمات قاسم بفيلا سي عمر بالحي الراقي بالمدينة كلما حل عنده ضيوف مهمين جدا .
توسعت علاقات قاسم اكثر واصبحت بتاء التأنيث كعش العنكبوت يصطاد ضحاياه دون عناء و كالشبكة العنكبوتية قاعدة بيانية للكثير من المعلومات الشخصية تثير فضول مخبري المدينة .
مع مرور الايام ، شاعت جريمة قتل بالمدينة الهادئة واصبح يتناقلها كل زائري المدينة لقضاء اغراضهم الادارية بكل انحاء البلاد ، مسرح الجريمة فضاء الحانة الراقية ، صدر القرار بسحب الرخصة و اغلاق الحانة ، تشرد قاسم ومعه باقي العمال ، اصبح يرتاد المقهى المجاور ببدلة عصرية ونظارات سوداء كل صباح لارتشاف قهوته المركزة المجانية من صاحب المقهى زبون الحانة المغلقة .
انغلقت كل الابواب على عباس غلبته عجرفته و انانيته المكتسبة من علاقاته الوهمية مع كبار زبائن الاجنحة الخاصة جدا ، وحالت دون بحثه عن عمل شريف يكسب به قوت يومه ويسدد به واجبات كراء شقته واداء مصاريف استهلاك الماء و الكهرباء .
جلس يوما يتصفح مذكرة جيبه العجيبة التي تحتوي على اسماء و ارقام هواتف اصحاب البدل السوداء و عشيقاتهم ، يركب الارقام بهاتفه و يأتي الرد ” معذرة الرقم غير مشغل ” ، وقع نظره على رقم ” سي عمر ” اتصل دون رد ، عاود الاتصال ، جاء الرد من سيدة لكنة كلامها توحي انها اسيوية ، ” السير اومر باوسبيتال ” ما معنا ” السيد عمر بالمستشفى “.
انتقل ” قاسم ” على وجه السرعة لفيلا ” سي عمر ” بالحي الراقي بالمدينة، اخبره حارس الفيلا بعد ان تناول معه كأس شاي بان سيده يرقد بالمستشفى العسكري نتيجة مرض التشمع الكبدي .
استقى قاسم سيارة الاجرة متوجها للمستشفى ، و دخل لزيارة ” سي عمر ” مستعينا بخدمات مذكرة جيبه العجيبة .
جناح خاص يشبه جناح الحانة لكن بروائح الدواء و تراقص البدل البيضاء و الزرقاء و الخضراء …
قبل جبهة الزبون القديم المهم جدا وبصوت خافت من المريض ” الله يكثر خيرك قاسم ، فيك الخير “.
غادرت قاسم المستشفى بعد ان ناوله ” سي عمر ” مظروفا ….
تكررت الزيارات و غادر ” سي عمر ” المشفى ، زاره قاسم بالبيت و طلب منه ” سي عمر ” مساعدة خدم البيت في استقبال الضيوف و خدمتهم والذين يتوافدون من انحاء بعد المناطق التي عمل بها ” سي عمر ” لحمده على السلامة .
كل يوم يعود ” قاسم ” بمبلغ مالي محترم من كرم الزوار .
عاد ” سي عمر ” الى عمله ، و رجع ” قاسم ” الى بطالته و معاناة ضيق اليد معتمدا على فرص للعمل المؤقت مع مموني الحفلات بالأحياء الراقية …..
في حفل بهيج لزفاف نجلة ” سي عمر ” الموظفة بإحدى تمثيليات البلاد في ارض المهجر حضر ” قاسم ” نادلا مساعدا وكل لحظة عينه على ” سي عمر ” و على نجلته متوسلا كأنما يطلب حاجة ..
تشجع ” قاسم ” وكسر كل البروتوكولات و تقاليد العمل وتوجه لسيد الفيلا قائلا ” الله يكثر خيرك سيدي و الله يخلي ليك لالة عفاف ، دير فيا شي خير و دبر لي على شي خدمة تخرجني من ذل الحياة ” وقعت الكلمات على قلب ” سي عمر ” احيت ألمه من شدة المرض و زادت من منسوب فرحته بزفاف نجلته ، واتجه الى احد ضيوفه هامسا في اذنه وبدت علامات الحبور على محياه ، نادى على ” قاسم” وقال له “يكون خير ” ، انفض الحفل و ظل محدث ” سي عمر ” بمكانه .
نادى ” سي عمر ” الذي كان جالسا على اريكة بجانب ضيفه على ” قاسم ” الذي تقدم منحني الظهر لإعطاء الاشارة بسماع طلب الخدمة ، واجهه ” سي عمر ” ان صهره اب زوج ابنته ” لالة عفاف ” يعمل باحد اقاليم المملكة و سيشغله عنده باقامته الرسمية هناك ، تقدم ” عباس ” راسما قبلة الاحترام على راسي ” سي عمر ” و صهره ” حمودة ” .
بعد اسبوع شد ” عباس ” الرحال للوجهة الجديدة ، تسلم مهامه الجديدة ، تأقلم مع الجو الجديد بسرعة لكونه خبر قوانين الاوامر وتلبية الطلبات مع تغيير في مصطلحات العمل الجديد و فتح مذكرة جيب بمواصفات اخرى .
بعد مرور ثلاث سنوات ، اصبح ” عباس ” رقما مهما في علاقات ” سي حمودة ” ، يرافقه في سفرياته و يخدمه في اجتماعاته المغلقة مع كبار مسؤولي المنطقة .
أصبح ” عباس ” معروفا و كلمته مسموعة ، يتدخل في كل الاشياء حتى اعداد حقيبة السفر الخاصة ب ” سي حمودة ” .
ارتفع منسوب نفوذ ” عباس ” سبب كيده في طرد الخدم و العمال و اصبح يتدخل في تمرير الصفقات و توظيف الاشخاص و رخص الاستغلال و تسريح السيارات و المركبات من المحاجز و الاستفادة من التسهيلات دون علم مشغله ” سي حمودة ” بعد ان نسج علاقات مع ذوي النفوذ و الاعيان و اصحاب المصالح و دون ارقامهم بمذكرة جيبه الجديدة .
أحيل ” سي حمودة ” على التقاعد ، رحل للاقامة بجانب نجلته ” لالة عفاف ” بالمهجر .
ثار اصحاب الارقام المدونة والغير المدونة بالمذكرة الجديدة على ” قاسم” .
استقدم المسؤول الجديد طاقما جديدا لخدمة اقامته ، احيل ” عباس ” على مقصف الادارة ، ينتظر خدمة موظف ارهقه عمل المكتب ، جاء لتدخين سيجارته ينفث عبرها هموم الوظيفة و مشاغل الحياة ….
الصويرة 2022/09/20